إستفصال محكمة الإستئناف للشهود

محكمة الإستئناف محكمة موضوع ، وإستيفاء الأدلة الموضوعية وتحقيقها من أهم واجباتها القانونية سيما أن إستئناف الحكم الابتدائي والرد عليه يكشف لمحكمة الاستئناف أوجه القصور في الأدلة التي استند عليها الحكم الابتدائي ، فضلاً عن أن عريضة الإستئناف والرد عليها تظهر لمحكمة الإستئناف التصرفات والأفعال محل النزاع بين الخصوم ومدى كفاية الأدلة لإثباتها أو نفيها ، وتظهر أيضا الجوانب الغامضة أو المجملة في الأفعال والتصرفات محل النزاع أو في أدلتها المقدمة من أطراف النزاع التي تحتاج إلى بيان وإيضاح عن طريق إستفصال الشهود.

 والشهادة دليل ناطق متجدد عن طريق إستفصال الشهود للحصول على المزيد من المعلومات بخلاف الادلة الأخرى التي تتسم بمحدودية البيانات والمعلومات المستفادة منها، حيث يقدم الشهود للمحكمة عند إستفصالهم بيانات ومعلومات كثيرة مهمة ومحايدة تساهم في إستيفاء اوجه القصور في الادلة وفي بيان اوجه الغموض في بعض وقائع النزاع بين الخصوم، إضافة إلى حيادية البيانات والمعلومات التي يقدمها الشهود قياسا بالبيانات التي يقدمها الخصوم عند إستجواب القاضي لهم.

 ولذلك فإن بصر القاضي وبصيرته في مرحلة الإستئناف تتجه إلى شهادات الشهود أمام محكمة أول درجة لإستفصال الشهود وإستيفاء الأدلة الناقصة ومعرفة حقيقة الشي محل النزاع عن طريق إستفصال الشهود الذين سبق أن ادلوا بشهاداتهم أمام المحكمة الإبتدائية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-3-2010م في الطعن رقم (37772)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (كما أن المادة (69) إثبات اعطت محكمة الموضوع صلاحية الإستيفاء من الشاهد بسؤاله عن جميع جوانب ما يتعلق بشهادته ، وبما أن الشعبة في حيثيات حكمها المطعون فيه لم تتثبت من أقوال الشاهدين المحضرين من الطاعنين أمام المحكمة الابتدائية هل كانت بالسماع أم بغير ذلك كما جاء في حكمها المطعون فيه، ولذلك فان لمحكمة الإستئناف بإعتبارها محكمة موضوع إحضار الشاهدين المذكورين وإستفصالهما عما جاء بشهادتهما لتتجلى الحقيقة أمامها وإستيفاء ما يلزم بعد ذلك من إجراءات وفقاً للقانون والتثبت من قدر ثمن المبيع وقدر الجهد المبذول إن صح مما يستوجب نقض الحكم)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تعريف الشهادة في قانون الإثبات اليمني

عرّفت المادة (26) إثبات الشهادة بأنها: (إخبار في مجلس القضاء من شخص بلفظ الشهادة لإثبات حق لغيره على غيره)، ومعنى ذلك أن الشاهد يقدم أمام المحكمة معلومات عن الواقعة التي شاهدها لحظة وقوعها أو سمعها، فالشاهد يقدم للمحكمة معلومات حقيقية ودقيقة بشأن واقعة معينة شاهدها اوسمعها بقصد إثبات حق أو نفيه لشخص على شخص آخر.

الوجه الثاني: أهمية الشهادة في كشف الحقيقة

سبق القول: أن الشهادة توفر للقاضي المعلومات الحقيقية التي وقف عليها الشاهد من خلال مشاهدته للواقعة أو الفعل والتصرف أو سماعه القول أو سماعه لاقرار الشخص خارج القضاء، ولذلك تكون لدى الشاهد معلومات كثيرة ومهمة ودقيقة وحقيقية عن الواقعة أو التصرف، إضافة إلى أن الشهادة دليل ناطق يستطيع القاضي الرجوع إلى الشاهد بعد إدلائه بشهادته لإستفصاله للحصول منه على المزيد من المعلومات التي تسهم في كشف الحقيقة والتي يتمكن القاضي من خلالها من الإحاطة بالقضية المنظورة أمامه.

الوجه الثالث: معنى إستفصال الشاهد وإستيفاء الشهادة

إستفصال الشاهد هو توجيه الأسئلة من القاضي والخصوم الى الشاهد بشان التفاصيل التي لم يذكرها الشاهد في شاهدته الاولى، لان الشاهد في الغالب يذكر في شهادته الأولى يذكر شهادته بصيغة مجملة ، فلايعرض الشاهد فيها تفاصيل الواقعة أو الفعل الذي شاهده.

 أما معنى إستيفاء الشهادة : فهو أن الشهادة الأولى للشاهد لم تكن مكتملة ، لأنها لم تشمل الواقعة أو التصرف المشهود عليه ، ولذلك يتم إستيفاء الشهادة عن طريق إستدعاء الشاهد لإستيفاء الجوانب التي لم يتعرض لها الشاهد في شهادته الاولى غير المكتملة.

