لا ينفذ القانون إلا بعد نشره بالجريدة الرسمية

نصت المادة (103) من الدستور اليمني على أن: (تنشر القوانين في الجريدة الرسمية وتذاع خلال أسبوعين من تاريخ إصدارها ويعمل بها بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشرها ويجوز مد أو قصر هذا الميعاد بنص خاص في القانون)، وهذا النص صريح بأن تاريخ نفاذ القانون يكون بعد نشره في الجريدة الرسمية وليس من تاريخ صدوره من رئيس الجمهورية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-1-2010م في الطعن رقم (36340)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وهذا النعي مردود جزئيا، ذلك أن القانون رقم (22) لسنة 2006م بشأن العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين لايعمل به بالنسبة لهذه القضية ، لأن العمل به يكون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وليس من تاريخ صدوره من رئيس الجمهورية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الاصل التاريخي لنشر القوانين في الجريدة الرسمية في القوانين الوضعية

 الاصل التاريخي لنشر القوانين الوضعية في الجريدة الرسمية هو ما ورد في مدوّنة جستنيان ، فقد ورد في تلك المدونة : (عليك أن تبلغ هذا المرسوم للكافة ويكون تبليغه في مدينتنا الإمبراطورية هذه بطريقة المنشورات المعتادة، أما في الأقاليم فبطريقة إرسال التعليمات اللازمة لولاتها حتى لا يبقى أحد جاهلاً بالأحكام التي وضعناها لمصلحة رعايانا، فيتم إعلان هذا المرسوم في جميع أنحاء الإمبراطورية من غير أن تتكبد المدن والأقاليم بسببه أية نفقات). (مدونة جستنيان في الفقه الروماني، ترجمة عبدالعزيز فهمي، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة 2005م، ص332).

الوجه الثاني: معنى نشر القانون في الجريدة الرسمية

هو قيام الجهة المختصة في الدولة بطباعة القوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية بعد إقرار البرلمان لها، إذ تقوم الجهة المختصة بطباعتها في الجريدة الرسمية وهي عبارة عن كتيب يصدر في كل شهر مرتين ، وذلك في اليوم الأول واليوم الخامس عشر من كل شهر حسبما ورد في المادة (6) من قانون الجريدة الرسمية اليمني، ويتضمن عدد الجريدة الرسمية وملاحيقه الذي يصدر في الميعاد المشار إليه يتضمن القوانين وقرارات رئيس الجمهورية والقرارات الجمهورية وقرارات رئيس مجلس القضاء الأعلى وقرارات رئيس مجلس الوزراء والقرارات الوزارية ذات الصبغة التنظيمية حسبما ورد في المادة (4) من القانون المشار إليه.

وقد نصت المادة (2) من قانون الجريدة الرسمية على أن (النشر في الجريدة الرسمية إجراء رسمي يفترض به علم الأشخاص بالمادة المنشورة فيها)، وفي السياق ذاته نصت المادة (3) من القانون المشار إليه على أنه: (لا يعتد بالجهل بمضمون ما ينشر في الجريدة الرسمية).

ونشر القوانين في الجريدة الرسمية واجب بموجب المادة (103) من الدستور اليمني التي نصت على أن : (تنشر القوانين في الجريدة الرسمية وتذاع خلال أسبوعين من تاريخ إصدارها ويعمل بها بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشرها ويجوز مد أو قصر هذا الميعاد بنص خاص في القانون).

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن (إخطار المخاطبين بمضمون القاعدة القانونية يفترض إعلانها من خلال نشرها في الجريدة الرسمية وحلول الميعاد المحدد لبدء العمل بها، فنشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها وإيصالها لمن يعنيهم أمرها، فالقاعدة القانونية التي لا يتم نشرها لا تتضمن إخطاراً كافياً بمضمونها ولا تتم مسائلة المخاطبين بها قبل نشرها). (حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 3-1-1998م القضية رقم (36) لسنة 18 ق دستورية).

