تناقض تقرير الخبير مع ما اتفق عليه الخصوم

أعمال الخبرة من وسائل الإثبات التي تهدف إلى تحقيق المسائل الفنية الدقيقة الخلافية وكشف غموضها وبيان الراي فيها لإظهار الحقيقة أمام القاضي حتى يتمكن القاضي من الإحاطة بتفاصيل النزاع وحسمه بحكمٍ يطابق الواقع والقانون، ويستحق أن يكون عنواناً للحقيقة.

فوظيفة القضاء هو حسم المسائل محل النزاع وليس مناقشة ماهو محل إتفاق بين الخصوم.

فالقاضي مقيد بحدود المسائل الخلافية المنظورة امامه ،ولذلك فإن القاضي يتقيد بحدود النزاع المطروح عليه ، فلا ينبغي للقاضي أن يتعرض في قضائه للمسائل التي اتفق عليها الخصوم ، لأنها لا تحتاج إلى حكمٍ وقضاء، وكذلك الخبير العدل فأنه لا ينبغي أن تتعارض النتائج التي يتوصل إليها الخبير مع ما اتفق عليه الخصوم، فما اتفق عليه الخصوم أمر واضح ليس محل خلاف، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-12-2008م في الطعن رقم (33467)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فتقرير المهندس المكلف من الشعبة لم تطمئن إليه الشعبة ، لأنه جاء مخالفاً للإتفاق الذي تم فيما بين الطرفين المدعي والمدعى عليه فلم تطمئن إليه الشعبة، وذلك تطبيقاً للمادة (173) إثبات، ولذلك فقد طرحته الشعبة ، وذلك جائز لمحكمة الموضوع شريطة أن يكون ما توصلت إليه سائغاً ، ويصدقه الثابت في الأوراق، وعليه فإن الطعن غير مقبول)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: نطاق الخصومة ونطاق مهمة الخبير العدل

يفتتح المدعي الخصومة بدعواه وقد يضيف المدعي إلى دعواه الأصلية طلبات عارضة مرتبطة بالدعوى الأصلية ، فيقابله المدعى عليه بتقديم طلبات عارضة مرتبطة أيضاً بالدعوى الأصلية، ويقوم المدعي والمدعى عليه بالرد على الدعاوى المتبادلة فيما بينهما، ويلزم قانون المرافعات الخصوم والقاضي تحديد ما يقر به الخصوم أو ينكروه ، وأنه يجب أن ينظر القاضي في القضية على هذا الأساس حسبما هو مقرر في المادتين (166 و 167) مرافعات، ومفاد ذلك أن القاضي يفصل في المسائل محل الخلاف بين الخصوم النظورة امامه، كذلك الحال ينبغي على الخبير عندما يقوم بدراسة المسألة الفنية الدقيقة الخلافية يجب عليه أن لايتجاوز نطاق مهمته فيقتصر على إبداء الراي في المسالة الخلافية المكلف بها ، فلا يجوز له ان يتعرض في مهمته إلى غير المسائل الفنية الدقيقة التي اختلف بشأنها الخصوم، فلا ينبغي للخبير أن ينقض في نتائج عمله المسائل التي سبق أن اتفق الخصوم بشأنها، لأنها ليست محل خلاف ،وتبعا لذلك ليست محلا لبيان الراي الفني بشانها.

ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن نطاق الخصومة بين الخصوم يتحدد في المسائل الخلافية المثارة في دعاويهم وردودهم المتبادلة، فلا ينبغي للخبير أن يتجاوز في عمله أو في رايه أو في النتائج التي يتوصل إليها إلى المسائل التي لا خلاف بين الخصوم بشأنها. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة والخبراء، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ١٧٢).

الوجه الثاني: نطاق مهمة الخبير العدل والمسائل الإتفاقية بين الخصوم

ذكرنا فيما سبق أن القاضي متقيد في قضائه بنطاق الخصومة أو المسائل الخلافية التي اثارها الخصوم سواءً وردت في الدعاوى أو الطلبات أو أوجه الدفاع، ومن خلال ذلك تتجه بوصلة القاضي إلى الفصل في المسائل محل الخلاف بين الخصوم ، فلا يتعرض القاضي في حكمه لما هو محل إتفاق بين الخصوم، أو ما سبق للخصوم أن أتفقوا بشأنه.

وعلى هذا الأساس فإن القاضي عندما يحدد نطاق مهمة الخبير العدل فأنه يحدد للخبير المسائل الفنية المطلوب من الخبير بيان رأيه الفني بشأنها ، فلا يعقل أن يكلف القاضي الخبير بإبداء الرأي في مسائل ليست محلاً للخلاف بين الخصوم، ولذلك لا يحق للخبير أن يقدم نتائج مخالفة لما سبق أن اتفق بشأنه الخصوم، فالخبير في هذه الحالة يكون قد تجاوز نطاق مهمته المحددة في التكليف الصادر اليه من القاضي.

الوجه الثالث: نتائج أعمال الخبرة المخالفة لإتفاق الخصوم تؤدي إلى إثارة النزاع وتوسيع نطاقه والحكم بما لم يطلبه الخصوم

طلبات الخصوم المثارة أمام القاضي عند نظره الخصومة تتناول المسائل محل الخلاف بينهم ، إذ يطلب الخصوم من القاضي الفصل فيها بحكمه، فالمسائل التي سبق لهم أن أتفقوا بشأنها لم يطلب الخصوم الفصل فيها ، لأنها ليست محلاً للخلاف، ولذلك فإن قيام الخبير بتقديم نتائج على خلاف ماسبق ان اتفق عليه الخصوم تؤدي هذه النتائج المناقضة إلى إثارة النزاع بين الخصوم وتوسيع نطاقه بدلاً من الفصل في النزاع مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فالغرض من لجوء الخصوم إلى القضاء ومن تكليف الخبراء العدول بإبداء الرأي في المسائل الفنية الخلافية بين الخصوم هو حسم النزاع القائم بينهم وليس توسيع نطاق النزاع والتخاصم بينهم، إضافة إلى ان إبداء الخبير لرايه الفني أو تقديمه نتائج مخالفة لما سبق ان اتفق عليه الخصوم يفتح الباب للحكم بما لم يطلبه الخصوم. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات، الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ351)، والله أعلم.

تناقض تقرير الخبير مع ما اتفق عليه الخصوم