من المهام الملقاة على عاتق هيئة الأوقاف أو وزارة الأوقاف تنمية أموال الوقف وتطويرها للوفاء بالأغراض التي حددها الواقفون، وإشراك الوقف في النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع المسلم المعاصر ، بيد أن هناك شروط صارمة لإستثمار أموال الوقف منها أن تكون الأموال المستثمرة من فائض مصارف الوقف التي حددها الواقفون وان يكون مجال الاستثمار يتفق مع غرض الواقف وأن يكون إستثمار اموال الوقف في المجالات والانشطة المشروعة وان يكون الاستثمار لاموال الوقف بناء على دراسات جدوى دقيقة ، لأن الاستثمار من التصرفات الدائرة بين الربح والخسارة أو النفع والضرر، والاصل انه لايجوز لناظر الوقف ان يباشر التصرفات الدائرة بين النفع والضرر أو الربح والخسارة.
فإذا تحققت شروط إستثمار أموال الوقف المشار إليها ،فعندئذ يجوز للأوقاف استثمار اموال الوقف ، ومن اوجه إستثمار اموال الوقف ان يقوم مدير مكتب الاوقاف بتسليم الارض الموقوفة إلى مستثمر لبناء مشروع إستثماري عليها مقابل أن يمنح المستأجر المستثمر الأوقاف بعض عائدات المشروع أو جزء من المشروع وبعد إنتهاء مدة المشروع الإستثماري يؤول المشروع إلى الأوقاف وهو مايسمى عند الفقهاء بوقف المرصد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-4-2010م في الطعن رقم (37510)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه: (وحيث أن مكتب الأوقاف ابرم عقداً إستثمارياً مع المدخلين راعى فيها مصلحة الوقف فإن متولي الوقف قد حرص على تحقيق المصلحة وفقاً لنص المادة (42) من اللائحة الخاصة بتنظيم التأجير في فقرتها (22) وكذا المادة (48) من اللائحة ذاتها، وقد كان من الواجب على المحكمة أن تراعي ما ذهب إليه مكتب الأوقاف لمصلحة الوقف وعدم الخروج عنه وإلزام المدخلين بتنفيذ بنود العقد المبرم فيما بينهم وبين الأوقاف وبحسب الشروط الواردة فيه)، وقد قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم الابتدائي لإستيعاب المستأنفين ضمن المحلات التجارية في المشروع الإستثماري التي ستكون من حصة الاوقاف بعد إنجاز المشروع ، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة التجارية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (والدائرة: تجد أن الحكم المطعون فيه قد انصف الطاعنين بالوعد من جانب الأوقاف بإعادة التعاقد معهم ومنح كل واحد منهم محلين تجاريين من حصة الأوقاف بعد إكمال تنفيذ المشروع الإستثماري ، وهو ما نص عليه عقد الإستثمار في البند الثامن، ولذك فإن الحكم الاستئنافي قد راعى مصلحة الوقف ومصلحة المدخلين ، ولذلك فإن الحكم قد وافق الشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: المقصود بإستثمار أموال الوقف
أصل الإستثمار: هو طلب الحصول على ثمرة الشيء، والإستثمار هو تنمية مال الوقف بالطرق المشروعة بهدف نماء وزيادة أموال الوقف، والإستثمار قد يكون محله العين الموقوفة، وقد يكون محله عائدات الأعيان الموقوفة.
والهدف من إستثمار أموال الوقف هو زيادة ونماء العين أو عائدات الوقف التي يتم إستثمارها، وكذا يهدف إستثمار أموال الوقف إلى ديمومة الوقف وإستثمار الأعيان الموقوفة في أداء وتحقيق أغراض الواقف، وتحقيق النفع للموقوف عليهم، فضلا عن مشاركة الوقف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المسلم المعاصر.
ويختلف مفهوم إستثمار الوقف عن مفهوم إستغلال الوقف، فإستغلال الوقف: هو إستعمال المال الموقوف في تحقيق الأغراض التي حددها الواقف.
الوجه الثاني: طرق إستثمار أموال الوقوف
أولا : الاستثمار عن طريق تاجير اعيان الوقف: إذ تقوم إدارة الوقف بتأجير أراضي الوقف للمستثمرين لإقامة مشاريع إقتصادية ربحية فيها أو عليها، وهذا النوع من الإستثمار جائز ، لأنه يحافظ على الأعيان ويكفل لها الديمومة والإستمرار في أداء وظيفتها وتحقيق أغراض الوقف.
