يقع التحكم في الحكم حينما يصدر القاضي الحكم خلافاً للأدلة والحجج والبراهين المعروضة على المحكمة، فإهمال الحكم للأدلة الثابتة المقدمة من الخصوم والحكم على خلافها تحكم في الحكم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-4-2010م في الطعن رقم (37774)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ولما كان ما انتهت إليه الشعبة التجارية في نتيجة حكمها لا يتسق مع الحجج والأدلة المطروحة في النزاع فان ذلك تحكم، ولذلك فإن الدائرة: تقرر نقض الحكم الاستئنافي وإعادة ملف القضية إلى الشعبة لنظرها من جديد بجلسات متوالية وإستدراك ما شاب الحكم من قصور والفصل في النزاع وفقاً للقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى التحكم في الحكم
التحكم: هو إستبداد القاضي وفرضه لرغبته وهواه وإستناده إلى رغبته وهواه الشخصي في الحكم الذي اصدره دون أن يراعي الأدلة المعروضة في النزاع، بل أن مجرد إهمال الحكم لأدلة الخصوم وعدم مناقشتها اوالتعرض لها والحكم على خلافها يعد من قبيل التحكم في الحكم، والاستناد إلى الرغبة الشخصية والهوى عوضا عن الادلة المعروضة على المحكمة.
الوجه الثاني: طرح الأدلة بعد مناقشتها لا يكون تحكماً
إذا ناقش الحكم الأدلة وفقاً للنصوص القانونية والثابت في أوراق القضية وبعد مناقشتها طرحها الحكم وقضى بخلافها فإن ذلك لا يكون تحكماً، لأن تقدير الأدلة يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، فإذا قام الحكم بعرض أدلة الخصوم وقام بمناقشتها وطرح الادلة ولم يأخذ بها وقضى على خلافها وذكر سبب طرحه لها، وكان لهذه الأسباب أصل في القانون وأوراق القضية ، فإن ذلك لا يكون تحكماً، لأن التحكم حسبما سبق بيانه هو إهمال الأدلة المعروضة وعدم مناقشتها والقضاء على خلافها. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثالث ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص٣٦٥).
الوجه الثالث: الأدلة التي تكون مخالفتها تحكماً
لا يقع التحكم في الحكم إلا إذا كانت الأدلة التي قضى الحكم على خلافها سليمة وكافية لإقامة الحكم عليها ومع ذلك تجاهلها الحكم وقضى على خلافها، اما اذا كانت الادلة سقيمة عقيمة لاتصلح للإستناد ولاتكفي لإقامة الحكم عليها، فان طرحها لايكون تحكما.
الوجه الرابع: إجتهاد القاضي لا يكون تحكماً
إذا ناقش الحكم الأدلة واخطأ في تقديرها فإن ذلك لا يكون تحكماً حتى لو اخطأ الحكم في تقديره لتلك الأدلة، لأن مناقشة الحكم لتلك الأدلة تدل على أن القاضي قد اجتهد في تقديره للأدلة ولم يكن متحكماً.
الوجه الخامس: التحكم في الحكم قد يكون سببا لمخاصمة القاضي الذي اصدر الحكم
نصت المادة (١٤٥) من قانون المرافعات اليمني على أن من أسباب دعوى مخاصمة القاضي الخطأ المهني الجسيم وكذا تعمد الجور في حكمه، ولا ريب ان التحكم في الحكم على النحو السابق بيانه قد يكون خطأ مهنيا جسيما، مما يبرر دعوى مخاصمة القاضي، كما ان التحكم قد يكون جورا من القاضي إذا أعترف القاضي بتعمده الجور في حكمه.
الوجه السادس: التحكم في الحكم مخل بحياد القاضي:
نصت المادة (٢١) مرافعات على أن (يتقيد القاضي في قضائه بمبدا الحياد)، وقد ورد هذا النص ضمن المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي، ولاريب ان تحكم القاضي في حكمه وبناء حكمه على رغبته وهواه بدلا من الادلة المعروضة إنحياز واضح من القاضي للخصم الذي حكم لصالحه. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء ٢٠٢٤، ص١٣٢)، والله اعلم.
![]() |
في القانون والقضاء اليمني |