كل خصم ملزم بإثبات ما يدعيه

لغرض تطبيق أحكام الإثبات يكون كل خصم من الخصوم في مركز المدعي بالنسبة للوقائع والتصرفات التي ترد في دعاويه أو اقواله أو مذكراته ، فلا يكون عبء الإثبات على عاتق المدعي الأصلي فقط،، بل انه يجب على كل خصم أن يثبت ما يدعيه من وقائع أو تصرفات سواءً أكان الخصم في مركز الإدعاء أو مركز الدفاع، ولاريب أن الزام الخصوم بإثبات إدعاءاتهم التي ترد في اقوالهم أو مذكراتهم وسيلة ناجحة في التحقق من صحة الادعاءات وجديتها عند تقديمها إضافة إلى ان ذلك يسهم في تسريع اجراءات التقاضي ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-1-2010م في الطعن رقم (38359)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالواجب على محكمة الاستئناف إلزام من ترى إلزامه منهم بإثبات أي واقعة تفتقر إلى الإثبات تأسيساً على أن كل طرف ملزم بإثبات ما يدعيه وفقاً لأحكام المادة (166) مرافعات ثم تقوم المحكمة بالترجيح بين الأدلة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مفهوم الخصم الذي يقع عليه عبء الإثبات

مفهوم الخصم الذي يقع على عاتقه عبء الإثبات مفهوم واسع يشمل المدعي بالدعوى الأصلية والمدعى عليه، أي أن علي الإثبات يشمل الخصوم جميعاً، فكل خصم يدعي وقوع واقعة أو تصرف فعليه يقع عبء إثباته بصرف النظر عن المركز الأصلي للخصم في الدعوى الأصلية، فمثلاً: يقع اولا على عاتق المدعي الأصلي إثبات دعواه بإلزام المدعى عليه بسداد الدين الذي بذمته فإذا رد المدعى عليه بأنه قد سدد ذلك الدين فأنه ينبغي على المدعى عليه أن يثبت واقعة سداده للدين لأنه قد أدعى سداد الدين وهكذا.

وفي هذا المعنى نصت المادة (2) من قانون الإثبات اليمني على أنه: (على الدائن إثبات الحق، وعلى المدين إثبات التخلص منه، وتكون البينة على المدعي واليمين على من أنكر)،.

 فالإثبات لا يكون مقصور على المدعي الاصلي في الدعوى الأصلية. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء، ص٣٠٣).

الوجه الثاني: وقت إثبات الوقائع والتصرفات

المفروض أن يقترن الإدعاء بالواقعة أو التصرف بالأدلة عليها التي تثبت وجودها أو صحتها، فالواجب اصلا انه حينما يدعي الخصم بواقعة أو تصرف فالواجب عليه ان يرفق بقوله أو مذكرته الادلة على ما ادعاه.

والمفروض أن لا تقبل أية دعوى أو أي إدعاء إلا إذا اقترن بالأدلة على الواقعة أو التصرف المدعى به، ولا يستثنى من ذلك إلا الخصم حينما يكون في مركز الدفاع إذا تعذر عليه تحضير الادلة بسبب ضيق الوقت المتاح له، لأن المدعى عليه قد يستغرق وقتاً لتحضير أدلته كإحضار شهود أو الحصول على مستندات أو الإحالة إلى أعمال الخبرة أو المعاينة.

الوجه الثالث: قبول الدعاوى او نظرها من غير إثبات سبب لتأخر الفصل في القضايا

تظهر القيمة العملية للحكم محل تعليقنا أنه قد كشف سبباً من أسباب تأخر الفصل في القضايا، وهو قيام القضاء بقبول ونظر بعض الدعاوى من غير ان يتم تكليف الخصوم بإثبات ادعاءاتهم عند تقديم تلك الإدعاءات، بل قد يتم الفصل في تلك الإدعاءات من غير تكليف الخصوم بإثبات إدعاءاتهم مثلما وقع في القضية التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا.

فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإرجاع القضية إلى محكمة الموضوع لإلزام كل خصم بإثبات الوقائع التي يدعيها كل طرف على الطرف الآخر ثم الفصل في القضية، فقد ارجع الحكم محل تعليقنا القضية إلى محكمة الموضوع بعد أن ظلت القضية منظورة أمام درجات التقاضي لأكثر من سبع سنوات وبعد إعادتها إلى محكمة الموضوع سوف تستغرق مدة الفصل فيها مدة مماثلة، فلو كانت محكمة الموضوع قد الزمت كل خصم بإثبات ما يدعيه في وقت تقديم الإدعاء لحسمت المحكمة القضية في أسرع وقت.

الوجه الرابع: إثبات الإدعاءات وقت تقديمها يظهر مدى صحتها

ذكرنا فيما سبق أن إثبات الإدعاءات ينبغي أن يكون في وقت تقديم الخصوم لها، حتى تتحقق المحكمة من صحة تلك الإدعاءات، لأن الإدعاءات من غير إثبات أو بينة لا قيمة لها في ميزان الشرع والقانون والقضاء بل أن إلزام كل خصم پإثبات إدعاءته تجعل الخصم لا يجرؤ على الإدعاء على خصمه بأية إدعاءات مالم تكن لديه أدلة تثبتها.

ولذلك فقد نصت المادة (104) من قانون المرافعات اليمني على أنه يجب أن تشتمل عريضة الدعوى على البيانات الآتية: (-6- بياناً وافياً مختصراً عن موضوع الدعوى وأدلتها إجمالاً وطلبات المدعي محددة نوعها وصفتها وهل يطلبها بصفة مستعجلة أم عادية وترفق بها المستندات بحافظة).

الوجه الخامس: الترجيح بين ادلة الخصوم بعد قيامهم بإثبات ادعاءاتهم

 اشار الحكم محل تعليقنا الى انه يجب على القاضي ان يقوم بالترجيح بين ادلة الخصوم بعد قيامهم بإثبات إدعاءاتهم ، ومعلوم ان الترجيح بين الادلة يكون بحسب قوة الدليل وسلامته وبحسب عدد الادلة وهو مايسمى الترجيح بالكثرة ، ويكون الترجيح أيضا بحسب المطابقة بين الدليل والواقعة التي يدل عليها، ويكون الترجيح بحسب التطابق بين الدليل والنصوص الشرعية والقانونية.(التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء، ص٣١١)، والله اعلم.

كل خصم ملزم بإثبات ما يدعيه
في القانون اليمني