الخلط بين الوكالة للمحامي وعقد المحاماة

الخلط بين الوكالة للمحامي وعقد المحاماة

التوكيل للمحامي عبارة عن عقد يثبت صفة المحامي في تمثيل موكله والترافع بالوكالة عنه، في حين ان عقد المحاماة ينظم حقوق وواجبات والتزامات الطرفين المتعاقدين المحامي وموكله بما في ذلك تحديد اتعاب المحامي وطريقة دفعها.

والغالبية العظمى من المحامين في اليمن يفصلوا بين الوكالة وبين عقد المحاماة ، وبحسب هذه الطريقة فان الوكالة للمحامي لايتضمن اتعاب المحاماة ولكن يتم تضمين اتعاب المحاماة وحقوق وواجبات المحامي وموكله عقد اخر هو عقد المحاماة.

بيد أن قانون المحاماة اليمني قد خلط بين الوكالة للمحامي وعقد المحاماة ،حسبما هو مقرر في المادة (68) من قانون تنظيم مزاولة مهنة المحاماة اليمني التي نصت على أنه: (مع مراعاة أحكام هذا القانون يسري على عقد المحامي مع موكله أحكام الوكالة المنصوص عليها في القانون المدني)، ومعنى ذلك سريان احكام الوكالة التي نظمها القانون المدني على الوكالة الصادرة للمحامي ومن ضمنها أن الأصل في الوكالة أن تكون تبرعية وكيفية إنشاء الوكالة واسباب انتهاء الوكالة، مع ان الوكالة الصادرة للمحامي هي من قبيل التوكيل بالخصومة التي نظمها قانون المرافعات اليمني ، ومع ان المادة (٦٢) محاماة نصت على ان (يحرر المحامي لموكله عقدا يتضمن بيان اتعابه والشروط المتفق عليها ويوقع العقد منه ومن موكله، وعليه تسليم الموكل نسخة من ذلك، وفي حالة عدم وفاء الموكل باتعاب المحامي يجوز للمحامي طلب حبس الاوراق أو النقود من المحكمة المختصة بما يعادل اجور اتعابه)، ومعنى ذلك ان عقد المحاماة يكون بوثيقة مستقلة عن عقد الوكالة.

فمن خلال إستقراء نص المادة (68) محاماة السابق ذكره يظهر أنه قد خلط بين العقد الذي يبرمه الخصم مع المحامي المتضمن حقوق وإلتزامات الطرفين وبين الوكالة الصادرة من الخصم للمحامي لتمثيله والترافع بالوكالة عنه أمام القضاء ومافي حكمه، وقد أشار إلى هذه الإشكالية الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-3-2009م في الطعن رقم (33190)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبرجوع الدائرة إلى الحكم الطعين فقد وجدت انه قد ورد ضمن أسباب الحكم الطعين ان : حكم المادة (279) مرافعات بشأن رفع عريضة الطعن التي نصت على أن ترفق بعريضة الطعن المستندات المؤيدة له وسند توكيل الموكل للوكيل، وقد لاحظت الدائرة أنه لم يرد في النص السابق جزاء البطلان لإجراء رفع عريضة الطعن إذا لم يرفق بها سند التوكيل ، وحيث أن الطاعن (المستأنف) حضر ومحاميه أمام الشعبة التجارية وواصلا السير في الإجراءات بناءً على عريضة الاستئناف المقدمة من المحامي، فإن ذلك مما يمكن أخذه على أنه إجازة لما تم من إجراءات سابقة، وذلك تأسيساً على الإحالة الواردة في المادة (68) محاماة ، وعملاً بأحكام المادتين (909 و 937) مدني بشأن الإجازة اللاحقة مما يضحى معه الحكم الطعين محلاً للنقض)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: طبيعة التوكيل الصادر للمحامي أمام القضاء والجهات التي تتولى الفصل في الخصومات أو الضبط أو التحقيق: وتوصيتنا للمقنن اليمني

