أجاز قانون المرافعات اليمني في المادة (117) أجاز للأقارب بصفة عامة أن يتوكلوا في الخصومة عن بعضهم البعض ولم يقرر النص المشار اليه البطلان إذا تم التوكيل في الخصومة لغير القريب، بيد أن قانون قانون المحاماة اليمني صرح في المادة (٣٩) بعدم جواز قبول المحاكم للوكالة في الخصومة اذا صدرت لغير المحامي أو غير القريب.
في حين نصت المادة (125) مرافعات على أنه يترتب البطلان في التوكيل بالخصومة بالنسبة للقضاة وأعضاء النيابة ورجال الأمن والجيش والعاملين في وزارة العدل والمحاكم إذا كانوا وكلاء في الخصومة عن اقاربهم ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-4-2010م في الطعن رقم (39123)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة: تجد أن هذا النعي في محله ذلك أن المادة (117) مرافعات نصت على أنه (مع مراعاة ما ينص عليه قانون المحاماة والمادة (125) من هذا القانون يقبل وكيلاً عن الخصم المحامون والأزواج والأقارب والأصهار إلى الدرجة الرابعة...إلخ)، ولم ترتب هذه المادة بطلان العمل في حالة رفع الدعوى من غير من ذكر بينما المادة (125) مرافعات نصت على أنه لا يجوز لأحد القضاة أو مساعديهم أو النائب العام ولا أي عضو من أعضاء النيابة العامة أو رجال الجيش والأمن ولا لأحد العاملين بالمحاكم ووزارة العدل أن يكون وكيلاً أو منصوباً عن الخصوم في الحضور أو المرافعة في الدعاوى مشافهة أو بالكتابة أو بالإفتاء أمام أية محكمة كانت إلا أن يكون ذلك عمن لهم الولاية أو الوصاية عليهم شرعاً وقانوناً أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم ، وكل عمل يتم خلاف ذلك يكون باطلاً ، فضلاً عن المحاكمة التأديبية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: التوكيل في الخصومة للأقارب من غير القضاة ورجال الجيش والأمن
اجازت المادة (117) من قانون المرافعات اليمني التوكيل في الخصومة للأقارب من غير القضاة وأعضاء النيابة العامة ورجال الجيش والأمن والعاملين في المحاكم ووزارة العدل، فقد نصت المادة (117) مرافعات على أنه (مع مراعاة ما ينص عليه قانون المحاماة والمادة (125) من هذا القانون يقبل وكيلاً عن الخصم المحامون والأزواج والأقارب والأصهار إلى الدرجة الرابعة ، وتثبت الوكالة بصك رسمي معتمد أو بإقرار الموكل أمام المحكمة إذا كان حاضراً ، ويثبت ذلك في محضر الجلسة).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق نستنتج الآتي:
1- اجاز النص القانوني السابق التوكيل في الخصومة عن الغير للمحامين: والمحامي وفقاً لقانون المحاماة هو صاحب المهنة والإختصاص والخبرة في التوكيل في الخصومة، فالمحامي هو المؤهل للإضطلاع بمهمة التوكيل في الخصومة وتقديم العون للقاضي وتبصيره بالموقف القانوني السليم لموكله في القضية وعرض طلبات موكله واوجه دفاعه وفقا للقانون، وللتأكيد على هذه الحقيقة فقد صرح النص القانوني السابق على مراعاة ما ينص عليه قانون المحاماة بإعتبار المحامي هو الأجدر وهو المختص للقيام بالتوكيل في الخصومة، وفي هذا الشان نصت المادة (٣٩) من قانون المحاماة اليمني على انه: (لا يجوز للمحاكم على إختلاف درجاتها والنيابة العامة والجهات الرسمية والادارية قبول وكالة أي شخص غير حائز على ترخيص مزاولة المهنة صادر طبقا لاحكام هذا القانون، ويجوز للمتقاضين انفسهم في غير القضايا المنظورة امام المحكمة العليا ان ينيبوا عنهم في المرافعة ازواجهم واصهارهم وذوي قرابتهم حتى الدرجة الرابعة)، ومفاد هذا النص انه لايجوز لغير المحامي أو غير القريب ان يكون وكيلا عن غيره في الخصومة، سيما ان النص الوارد في قانون المحاماة هو الواجب التطبيق ، لان النص الوارد في قانون المرافعات قد صرح بوجوب مراعاة النص الوارد في قانون المحاماة.