الوجه الرابع: وقت الحاجة الى إستفصال الشاهد او إستيفاء الشهادة

بعد قيام الشاهد بالأدلاء بشهادته الاولى أمام المحكمة تظهر الحاجة إلى إستيفاء الشهادة المكتملة أو الحصول على مزيد من المعلومات الإضافية بشان القضية قد تكون متوفرة لدى الشاهد لإستجلاء بعض المسائل الغامضة أو المجملة أو غير الثابتة أمام المحكمة، وقد تظهر هذه الحاجة بعد الادلاء بالشهادة مباشرة ، وقد تظهر الحاجة الى ذلك بعد الادلاء بالشهادة بوقت طويل أو قصير ، وقد تظهر الحاجة لذلك امام المحكمة التي استمعت للشهادة الأولى للشاهد أو امام محكمة الإستئناف إذ يتم إستدعاء الشاهد مرة اخرى للحصول منه على المعلومات لإستيفاء شاهدته غير المكتملة أو الحصول على المعلومات التي قد تكون متوفرة لديه عن الجوانب الغامضة أو المجملة أو غير الثابتة لدى المحكمة.

وفي كل الأحوال فانه ينبغي المسارعة إلى إستفصال الشهود او إستيفاء شهاداتهم كلما كان ذلك ممكنا، لان النسيان يؤثر في شهادات الشهود يمضي الوقت. (الشهادة في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي د. بسام نهار البطون، دار الثقافة النسر والتوزيع ٢٠١٠، ص٩٥).

الوجه الخامس: دور القاضي والخصوم في كشف أوجه النقص في شهادة الشاهد

في الغالب فإن الخصوم هم الذين يسلطوا الضوء على أوجه النقص والقصور في الأدلة ومدى كفايتها ومدى شمولها للواقعة أو التصرف المشهود عليه، وذلك من خلال المرافعات المكتوبة والشفهية المتبادلة بين الخصوم أمام القاضي الذي ينظر النزاع أو الذي يتم الطعن بالإستئناف أمامه بإعتبار أوجه القصور والنقص في الأدلة وعدم شمولها للوقائع والتصرفات المشهود عليها من أهم المطاعن في الأحكام.

فضلاً عن أن القاضي يكتشف أوجه الغموض والإجمال والفجوات التي تحتاج إلى بيان واستيفاء أوجه النقص في الأدلة ومنها: الشهادة، ويكتشف القاضي ذلك من خلال قيام القاضي بدراسة القضية عدة مرات أثناء نظره لها، إذ يجب على القاضي دراسة اوراق القضية قبل كل جلسة محاكمة.

ولذلك فإن قانون الإثبات اليمني قد قرر للقاضي والخصوم معاً الحق في إستدعاء الشهود لإستيفاء شهاداتهم..(التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث ، ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م ص٣١٥).

الوجه السادس: كيفية إستفصال الشهود وإستيفاء شهاداتهم

قد تقرر المحكمة من تلقاء ذاتها إستدعاء الشهود لإستفصالهم وإستيفاء شهاداتهم إظهاراً للحقيقة حتى تقف المحكمة على كافة المعلومات الموجودة لدى الشهود حتى تحيط المحكمة إحاطة تامة بكافة تفاصيل النزاع الذي تنظره المحكمة، كما قد تقرر المحكمة إستدعاء الشهود لإستيفاء شهاداتهم بناءً على طلب خصم من الخصوم.

وعند حضور الشهود تقوم المحكمة والخصوم بتوجيه الأسئلة إلى الشهود بشأن المسائل الناقصة أو الغامضة أو المجملة أو غير المفهومة للمحكمة، فوفقاً للمادة (70) من قانون الإثبات فأنه يتم توجيه الأسئلة إلى الشاهد من القاضي أو من الخصوم ويجيب الشاهد أولاً على أسئلة المحكمة ثم على أسئلة الخصم الذي استشهد به ثم عن أسئلة الخصم الآخر.

الوجه السابع: الفرق بين إستفصال الشهود وإستيفاء شهاداتهم وبين إعادة الشهادة

إستفصال الشهود وإستيفاء شهاداتهم يعني البناء على الشهادة السابقة أو الاولى وإعتمادها والانطلاق منها في إستفصال الشهود او إستيفاء شهاداتهم ، اما إعادة الشهادة ، فمعناها عدم إعتماد الشهادة السابقة ، كما لو انتدبت المحكمة امين السر لسماع الشهادة خلافا للقانون فتقرر المحكمة إعادة سماع الشهادة.

 الوجه الثامن: وظيفة محكمة الإستئناف في إستفصال الشهود وإستيفاء شهاداتهم

محكمة الإستئناف محكمة موضوع يجب عليها بموجب عريضة إستئناف الحكم الابتدائي أن تقوم بإعادة بحث ودراسة القضية المرفوعة إليها في حدود ما فصل فيه الحكم الابتدائي عملاً بالأثر الناقل للإستئناف المقرر في المادة (288) مرافعات، ومن مقتضيات ذلك أن تستفصل محكمة الاستئناف الشهود وان تستوفي شهاداتهم التي قاموا بالأدلاء بها أمام محكمة أول درجة، لأنه في الغالب بعد الأدلاء بالشهادة تظهر معطيات ووقائع وتفاصيل تحتاج إلى إثباتها أو نفيها عن طريق إستفصال الشهود وإستيفاء شهاداتهم .(التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م ص ٣١٨)، والله اعلم.

إستفصال محكمة الإستئناف للشهود
في القانون اليمني