المحاماة مهنة سامية تهدف إلى تحقيق العدل، وينظمها قانون مزاولة مهنة المحاماة، بيد أن المحامي لايستطيع أداء رسالته في الدفاع عن الحقوق والمصالح والحريات أمام القضاء إلا إذا كانت له صفة ،اي انه من اللازم ان يصدر توكيل بالخصومة للمحامي من الخصم حتى يمثله المحامي أمام القضاء ويدافع عن حقوقه ومصالحه، ولهذه الغاية نصت المادة (5) محاماة على أن: (تحقق المحاماة أهدافها وتؤدي رسالتها عن طريق: -أ- الإنابة بالوكالة عن الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين للإدعاء بالحقوق والدفاع عنها لدى كافة المحاكم والنيابة العامة ودوائر الشرطة والتحقيق واللجان القضائية والإدارية وكافة الجهات القانونية والجهات الأخرى التي تباشر تحقيقاً في أي شيء محل نزاع...إلخ).

ومعنى ذلك أن المحامي حينما يقوم بعمله كوكيل للخصم أمام الجهات المعنية بالضبط والتحقيق أو الفصل في النزاعات فان المحامي في هذه الحالة يقوم مقام الخصم أمام كافة الجهات التي تتولى الضبط أو التحقيق أو الادعاء أو الفصل في الخصومات، ومؤدى ذلك أن الوكالة الصادرة من الخصم للمحامي تسري عليها أحكام التوكيل بالخصومة المقررة في قانون المرافعات وليس أحكام الوكالة المقررة في القانون المدني حسبما ورد في المادة (٦٨) محاماة ، فلا يتم اللجوء إلى أحكام الوكالة في القانون المدني إلا عندما تنعدم النصوص الخاصة في التوكيل بالخصومة المقررة في القانون الخاص وهو قانون المرافعات.

ولذلك فإننا نوصي المقنن اليمني بإستدراك هذا العيب في نص المادة (68) محاماة، سيما أن المهنة الأساسية للمحامي تتم بواسطة التوكيل بالخصومة الذي يحقق للمحامي الصفة في تمثيل الخصوم أمام القضاة والمحكمين واللجان الادارية ذات الطابع الفضائي وجهات التحقيق والضبط، فالتوكيل بالخصومة هو الذي يقوم المحامي بواسطته من المزاولة الحقيقية لمهنة المحاماة ،دون الأعمال الثانوية الاخرى للمحامي مثل صياغة العقود وتقديم الإستشارات وإعداد الدراسات. (مهارات الصياغة القانونية ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠١٨م، ص١١٦).

الوجه الثاني: بنود عقد المحاماة الذي يبرمه المحامي مع موكله

عقد المحاماة قد يكون كتابياً وهذا يقع غالباً في اليمن ، وقد يقع شفاهة، وفي كل الأحوال فإن عقد المحاماة يتضمن حقوق الطرفين المحامي وموكله مثل تحديد الأتعاب التي يستحقها المحامي وطريقة دفعها ووقت ذلك وإلتزام الموكل بتقديم المستندات والأدلة والرد على إستفسارات المحامي وكذا إلتزامات المحامي بحضور جلسات المحاكمة وبذل العناية المعتادة وموافاة موكله بتقارير منتظمة عن القضية لإطلاعه على سير قضيته.

وفي هذا الشان نصت المادة (٦٢) محاماة نصت على ان (يحرر المحامي لموكله عقدا يتضمن بيان اتعابه والشروط المتفق عليها ويوقع العقد منه ومن موكله، وعليه تسليم الموكل نسخة من ذلك، وفي حالة عدم وفاء الموكل باتعاب المحامي يجوز للمحامي طلب حبس الاوراق أو النقود من المحكمة المختصة بما يعادل اجور اتعابه).