2- اجاز النص السابق للأزواج التوكيل في الخصومة: ومعنى ذلك أنه يجوز للزوج أن يكون وكيلاً في الخصومة عن زوجته والعكس صحيح حتى ولو لم يكن الزوج محامياً.
3- اجاز النص السابق للأقارب: أن يكونوا وكلاء في الخصومة عن بعضهم حتى لو لم يكونوا من المحامين شريطة أن لا تتعدى قرابتهم الدرجة الرابعة.
ووفقاً للمادة (42) من القانون المدني اليمني فأن درجات القرابة هي: الدرجة الأولى: وتشمل الأب والأم والأبن والبنت، الدرجة الثانية: وتشمل الجد والجدة والأخ والأخت وابن الأبن وبنت الأبن وأبن البنت وبنت البنت، الدرجة الثالثة: وتشمل العم والعمة والخال والخالة وأبن الأخ وابنة الأخت، الدرجة الرابعة: وتشمل أبناء وبنات العم وأبناء وبنات الخال والخالة.
4- الأصهار: اجاز النص القانوني السابق للأصهار أن يكونوا وكلاء في الخصومة عن بعضهم شريطة أن لا تتعدى درجة المصاهرة الدرجة الرابعة حسبما ورد في النص المشار إليه، ووفقاً لأحكام القانون المدني اليمني وقانون الأحوال الشخصية اليمني فإن المقصود بالاصهار : زوجة الأب وزوجة الأبن وأم الزوجة وأبن الزوجة وأخت الزوجة وأخ الزوجة وجد الزوجة وجدة الزوجة وخالة الزوجة وأبن أخ الزوجة وأبنة أخت الزوجة.
5- اشترط النص االقانوني السابق أن يكون توكيل القريب لقريبه ثابتاً في وثيقة رسمية، ومعنى ذلك أنه يتم إنشاء وثيقة التوكيل أو المصادقة عليه من قبل قلم التوثيق أو السفارة اليمنية خارج اليمن، لأن قانون التوثيق قد صرح بأن المحررات التي يتم إنشاؤها أو المصادقة عليها في أقلام التوثيق تكون محررات رسمية وفقاً لقانون الإثبات ، لأن الموثقين موظفون عموميون مختصون بتحرير هذه المحررات والمصادقة عليها، بخلاف المحررات الصادرة عن الأمين الشرعي فأنها لم تعد محررات رسمية بموجب تعديل قانون التوثيق عام 2010م الذي حذف عن الأمين الشرعي وصف (المكلف بخدمة عامة).
الوجه الثاني: التوكيل في الخصومة من أقارب القضاة وأعضاء النيابة ورجال الجيش والأمن والعاملين في المحاكم ووزارة العدل
في هذا الشأن نصت المادة (125) من قانون المرافعات على أنه: ( على أنه لا يجوز لأحد القضاة أو مساعديهم أو النائب العام ولا أي عضو من أعضاء النيابة العامة أو رجال الجيش والأمن ولا لأحد العاملين بالمحاكم ووزارة العدل أن يكون وكيلاً أو منصوباً عن الخصوم في الحضور أو المرافعة في الدعاوى مشافهة أو بالكتابة أو بالإفتاء أمام أية محكمة كانت إلا أن يكون ذلك عمن لهم الولاية أو الوصاية عليهم شرعاً وقانوناً أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم ، وكل عمل يتم خلاف ذلك يكون باطلاً ، فضلاً عن المحاكمة التأديبية).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق نستنتج ما يأتي:
1- جاءت صيغة النص السابق في بدايتها بكلمة (لا يجوز) التي تفيد المنع والحظر، ومقتضى ذلك أنه لا يجوز للقضاة وأعضاء النيابة ورجال الجيش والأمن والعاملين في المحاكم أو وزارة العدل لا يجوز لهم أن يكونوا وكلاء في الخصومة، وهذا هو الأصل ، والاستثناء أنه يجوز لهم أن يكونوا وكلاء عن بعض أقاربهم كما سيأتي بيانه.
