سلطة المحكمة في تقدير الكفالة

معنى الكفالة في الشريعة الاسلامية والقانون المدني اليمني هو ضم الذمة المالية للكفيل الى الذمة المالية للمكفول عليه، بيد ان مفهوم الكفالة في قانون المرافعات اليمني يختلف عن ذلك ، فالكفالة عبارة عن امانة أو تامين لضمان الاضرار التي قد تلحق المنفذ ضده أو تامين أو امانة لضمان جدية الطعن ، فلاتكون الكفالة ضم ذمة إلى ذمة الا إلى في حالة تقديم طالب التنفيذ أو المنفذ ضده كفيل مقتدر، ولذلك فقد كان من المناسب في غيرهذه الحالة ان يسمي قانون المرافعات الكفالة بالامانة أو التامين وليس الكفالة.

 وهناك في قانون المرافعات كفالات قدرها قانون المرافعات مثل الكفالة التي يدفعها الطاعن عند الطعن بالنقض او التماس إعادة النظر أو الكفالة عند تقديم دعوى مخاصمة القاضي، وقد تولى القانون تحديد مبالغ هذه الكفالات ، فلا مجال أمام القاضي لتقدير مبالغ هذه الكفالات ، في حين أن هناك كفالات قررها القانون غير انه ترك لقاضي التنفيذ سلطة تقديرها، مثل الكفالة في تنفيذ الحكم المستعجل على النحو المقرر في المادة (243) مرافعات وكذا كفالة تنفيذ أحكام وأوامر الأداء حسبما هو مقرر في المادة (335) مرافعات والكفالة عند تنفيذ الأحكام المذكورة في المادة (336) مرافعات أو وقف تنفيذها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-4-2010م في الطعن رقم (36569)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة: تجد أن نعي الطاعن غير منتج ، لأن تقدير الكفالة من سلطة المحكمة إضافة إلى أن هناك أصول مرهونة لدى الطاعن وقد قبلها الطاعن في حينه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الكفالات التي قدر قانون المرافعات مقدارها عند الطعن بالنقض او إلتماس إعادة النظر وعند مخاصمة القاضي

نصت الفقرة (ب) من المادة (295) مرافعات على أنه (يجب على الطاعن بالنقض أن يودع خزينة المحكمة كفالة مالية قدرها خمسة آلاف ريال...)، كذلك نصت الفقرة (3) من المادة (307) مرافعات على أن (يودع الملتمس أمانة قدرها خمسة وعشرين ألف ريالاً إذا كان الحكم الملتمس عليه صادراً من المحكمة الابتدائية وخمسون ألف ريالاً إذا كان صادراً من المحكمة الاستئنافية ومائة ألف ريالاً إذا كان الحكم صادراً من المحكمة العليا).

وكذا نصت المادة (١٤٨)مرافعات فقرة (٢) بند ( ب) على أنه يجب على من يرفع دعوى مخاصمة ضد القاضي يجب عليه ان يرفق بعريضة دعواه ( مايثبت إيداعه بخزينة المحكمة كفالة مقدارها خمسون ألف ريالا اذا المخاصم قاضيا في محكمة ابتدائية أو مائة ألف ريالا إذا كان القاضي المخاصم في محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا..).

فهذه الكفالات المشار إليها واشباهها لا مجال للقاضي في تقديرها ، لأن القانون ذاته قد تولى تقديرها، كما ان هذه الكفالات في حقيقتها ليست ضم ذمة مالية إلى ذمة مالية أخرى وإنما هي عبارة عن تامين نقدي لضمان جدية الطعن بالنقض او إلتماس إعادة النظر أو دعوى مخاصمة القاضي، فاذا حكمت المحكمة بقبول الطعن أو الإلتماس أو دعوى المخاصمة فانها تقضي پإعادة المبلغ السابق دفعه، وان كان حكمها بالرفض فانها تحكم بمصادرة المبلغ.

الوجه الثاني: الكفالات التي قررها قانون المرافعات وترك تقديرها للقاضي عند تنفيذ الحكم المستعجل

هي الكفالات التي قررها قانون المرافعات بنصوص صريحة ، بيد انه لم ينص على تقديرها وانما ترك تقديرها الى قاضي التنفيذ مثل كفالة تنفيذ الحكم المستعجل أو كفالة التنفيذ المعجل للحكم أو كفالة وقف تنفيذه، إذا ترك قانون المرافعات أمر تقديرها لمحكمة لقاضي التنفيذ.