الوجه الثالث: الفرق بين التوكيل بالخصومة للمحامي وعقد المحاماة

 يتضمن عقد المحاماة اتعاب المحامي وإلتزامات المحامي وحقوقه بالإضافة إلى حقوق وواجبات والتزامات الطرف الذي قام بتوكيل المحامي، فإذا لم يتضمن عقد المحاماة أجر أو اتعاب المحامي فان قانون المحاماة قد صرح انه إذا لم يتم الإتفاق على تحديد اتعاب المحامي فيتم تقديرها على اساس نسبة لاتزيد على ١٠٪من قيمة الدعوى ، وفي هذا الشان نصت المادة (٦٢) محاماة على ان( يحرر المحامي لموكله عقدا يتضمن بيان اتعابه والشروط المتفق عليها ويوقع العقد منه ومن موكله، وعليه تسليم الموكل نسخة من ذلك، وفي حالة عدم وفاء الموكل باتعاب المحامي يجوز للمحامي طلب حبس الاوراق أو النقود من المحكمة المختصة بما يعادل اجور اتعابه).

ومع فان قانون المحاماة اليمني قد خلط بين الوكالة للمحامي وعقد المحاماة ،حسبما هو مقرر في المادة (68) من قانون تنظيم مهنة المحاماة اليمني التي نصت على أنه: (مع مراعاة أحكام هذا القانون يسري على عقد المحامي مع موكله أحكام الوكالة المنصوص عليها في القانون المدني).

والتوكيل للمحامي عقد وإن كان لا ينعقد بالإيجاب والقبول الصريحين إلا أن المحامي يقبل توكيله ضمنياً وذلك بسكوته في معرض البيان إذا كان المحامي حاضراً عند توكيله أمام هيئة المحكمة أو قلم التوثيق وإن كان المحامي غائباً عند صدور الإيجاب من موكله عند تحرير الوكالة فإن قيام المحامي بعد ذلك بأعمال الوكالة وتنفيذها قبول ضمني بالوكالة.

 والغرض من الوكالة للمحامي هي منحه الصفة في مزاولة عمله كمحامي بالوكالة عن موكله ، وبموجب هذه الوكالة يقوم المحامي مقام الشخص الذي قام بتوكيله، غير انه من المتعارف عليه والمعتاد في أن الوكالة للمحامي تكون بوثيقة مستقلة عن وثيقة عقد المحاماة، ومن هذا المنطلق جاء تعليقنا وجاءت أيضاً توصيتنا بتعديل المادة (68) محاماة حتى تنسجم مع الواقع العملي. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل المحاماة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥صـ176).

الوجه الرابع: مدى جواز إجازة الموكل لعمل المحامي السابق على توكيله

أشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة وألمح الحكم إلى عدم جوازها ،لأن الوكالة الصادرة للمحامي من موكله هي توكيل بالخصومة وليست من قبيل الوكالة المقررة في القانون المدني التي تجوز فيها الإجازة اللاحقة لأنها كالإذن حسبما هو منصوص عليه في القانون المدني، فما قضى به الحكم محل تعليقنا تخريج سديد.

الوجه الخامس: عدم إرفاق سند التوكيل للمحامي بعريضة الطعن

إذا كان هناك توكيل حقيقي للمحامي سابق في تاريخ سابق لتاريخ تقديم الطعن، وكان الطعن مقدماً أمام محكمة موضوع كمحكمة الاستئناف فلا حرج في ذلك، لأن المحامي وموكله سيحضرا أمام المحكمة في جلسات المحاكمة المفتوحة التي يحضرها الخصوم، وعندئذٍ سيقدم المحامي وثيقة توكيله إذا كان المحامي قد قام بصياغة الطعن باسمه كوكيل للخصم.

أما إذا تم تقديم الطعن أمام المحكمة العليا بإعتبارها محكمة قانون فأنه من الواجب على محاكم الموضوع عند تقديم الطعن بالنقض اليها يجب على محكمة الموضوع أن تتحقق من وجود وثيقة توكيل المحامي إذا كان الطعن مكتوباً باسم المحامي كوكيل للطاعن بالنقض، فقد اطلعنا على أحكام كثيرة للمحكمة العليا كانت تحكم فيها بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم وجود ما يثبت صفة المحامي في تقديم الطعن سيما في الطعون الجزائية. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٤م، ص٢١٠) ، والله أعلم.