ثانيا: مشاركة الاوقاف مع الغير في استثمار اراضي أو اعيان الوقف: مثلما حصل في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا ، إذ قام مكتب الاوقاف بتاجير أرض الوقف للمستثمر لإقامة سوق تجاري عليها مقابل ان يكون لمكتب الاوقاف عدد من الدكاكين يقوم المكتب بتاجيرها وتحصيل عائداتها.
ثالثا: إستثمار حاصلات الوقف: ويتم ذلك عن طريق قيام الجهة المعنية بالوقف بتوجيه عائدات الاعيان الموقوفة أو الأموال المتحصلة من اعيان الوقف الفائضة أو الزائدة عن المصارف التي حددها الواقف وذلك في إنشاء مشاريع إستثمارية تزيد من عائدات أو حاصلات الوقف أو مشاركة الأوقاف مع الغير في المشاريع الاستثمارية. (خطورة إندثار الوقف على العمل الخيري، د. الناجي لمين ، دار الكلمة الرباط المغرب ٢٠١٢م، ص١٠٣).
الوجه الثالث: مدى جواز المضاربة اوالمشاركة أو المتاجرة بأموال الوقف
من المعروف أن المضاربة والمشاركة والمتاجرة من التصرفات التي تدور بين الربح والخسارة أو الضرر والنفع ، ولذلك فان نتيجة المضاربة أو المشاركة أو المتاجرة اما الربح أو الخسارة، حيث يتقاسم مكتب الوقف مع المضارب أو الشريك الربح والخسارة، وكذلك الحال إذا قام مكتب الاوقاف بنفسه باستثمار عائدات الوقف ، لأن المتاجرة من التصرفات الدائرة بين الربح والخسارة.
ومسألة المضاربة أو المشاركة التجارية أو قيام مكتب الاوقاف بالمتاجرة بأموال الوقف محل خلاف بين الفقهاء، إذ يذهب فريق من الفقهاء إلى عدم جواز المضاربة أو المشاركة التجارية مع الغير أو قيام مكتب الاوقاف بالمتاجرة بأموال الوقف ، لأن هذه التصرفات دائرة بين الربح والخسارة ، وناظر الوقف لا يجوز له ذلك ، لأن ناظر الوقف لا يملك العين الموقوفة وإنما يملك إدارة العين الموقوفة فقط ، في حين يذهب فريق آخرمن الفقهاء إلى جواز المضاربة والمشاركة والمتاجرة بأموال الوقف ، لأن إستثمار الوقف يستدعي ذلك، حتى يؤدي الوقف دوره في التنمية الإقتصادية والإجتماعية في المجتمع المسلم المعاصر.
الوجه الرابع: ضوابط إستثمار أموال الوقف
عند إستثمار أموال الوقف يجب مراعاة الضوابط اللازمة لحفظ اعيان الوقف وعائداته وتحقيق اغراض الواقفين ، ومن أهم ضوابط إستثمار الوقف الضوابط الآتية:
1- أن تكون صيغة الإستثمار مشروعة وفي مجال مشروع.
2- مراعاة تنوع مجالات الإستثمار لتقليل مخاطر الإستثمار وأخذ الضمانات والكفالات الكافية والمناسبة، وتوثيق العقود والقيام بدراسات الجدوى الإقتصادية اللازمة لمشروعات الوقف الإستثمارية أو تلك التي تشارك فيها هيئة الأوقاف.
3- إختيار وسائل الإستثمار الأكثر أماناً، وتجنب الإستثمارات ذات المخاطر العالية حسبما يقتضيه العرف التجاري والإستثماري والوضع الاقتصادي في الدولة.
4- ينبغي إستثمار أموال الوقف بالصيغ المشروعة الملائمة لنوع المال الموقوف بما يعود بالنفع على مصلحة الوقف وبما يحافظ على العين الموقوفة ويحفظ مصالح الموقوف عليهم، وبناءً على هذا إذا كانت الأصول أو الأعيان الموقوفة أعياناً فإن إستثمارها يكون بما لا يؤدي الى زوال ملكيتها وإن كانت نقوداً فيمكن إستثمارها في جميع وسائل الإستثمار المشروعة كالمضاربة والمرابحة والإستصناع...إلخ.
5- الإفصاح دورياً عن عمليات الإستثمار ونشر المعلومات والإعلان عنها حسب الأعراف التجارية في هذا الشأن. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الأوقاف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٢م، ص١٨٧) ، والله اعلم.
![]() |
استثمار أموال الوقف في القانون اليمني |