الوجه الثالث: وجوب توزيع الجريدة الرسمية المنشور فيها القانون

في هذا الشأن قضت محكمة القضاء الإداري المصرية بأن: (النص الدستوري الذي يشترط نشر القوانين في الجريدة الرسمية يلقي على عاتق جهة الإدارة الإلتزام بنشر كل قانون يصدر بالجريدة الرسمية ، كما يلقى على عاتق المخاطبين واجب العلم بالقانون المنشور في الجريدة الرسمية والخضوع لأحكامه، فنشر القوانين في الجريدة الرسمية قرينة على العلم المفترض بها إلا أن مجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية لا يكفي في حد ذاته لتحقق علم المخاطبين بأحكامه علماً حقيقياً وإنما يلزم لإفتراض هذا العلم واقعاً وقانوناً أن يتم توزيع الجريدة الرسمية التي ينشر فيها القانون بحيث يكون في مقدور المخاطبين بالقانون الحصول على عدد الجريدة الرسمية بوصفها وسيلة العلم بالقانون حتى يتاح لهم العلم بمضمون القانون فإذا تم نشر القانون بالجريدة الرسمية وتم حجب أعدادها عن التوزيع في جميع أنحاء الدولة أو لم تصل أعداد الجريدة الرسمية لم يتحقق العلم بها ،فلا محل في هذه الأحوال للقول بتحقق العلنية الحكمية بأحكام القانون ، فلا إلتزام على المخاطبين بالقانون بالخضوع لأحكامه التي لم تتح لهم الإحاطة والعلم بها)، وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن إفتراض علم الكافة بالقانون ليس بتاريخ طبع الجريدة الرسمية وإنما هو بتاريخ توزيعها، وذلك في حكمها في الطعن رقم: (256 سنة 24 ق جلسة 24-6-1958م)، كما قضت محكمة القضاء الإداري بأن العبرة في نفاذ القوانين وسريان أحكامها بتاريخ نشرها، والنشر عمل مادي يتلوا الإصدار ويتم النشر بظهور القانون في الجريدة الرسمية ، والغرض من النشر في الجريدة الرسمية إبلاغ الجمهور بالقانون ليكون الجمهور على علم بالقانون قبل تطبيقه وهو شرط لازم لإمكان تنفيذ القانون، وأن نفاذ القوانين مرهون بنشرها للجمهور ولجهة الإدارة حسبما ورد في حكم محكمة القضاء الإداري في القضية (231) لسنة 2 ق جلسة 3-1-1950م). (حكم محكمة القضاء الإداري المصرية الدائرة الأولى في يوم الثلاثاء 24-6-2014م). (انظر كتابنا مهارات الصياغة القانونية – مهارات صياغة القوانين والتشريعات- ،  أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠١٨، ص١٧٦).

الوجه الرابع: نشر القوانين في الشريعة الإسلامية

كانت الشريعة الإسلامية السباقة في نشر وإعلان الأحكام والتكاليف الشرعية المتضمنة حقوق وواجبات الافراد حتى يتحقق علم الافراد بها ، فمن المعروف أن أحكام الشريعة الإسلامية هي النافذة في الدولة الإسلامية ، اذ يجب على الراعي والرعية في الدولة الإسلامية تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية ، وتطبيقها لايتم الا بالرجوع إلى النصوص الشرعية وتفسيرها أو شرحها كي يتم العمل بها.

 وقد كان من ضمن المبادئ الإسلامية أن يتم إعلان ونشر النصوص الشرعية على كافة المسلمين المكلفين للعمل بموجبها، ولذلك فقراءة القرآن من أهم الواجبات الشرعية على المسلم للتعبد لله تعالى ومعرفة مايجوز فعله وما لايجوز فعله، ومن هذا المنطلق يجب في الشريعة الاسلامية على المسلم المواظبة على تلاوة القرآن، والنصوص في هذا المقام كثيرة ومنها قوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ}، فقد جاء هذا النص القرآني بصيغة الوجوب ، وقد جعل الله تعالى قراءة القرآن في هذا النص متقدمة على إقامة الصلاة وإتيان الزكاة، وكذا نصوص الأحاديث الشرعية التي أمر الله بتعلمها وتعليمها ونشرها والتوعية بها في كل مكان، وبعد تقنين احكام الشريعة الاسلامية في قوانين لضمان سهولة تطبيق الاحكام والمعاملات الشرعية صار من اللازم على الدولة نشر وإعلان القوانين الشرعية على اوسع نطاق ووجوب التوعية بها.

وصفوة القول في هذا الوجه: أن الشريعة الإسلامية تحث على وجوب نشر وإعلان الأحكام والتكاليف الشرعية على المسلمين ورعايا الدولة الإسلامية ، فإعلان الأحكام والتكاليف الشرعية في الشريعة الإسلامية أوسع نطاقا من مجرد النشر في الجريدة الرسمية التي تستهدف الأفراد الذين يجيدوا القراءة والكتابة ويفهموا النصوص القانونية العامة والمجردة والمجملة. (تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مجلة كلية الحقوق جامعة عدن 2008، ص65) ، والله اعلم.

لا ينفذ القانون إلا بعد نشره بالجريدة الرسمية
في القانون اليمني