الوجه الثالث: كفالة تنفيذ الحكم المستعجل

نصت المادة (243) من قانون المرافعات اليمني على أن (يصدر الحكــم في المسائل المستعجلة من المحكمة المختصة أو ممن يندب فيها لذلك من القضــاة خلال (24) ساعة من التاريخ المحدد للحضور في مواجهة المدعى عليه أو المنصوب عنه ،ويكون الحكم واجب التنفيذ فور صدوره من واقع مسودته دون إتباع مقدمات التنفيذ الجبري ، وللمحكمة أن تشترط لتنفيذ الحكم تقديم كفالة تقدرها بحسب الأحوال فإذا لم تنص في حكمها على تقديم الكفالة كان الحكم واجب النفاذ بدون كفالة).

وقد صرح هذا النص بأنه يجوز للمحكمة أن تشترط تقديم كفالة لتنفيذ الحكم المستعجل أو لاتشترط ذلك، فتحديد المحكمة للكفالة أمر جوازي في هذه الحالة وليس وجوبياً، إضافة إلى أن النص السابق قد صرح أيضاً بأن تقدير الكفالة في هذه الحالة يخضع لتقدير قاضي التنفيذ.

الوجه الرابع: كفالة التنفيذ المعجل للحكم وتقديرها من قبل قاضي التنفيذ

حددت المادة (335) مرافعات الأحكام التي يجب على قاضي التنفيذ بقوة القانون تنفيذها تنفيذا معجلا إذا طلب منه المحكوم له ذلك شريطة أن يقدم طالب التنفيذ الكفالة اللازمة، إذ نصت الفقرة (١) من المادة (335) مرافعات على أنه : (تكون الأحكام والأوامر التالية واجبة التنفيذ المعجل فور صدورها وبقوة القانون: -1- الأحكام وأوامر الأداء الصادرة في المسائل التجارية بشرط الكفالة ).

فقد صرح هذا النص ان احكام وأوامر الأداء يجب تنفيذها معجلا شريطة ان يقدم طالب التنفيذ الكفالة التي يتولى تقديرها قاضي التنفيذ، فعند مطالعة النص القانوني السابق يظهر أن أحكام وأوامر الأداء في المسائل التجارية تكون واجبة التنفيذ المعجل بشرط الكفالة، ومعنى ذلك أنه يجب على القاضي أن لا يباشر التنفيذ المعجل لهذه الأحكام والأوامر إلا إذا كانت هناك كفالة مناسبة مقدمة من طالب التنفيذ بحسب الإجراءات المحددة في القانون التي سياتي بيانها.

 الوجه الخامس: الأحكام التي يجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذها معجلاً (التنفيذ المعجل الجوازي) شريطة تقديم الكفالة

وهي الأحكام التي يجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذها تنفيذا معجلا شريطة أن يقوم طالب التنفيذ بتقديم الكفالة اللازمة، فالتنفيذ المعجل في هذه الحالات لايقع بحكم القانون وانما بأمر المحكمة ، وقد حددت المادة (336) مرافعات الأحكام التي يجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذها تنفيذا معجلا شريطة تقديم الكفالة من طالب التنفيذ ، إذ نصت المادة (336) مرافعات على أنه (يجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ الأحكام الصادرة في المسائل الآتية معجلاً وبشرط الكفالة: -1- إذا كان المحكوم عليه قد أقر بنشأة الإلتزام أو جزء منه. -2- إذا كان الحكم قد صدر بناءً على سند رسمي لم يطعن بتزويره أو سند عرفي لم تقم بشأنه منازعة -3- إذا كان الحكم صادراً في مرتب أو معاش أو أجر أو تعويض -4- إذا كان يترتب على تأخير تنفيذ الحكم ضرر جسيم).

فالنص القانوني السابق اجاز للمحكمة أن تأمر بالتنفيذ المعجل بشرط الكفالة، ومفاد هذا النص أنه لا يجوز للمحكمة أن تأمر بالتنفيذ المعجل الجوازي إلا إذا كان طالب التنفيذ قد قدم أمام المحكمة كفالة بحسب الإجراءات المحددة في النص القانوني الاتي بيانه، لأن التنفيذ المعجل في هذه الأحوال لا يجوز إلا بشرط الكفالة.

الوجه السادس: انواع كفالة التنفيذ المعجل

 كفالة التنفيذ المعجل لها وضعية خاصة ، فمهوم كفالة التنفيذ المعجل اعم من مفهوم الكفالة التجارية او الكفالة المدنية التي تقتصر على ضم الذمة المالية للكفيل الى ذمة المكفول عليه، فكفالة التنفيذ المعجل تضم عدة انواع من الكفالات، فقد حددت المادة (339) مرافعات أنواع كفالة التنفيذ المعجل للأحكام ، إذ نصت هذه المادة على أن: (تكون كفالة التنفيذ المعجل أو الأمر بوقفه بأي مما يأتي: -1- تقديم كفيل مقتدر -2- إيداع مبلغ نقدي أو شيك مقبول الدفع لدى خزانة المحكمة أو بنك معتمد -3- إيداع ما يتحصل من التنفيذ لدى خزانة المحكمة -4- تسليم الشيء المأمور بتسليمه في الحكم أو الأمر إلى حارس أمين مقتدر).

