حكم التحكيم مثل الحكم القضائي يجب أن يكون جازماً حاسماً للنزاع، لأن الغرض والغاية من إختيار المحكم وتحديد موضوع النزاع في إتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم اليمني هو إيجاد وسيلة معاونة للقضاء في الفصل في القضايا للتخفيف على المحاكم، ومؤدى ذلك أنه يجب أن يتحقق في حكم التحكيم عنصر الحسم للنزاع المعروض على المحكم بحكمٍ ينهي هذا النزاع ويحسمه، وكذا ينبغي أن يتحقق في حكم التحكيم عنصر الجزم والإلزام ، فلا ينبغي أن يكون حكم التحكيم عبارة عن مقترحات أو توصيات ، فإذا افتقر حكم التحكيم لهذين العنصرين فأنه لا يكون حكماً بالمفهوم الشرعي والقانوني، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-12-2009م في الطعن رقم (37786)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وقد وجدت الدائرة: أن إستناد الحكم الاستئنافي إلى محرر التشريف المزبور بظاهر حكم التحكيم ، وكذا إستناد الحكم الإستئنافي إلى حكم التحكيم ، فقد وجدت الدائرة: أن ذلك الإستناد محل نظر، لأن حكم التحكيم الصادر بتاريخ..... ، قد قضى بإختيار محاسب قانوني ومهندس لمعرفة قدر كميات العمل المنجز وما تم صرفه فيه وما تحقق من ربح أو خسارة والإلزام بحلف اليمين فيما تناكرا عليه، فهذا الحكم غير حاسم للنزاع، الأمر الذي يترتب عليه قبول الطعن لقيام سببه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: تعريف الحكم
الحكم: هو القرار النهائي الذي يصدر عن القاضي أو المحكم ذي الولاية الذي تنتهي به الدعوى ، ويكون حجة فيما فصل فيه.
وكي تتحقق في الحكم أركانه فأنه يجب ان يصدر من هيئة قضائية أو قاضي له ولاية قضائية أو من محكم له ولاية بموجب إتفاق التحكيم ،وينبغي أن يصدر الحكم في دعوى مرفوعة أمام القاضي أو المحكم ، ويجب أن يكون الحكم مكتوباً وأن يكون موضوع الدعوى شيئا مشروعا.
وفي هذا المعنى نصت المادة (217) من قانون المرافعات اليمني على أن: (الحكم قرار مكتوب صادر في خصومة معينة من ذي ولاية قضائية شرعية وقانونية). (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م ، ص٢٦٥).
الوجه الثاني: مكونات حكم التحكيم وفقاً للقانون اليمني
نصت المادة (48) تحكيم في نهايتها على أنه : (يجب أن يشتمل حكم التحكيم على البيانات الآتية: - أسماء أطراف التحكيم وعناوينهم وجنسياتهم وملخص الطلبات ودفوعات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه وتاريخ ومكان إصداره).
فقد اشترط النص السابق أن يتضمن حكم التحكيم منطوق الحكم، والمنطوق: هو الحكم الذي يتضمن الفصل في النزاع وحسمه بحكمٍ لا رجاء فيه ولا تعليق وإلا فلا ينطبق عليه وصف الحكم.
الوجه الثالث: يجب أن يفصل حكم التحكيم في الخصومة التحكيمية
الغرض والغاية من لجوء الخصوم إلى التحكيم هو أن يقوم المحكم أو هيئة التحكيم بالفصل في الخصومة القائمة بينهم وحسم الخلاف القائم بينهم بحكم ينهي ويحسم النزاع.
فمعنى الحكم هو الفصل في الشجار، وهذا المعنى ظاهر في قوله تعالى (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، فالحكم هو حسم النزاع أو الشجار بما يقرره القاضي او المحكم في الدعوى المرفوعة أمامه والفصل والبت فيها على نحو حاسم في موضوعها.
فحسم النزاع القائم بين الخصوم هو الغرض الرئيس من إختيار المحكم ورفع الدعوى أمامه، فالغرض من التحكيم هو الوصول إلى حكمٍ عادل يتفق مع حقيقة مراكز الخصوم فيها ليضع حداً للنزاع القائم بينهم ،وذلك ببيان وجه الحق في طلبات الخصوم وحقوقهم.
فمن شروط حكم التحكيم أن يكون حاسماً للنزاع أي أن يفصل فيه بشكل نهائي وملزم للخصوم بأن يكون حكم التحكيم قاطعاً بشأن موضوع النزاع بحيث لا يترك مجالاً للشك أو الخلاف بشان ما تم الفصل فيه.
فمن المهم أن يكون حكم التحكيم حاسماً للخصومة لضمان تحقيق العدالة والفصل في النزاع بشكل نهائي وواضح، ولتوفير الوقت والجهد على الأطراف والقضاء حتى لايضطر الخصوم بعد الفصل في الخصومة التحكيمية الى اللجوء إلى القضاء مرة أخرى، ولذلك فان الحسم في حكم التحكيم يسهم في تجنب نشوب نزاعات مستقبلية بين الخصوم بشأن الموضوع ذاته. (العيوب في صياغة الحكم القضائي، د. سامي منصور رئيس محكمة التمييز، مركز المعلومات القانونية اللبنانية، بيروت 2015م، ص5).
الوجه الرابع: حجية المقترحات والتوصيات الواردة في حكم التحكيم الذي لم يحسم النزاع
سبق أن ذكرنا شروط الحكم ومن أهمها: أن يكون حاسماً يقطع الخصومة وينهيها حتى يمكن تنفيذ هذا الحكم من قبل المحكمة المختصة، غير أن مبدأ الإقتصاد في إجراءات التقاضي وعدم الهدر الإجرائي يقتضي على الخصوم أطراف التحكيم الإلتزام بالإجراءات أو المقترحات أو التوصيات التي توصل إليها حكم التحكيم الذي لم يحسم النزاع .
ويتم تنفيذ الإجراءات أو المقترحات أو التوصيات المشار إليها وذلك عن طريق المحكم نفسه أو محكم آخر أو عن طريق المحكمة، إذ ينبغي العمل بموجب الإجراءات والمقترحات التي توصل اليها المحكم في حكمه الذي لم يحسم النزاع للوصول إلى حكم حاسم للنزاع.
الوجه الخامس: المقترحات والتوصيات تفقد حكم التحكيم معناه
إذا توصل المحكم في حكم التحكيم إلى مجرد توصيات ومقترحات لحسم النزاع بين الخصوم فأن ذلك لا يكون حكماً جازماً حاسماً للنزاع، لأنه يفتقد إلى عنصر الإلزام أي إلزام الخصوم بتنفيذه، فقد سبق ان ذكرنا أن المقترحات لاتحسم النزاع ،لان الخصوم يلجاوا مرة اخرى إلى المحكم أو المحكمة لتنفيذ تلك المقترحات والوصول الى حكم حاسم للنزاع.
فالحكم يجب أن يكون جازماً وكافيا في فصله في النزاع لا يترك للخصوم أي مجال في العدول عن تنفيذه من حاجة الى حكم اخر او قضاء جديد يحسم النزاع، والجزم والحسم في الحكم يجب أن يكون ظاهراً في أسباب الحكم ومنطوقه. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م ، صً٢٦٥)، والله اعلم.
![]() |
في القانون اليمني |