لا يجوز للخصم أن ينازع فيما تعهد به

مفهوم الإلتزام في القانون مفهوم واسع ، فهو عبارة عن رابطة قانونية بين شخصين يلتزم أحد الطرفين وهو (المدين) بأداء معين لمصلحة الطرف الآخر (الدائن)، وقد يكون محل الإلتزام إيجابياً مثل دفع مبلغ من المال أو القيام بعمل ، كما قد قد يكون محل الإلتزام سلبياً مثل الإمتناع عن عمل معين ، ومصادر الإلتزام عدة كالعقود والأفعال الضارة والأفعال النافعة والقانون والإرادة المنفردة. في حين ان الإلتزام أو التعهد المقصود في هذا التعليق هو إقرار الشخص وتعهده بانه سيقوم في المستقبل بعمل أو يمتنع عن عمل ، ويطلق على هذا التصرف في اليمن التزام ، وبناء على ذلك فأن الشخص إذا التزم لغيره على هذا النحو فانه يجب عليه الوفاء بما التزم به، فإن لم يقم بذلك من تلقاء نفسه فأنه يجب على القضاء حمله على الوفاء بما التزم به إذا طلب الطرف الآخر من القضاء الحكم بذلك، لأن تعهد الشخص أو إلتزامه لغيره بمثابة إقرار منه بالحق للطرف الآخر، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-12-2009م في الطعن رقم (37778)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعن غير سديد، لأن النزاع أمام المحكمة الابتدائية التجارية هي دعوى إيجار محل تجاري، وقد التزمت الشركة المستأجرة بسداد ما عليها من إيجارات، لذلك فهي ملزمة بدفع ما التزمت به)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

الوجه الأول: ماهية إلتزام الخصم

 معنى مصطلح الإلتزام في القانون هو: رابطة قانونية بين شخصين يلتزم أحد الطرفين وهو (المدين) بأداء معين لمصلحة الطرف الآخر (الدائن)، وقد يكون محل الإلتزام إيجابياً مثل دفع مبلغ من المال ، وقد يكون محل الإلتزام إيجابياً مثل دفع مبلغ من المال أو القيام بعمل معين ، كما قد قد يكون محل الإلتزام سلبياً مثل الإمتناع عن عمل معين ، ومصادر الإلتزام عدة كالعقود والأفعال الضارة والأفعال النافعة والقانون والإرادة المنفردة. 

وهذا هو المفهوم القانوني للإلتزام، أما الإلتزام المشار إليه في الحكم محل تعليقنا فهو مصطلح شائع في اليمن بكثرة، إذ يطلق هذا المصطلح على إقرار الشخص بأنه سيقوم في المستقبل بدفع مال أو القيام بعمل أو الإمتناع عنه. 

ومحل الإلتزام مختلف، فقد كان محل الإلتزام في الحكم محل تعليقنا هو التزام الطاعن بدفع الإيجارات المتأخرة إلى المؤجر ، غير أنه قد يكون محل الإلتزام إخلاء العين المستأجرة أو سد نافذة أو بناء جدار أو شق طريق أو توريد بضاعة أو دفع مبلغ من المال، أو الإمتناع عن عمل مثل الإمتناع عن المرور في أرض الغير أو رعي المواشي في أرض الغير أو الإمتناع عن قطع أشجار أو جني محصول أو قطف قات. 

الوجه الثاني: تكييف تعهد الشخص أو إلتزامه بدفع مال أو القيام بعمل أو الإمتناع عنه

التعهد أو الإلتزام الصادر من الشخص ليس عقداً وإنما إقرار من الشخص بأنه سيقوم في المستقبل بدفع مبلغ إلى شخص آخر أو القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل، وعلى هذا الأساس فالإلتزام والتعهد في هذه الحالة هو عبارة عن إقرار من الشخص، ولذلك تنطبق عليه كافة أحكام الإقرار من حيث حجية الإقرار وشروط الشخص الذي أقر وشروط الشيء الذي أقر به. 

وقد يكون هذا الإلتزام ثابتاً بالكتابة وعندئذٍ تسري عليه أحكام المحرر الرسمي أو العرفي بحسب وصفه، وقد يكون الإلتزام شفهيا ولكنه ثابت عن طريق شهادات الشهود أو عن طريق إقرار الشخص نفسه الذي سبق أن التزم وتعهد بدفع المبلغ أو القيام بعمل أو الإمتناع عن ذلك العمل. 

الوجه الثالث: حجية التعهد أو الإلتزام ولزومه

التعهد أو الإلتزام بحسب المفهوم السابق يعد إقراراً حسبما سبق بيانه، ولذلك فأن هذا التعهد أو الإلتزام حجة قاطعة في مواجهة الشخص الذي تعهد أو التزم، وبناءً على ذلك فأنه يجب على الشخص المقر الوفاء بما التزم به أو تعهد به، فإذا لم يقم الشخص المتعهد بذلك، فإنه يحق للشخص الذي صدر الإلتزام لصالحه أن يلجأ إلى القضاء مطالباً بحمل الشخص المتعهد على الوفاء بما تعهد به. 

ومن جانب آخر فأنه لا يجوز للشخص الملتزم أن يتراجع عما التزم به لتعلق حق الغير بذلك. 

ومفاد ذلك أنه لا يحق للشخص الملتزم أن يتحلل مما سبق له أن التزم به ، فلا يحق له أن يعمل على خلاف ما التزم به أو يناقضه. 

الوجه الرابع: صدور الإلتزام من الشخص يدل على خلو محل الإلتزام من النزاع

إذا التزم الشخص وتعهد بدفع مال أو القيام بعمل أو الإمتناع عنه، فإن هذا التعهد أو الإلتزام أو الإقرار يدل على أن المحل الذي التزم به الشخص خالياً من النزاع وأنه لا يحق للشخص الملتزم أن ينازع فيما سبق له ان التزم به أو يتخلف عما التزم به، لأن هذا الشخص قد التزم بمحض إرادته للتدليل على أن ما التزم به خالياً من النزاع. 

ولأن الإلتزام عبارة عن إقرار أو تصرف بإرادة منفردة من جانب واحد فأنه لا يجوز للملتزم أن ينازع في تنفيذ ما التزم به أو يعلق تنفيذ إلتزامه على التزامات أخرى على الشخص الذي صدر الإلتزام لصالحه إلا إذا كان التزامه مشروطا بقيام الطرف الآخر بالوفاء بإلتزامه.

الوجه الخامس: صلاحية سند الإلتزام للمطالبة به عن طريق أمر الأداء

إذا كان التعهد أو الإلتزام ثابتاً بالكتابة وكان محله مبلغاً من المال معين المقدار حال الأداء خالياً من النزاع أو منقولاً معينا فأنه يجب على الشخص الذي صدر الإلتزام لصالحه أن يطلبه من المحكمة عن طريق أمر الأداء وفقاً للمادة (263) مرافعات. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل المدنية الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2023م، صـ366)، والله اعلم.

لا يجوز للخصم أن ينازع فيما تعهد به
في القضاء والقانون اليمني