 وحق إختيار الكفالة المناسبة من بين أنواع الكفالات المذكورة في النص القانوني السابق هذا الحق مقرر للخصم وليس لقاضي التنفيذ عملا بالمادة (340) مرافعات التي نصت على أنه (يكون إعلان الخيار من الملزم بالكفالة بأي صورة من صورها المذكورة في المادة السابقة إلى قاضي التنفيذ بورقة مستقلة وعلى القاضي إبلاغ من له المصلحة بذلك الخيار خلال يومين من تاريخ إعلان الخيار).

ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن طالب التنفيذ أو المنفذ ضده هو الذي يختار أي من أنواع الكفالة المحددة في المادة (339) مرافعات السابق ذكرنا.

 فالخصوم هم الذين يختاروا الكفالة المناسبة من بين انواع الكفالات المحددة في النص القانوني السابق ، فالإختيار لنوع الكفالة لايخضع للسلطة التقديرية للمحكمة، غير أن الخصم إذا اختار نوع من انواع الكفالات المحددة في النص فان المحكمة تتولى التقدير في نطاق النوع الذي اختاره الخصم ، فمثلا إذا اختار الخصم تقديم كفيل مقتدر فان قاضي التنفيذ هو يقدر مدى قدرة الكفيل المقتدر الذي اختاره الخصم. (ضمانات تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية، فتحية هنيش، رسالة ماجستير جامعة بسكرة الجزائر ٢٠١٣، ص١٠٧).

الوجه السابع: التناسب بين الكفالة والمال المنفذ عليه وسلطة المحكمة في هذا الشان

التناسب بين الكفالة والمال المنفذ عليه يعني أن قيمة الكفالة يجب أن تكون كافية لتغطية الضرر أو الخسارة المحتملة التي قد تلحق بالمنفذ ضده نتيجة التنفيذ المعجل على ماله، بمعنى آخر يجب أن تكون الكفالة بمثابة ضمان كافٍ لضمان حقوق المنفذ ضده نتيجة التنفيذ المعجل على ماله، اذا تم بعد ذلك إلغاء الحكم .

 وفي هذا الشان تظهر السلطة التقديرية لقاضي التنفيذ، إذ ينبغي على قاضي التنفيذ أن يتحرى من القدرة المالية للكفيل على الوفاء بقيمة المال المنفذ عليه الذي يضمنه الكفيل ،وان يتاكد مما اذا كان هناك تناسب فيما بين الشئ المحكوم به والشئ المنفذ عليه ، فعندما تكون الكفالة مالا فينبغي أن يشار في وثيقة الكفالة إلى أن الكفيل من خلال التحري أو النزول إلى محله التجاري فقد تاكد للمحكمة ان لدى الكفيل من الأموال ما يتناسب مع قيمة الشيء أو الحق أو المال المطلوب التنفيذ عليه، فهذا كله يخضع للسلطة التقديرية لقاضي التنفيذ.

الوجه الثامن: وجوب أن تقترن الكفالة بإحدى الحالات التي يجوز التنفيذ فيها معجلاً

 ومؤدى ذلك أنه يجب أن تتضمن وثيقة الكفالة الحالة التي يجوز بموجبها التنفيذ بشرط الكفالة،، وان تكون هذه الحالة من الحالات المذكورة في المادة (336) مرافعات السابق ذكرها، حتى تكون الحالة التي يضمنها الكفيل واضحة في وثيقة الكفالة، لأن وثيقة الكفالة إذا لم تتضمن الحالة التي يجوز التنفيذ فيها بشرط الكفالة، فإن الكفالة في هذه الحالة تكون مجهولة جهالة فاحشة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التنفيذ، أ. د . عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص١٥٤).

الوجه التاسع: مدى جواز فرض كفالات على الخصوم لم يتم النص عليها في قانون المرافعات أو غيره من القوانين

سبق القول: أن القاضي متقيد بتطبيق نصوص القانون بما في ذلك النصوص القانونية التي توجب على الخصم تقديم كفالة عند مباشرة المحكمة لبعض الإجراءات، إذ يجب على القاضي التقيد الصارم بالنصوص التي تقرر الكفالة من حيث فرضها وتقديرها وإجراءات ذلك.

والمنهج الذي يناسب الحال في اليمن أنه لا يجوز للقاضي أن يفرض على الخصوم كفالات في غير الأحوال المقررة في قانون المرافعات أو غيره من القوانين، لأن الكفالات من القيود التي تقيد حرية الخصوم في الإدعاء والدفاع ، خلافاً للشرع والدستور والقانون. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التنفيذ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص341)، والله اعلم.

سلطة المحكمة في تقدير الكفالة
أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين