تطبيق إتفاقيات التجارة من تاريخ مصادقة اليمن عليها

في الأعمال والتعاملات التجارية صار العالم قرية صغيرة ، فاضطرت الدول المختلفة للتوقيع على إتفاقيات التجارة الدولية أو الإنضمام إليها أو المصادقة عليها، فصارت هذه الإتفاقيات تنظم شئون التجارة العالمية مثل تنظيم العلامات والأسماء التجارية والحقوق الفكرية.

وهناك ثلاثة مصطلحات دولية بشان موافقة الدولة على الاتفاقية الدولية: الاول: توقيع الدولة على الاتفاقية ، والثاني: إنضمام الدولة الى الاتفاقية ، والثالث: مصادقة الدولة على الاتفاقية ، إلا ان مصادقة الدولة على الاتفاقية هو الاجراء الاهم ، لان الاتفاقية الدولية لاتدخل حيز التنفيذ أمام القضاء في اليمن الا من تاريخ مصادقة مجلس النواب على الاتفاقية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-12-2011م في الطعن رقم (45458)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فمصادقة اليمن على إتفاقية تريبس كانت لاحقة لصدور قرار المسجل العام في وزارة التجارة والصناعة بتسجيل العلامة التجارية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية إتفاقية تريبس العالمية:

هي إتفاقية دولية ترعاها منظمة التجارة العالمية، وتنظم هذه الإتفاقية حقوق الملكية الفكرية وتشجيع للإبتكار ونقل التكنولوجيا، وتتضمن هذه الإتفاقية حماية حقوق المؤلف وبراءات الإختراع والعلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية والرسوم والنماذج الصناعية وتعاميم الدوائر المتكاملة والاسرار التجارية، وتهدف هذه الإتفاقية إلى الموازنة بين حماية حقوق الملكية الفكرية وتحقيق حرية التجارة العالمية وتشجيع الإختراع التكنولوجي ونقل وتعميم التكنولوجيا وتحقيق الرفاه الإجتماعي والإقتصادي، وتساهم هذه الإتفاقية في تحقيق التوازن بين مصالح الدول المتقدمة والنامية، وتوفير بيئة قانونية موحدة لحماية الملكية الفكرية في مختلف دول العالم. (الحماية الدولية لحقوق الملكية الصناعية من إتفاقية باريس إلى إتفاقية تريبس، د. حسام الدين الصغير، جامعة حلوان القاهرة 2007م، صـ106).

الوجه الثاني: معنى مصادقة اليمن على إتفاقية تريبس:

مصادقة الدولة على الاتفاقية الدولية أو التصديق عليها إجراء جوهري مفاده ان الدولة قد قبلت العمل بنصوص الاتفاقية الدولية في اقليم الدولة وان حكم الاتفاقية سيكون كحكم القانون الوطني، ولذلك فقد اشترط الدستور اليمني ان تتم المصادقة على الإتفاقية الدولية من قبل مجلس النواب (السلطة التشريعية) ، ولهذه الغاية نصت المادة (٩٢) من الدستور على أن (يصادق مجلس النواب على المعاهدات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية الدولية ذات الطابع العام ايا كان شكلها أو مستواها خاصة تلك المتعلقة بالدفاع أو التحالف أو الصلح والسلم والحدود أو التي يترتب عليها عليها إلتزامات مالية على الدولة أو التي يحتاج تنفيذها الى إصدار قانون)، ومن خلال إستقراء النص الدستوري السابق وتطبيقه على مضمون إتفاقية التريبس يظهر أنه ينطبق عليها.

والتصديق على المعاهدة أو الإتفاقية يضفي عليها قيمة قانونية تظهر بمقتضى المصادقة إرادة الدولة في العمل بموجب أحكام الاتفاقية أو المعاهدة وتنفيذ الدولة لاحكامها ،فلا تدخل الإتفاقية الدولية حيز النفاذ بدون المصادقة عليها.

ويختلف مفهوم مصادقة الدولة على الاتفاقية يختلف عن مفهوم إنضمام الدولة إلى الإتفاقية الدولية الذي يعني موافقة الدولة على الإلتزام ببنود وشروط الإتفاقية لتصبح الدولة طرفاً فيها، وكذا يختلف مفهوم المصادقة على الإتفاقية يختلف عن توقيع الدولة على الإتفاقية الذي يعني: موافقة الدولة المبدئية على الإلتزام بأحكام الإتفاقية ،فالتوقيع على الإتفاقية إجراء تمهيدي للمصادقة على الإتفاقية من قبل مجلس النواب ، فالتوقيع على الإتفاقية يعبر عن نية الدولة في المضي قدماً نحو الإنضمام إلى الإتفاقية والمصادقة عليها لاحقاً، في حين ان إنضمام الدولة الى الاتفاقية يكون إجراء إحادي من قبل الدولة التي تطلب الانضمام الى الاتفاقية لانه لم يسبق لها التوقيع على الإتفاقية ، بيد انه يلزم المصادقة على الاتفاقية من قبل النواب بعد الانضمام اليها، بمجرد الانضمام لايجعل الاتفاقية نافذة في الدولة.

وبناءً على المصطلحات القانونية الدولية السابق ذكرها فإن مصادقة الدولة على الإتفاقية الدولية هو الاجراء الأهم، لانه يفيد إلتزام الدولة بما ورد في الإتفاقية والعمل بأحكامها أو دخولها حيز التنفيذ في الدولة، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن الإتفاقية الدولية لاتكون ملزمة وواجبة التنفيذ إلا من تاريخ مصادقة الدولة عليها أما قبل المصادقة فلا تكون ملزمة، فأثر المصادقة يكون من تاريخ وقوعها ولا يتم تطبيق احكام الإتفاقية بأثر رجعي على المراكز القانونية السابقة للمصادقة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: الفرق بين الاتفاقية الدولية والمعاهدة الدولية والإعلان الدولي والميثاق الدولى والعهد الدولي ومذكرة التفاهم الدولية:

المعاهدة الدولية إتفاق بين دولتين أو اكثر تتضمن إنشاء حقوق والتزامات متبادلة بين اطراف الاتفاقية ، وتخضع احكامها للقانون الدولي ، وتكون المعاهدات ذات طابع سياسي ، ولذاك فان المعاهدة اهم من الاتفاقية ، لان المعاهدة اكثر شمولا ، مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

اما الاتفاقية فهي اتفاق مكتوب بين دولتين يهدف إلى تنظيم علاقات الدول في مجال معين مثل إتفاقية التريبس محل تعليقنا.

في حين ان الاعلان الدولي مجرد بيان رسمي صادر من مؤتمر دولي، ولذلك فانه يختلف عن الاتفاقية والمعاهدة من حيث الزاميته، ومن امثلة الاعلان الدولي إعلان حقوق الانسان.

ومن جانب اخر فان الميثاق الدولي عبارة عن تعهد الدولة بالتزام دولي لاحق كانشاء منظمة دولية أو إبرام اتفاقية دولية.

ومن ناحية اخرى فان مفهوم العهد الدولي يختلف عن مفهوم الإتفاقية الدولية من حيث ان العهد الدولي وإن كان اتفاقية دولية الا ان العهد اكثر شمولا من حيث اطرافه ومن حيث القضايا والمسائل التي يتناولها العهد، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .

وتختلف مذكرة التفاهم الدولية عن الإتفاقية الدولية ، لان الاتفاقية ملزمة من تاريخ المصادقة عليها في حين ان مذكرة التفاهم عبارة عن وعد بإبرام اتفاقية دولية في المستقبل، فمذكرة التفاهم عبارة عن عمل تحضيري للإتفاقية . (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٣م، ص٣٦٥)، والله أعلم.

تطبيق إتفاقيات التجارة من تاريخ مصادقة اليمن عليها