2- الظاهر من سياق النص القانوني السابق أن الغاية من حظر التوكيل في الخصومة للأشخاص المذكورين في النص هو تحقيق المساواة في إجراءات التقاضي، لأن الأشخاص المذكورين في النص شخصيات لها نفوذ وسلطة وتاثير بنسبة متفاوتة يخشى منها التأثير على سير إجراءات التقاضي في القضايا التي يتم توكيلهم فيها مما يخل بمبدأ المساواة الإجرائية.
3- بحسب صيغة النص القانوني السابق التي جاءت عامة فأنه لا يجوز لأي من الأشخاص المذكورين في النص ان يكونوا وكلاء في الخصومة عن غيرهم بأي وجه، طالما انهم يعملوا في وظائفهم ، وكذا يشمل الحظر الأشخاص المذكورين بكافة درجاتهم ومناصبهم وأعمالهم دون تفرقة .
4- الحظر الوارد في النص السابق يقتصر على قيام الغير بتوكيل الأشخاص المذكورين في النص أما توكيل الأشخاص المذكورين لغيرهم فهو جائز.
5- قرر النص السابق الأصل وهو حظر التوكيل في الخصومة للأشخاص المذكورين في النص، بيد أن النص ذاته قد قرر الاستثناء من هذا الاصل ، وهو أنه يجوز لهؤلاء الأشخاص التوكيل في الخصومة عن الأشخاص الذين لهم الولاية أو الوصاية عليهم كالقاصرين وكذا يجوز للأشخاص المذكورين في النص أن يكونوا وكلاء في الخصومة عن زوجاتهم أو ازواجهم أو أصولهم أي آبائهم وأجدادهم وفروعهم كأبنائهم وأبناء أبنائهم ، حسبما ورد في النص، لأن الوكالة في الخصومة عن هؤلاء من الواجبات الدينية والقانونية والأخلاقية التي تقع على عاتق هؤلاء الأشخاص.
6- الحظر الوارد في النص السابق عام وشامل يشمل كل أعمال الوكالة في الخصومة مثل كتابة العرائض والمذكرات للخصومة أو تقديم الإستشارات والفتاوى أو الحضور أمام المحاكم أو الجهات الإدارية المختصة للترافع أو تمثيل الخصوم.
7- صرح النص القانوني السابق ببطلان الأعمال والإجراءات التي تصدر عن الأشخاص المذكورين في النص في غير الحالات الاستثنائية التي رخص فيها النص لهؤلاء الأشخاص بالتوكيل في الخصومة.
الوجه الثالث: الجزاء المترتب على التوكيل في الخصومة بالمخالفة للمادتين (117 و 125) مرافعات السابق ذكرهما
قضى الحكم محل تعليقنا بأنه لا يترتب على التوكيل في الخصومة بالمخالفة للمادة (117) مرافعات بطلان الأعمال ، لأن المادة (117) مرافعات لم تنص على بطلان تلك الاعمال في حالة المخالفة ،مثلما نصت عليه المادة (125) مرافعات التي نصت على بطلان الأعمال إذا تمت بالمخالفة لماورد في النص.
بيد ان المادة (٣٩) من قانون المحاماة اليمني قد نصت على انه: (لا يجوز للمحاكم على إختلاف درجاتها والنيابة العامة والجهات الرسمية والادارية قبول وكالة أي شخص غير حائز على ترخيص مزاولة المهنة صادر طبقا لاحكام هذا القانون، ويجوز للمتقاضين انفسهم في غير القضايا المنظورة امام المحكمة العليا ان ينيبوا عنهم في المرافعة ازواجهم واصهارهم وذوي قرابتهم حتى الدرجة الرابعة).، ومفاد هذا النص انه لايجوز لغير المحامي أو غير القريب ان يكون وكيلا عن غيره في الخصومة، سيما ان النص الوارد في قانون المحاماة هو الواجب التطبيق ، لان النص الوارد في قانون المرافعات قد صرح بوجوب مراعاة النص الوارد في قانون المحاماة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل المحاماة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء 2024م، صـ185) ، والله اعلم.
![]() |
في القانون اليمني |