يتعمد بعض الخصوم تعطيل جلسات المحاكمة بوسائل عدة من أهمها عدم تنفيذ قرارات المحكمة وإجراءاتها وإعلاناتها ، وعدم الإلتزام بالمواعيد القانونية للإجراءات أو المواعيد التي تحددها المحكمة للخصوم لتقديم أدلتهم أو أوجه دفاعهم أو عدم تقديمهم لها دفعة واحدة أو عدم حضور جلسات المحاكمة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-2-2009م في الطعن رقم (33128)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن نعي الطاعن في محله إذ لا يوجد سبب صدر عن الطاعن يمكن الإستناد إليه للتقرير بكيدية دعواه، فقد حضر الطاعن جميع جلسات المحاكمة وعددها عشر جلسات عدا ثلاث منها، وكذلك الحال بالنسبة للمدعى عليه الذي تغيب ثلاث جلسات، وهذا لا يؤدي إلى التقرير بأن أحدهما يعطل جلسات المحاكمة أو إجراءات التقاضي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: مظاهر تعطيل الخصم جلسات المحاكمة
هناك مظاهر عدة لتعطيل الخصم جلسات المحاكمة منها ما يأتي:
1- عدم حضور جلسة المحكمة المحددة مسبقاً: إذ يتعمد بعض الخصوم عدم حضور جلسة المحاكمة المحددة ، فلا تنعقد جلسة المحكمة بسبب عدم حضور الخصم، فتقوم المحكمة بإعادة إعلان الخصم الغائب بالحضور في جلسة أخرى، فيحضر الخصم في هذه الجلسة ثم يتخلف في جلسة أخرى وهكذا يتكرر تعطيل الخصم لجلسات المحاكمة، ولمواجهة هذه المسألة فإن غالبية القضاة عندما يلمس تعمد الخصم ذلك فأنه يقوم بفرض غرامة على الخصم تزيد كلما تكرر غياب الخصوم لجلسات المحاكمة.
2- عدم إستجابة بعض الخصوم لقرارات المحكمة التي تتخذها أثناء سير إجراءات المحاكمة، فقد تقوم المحكمة بتكليف الخصم بإحضار مستندات إلى جلسة قادمة فلا ينفذ الخصم قرار المحكمة، وقد تقرر المحكمة إستجواب الخصم إلى جلسة معينة فيتخلف عن الحضور، وقد تقرر المحكمة تكليف الخصم بتقديم رده أو تعقيبه على مذكرة خصمه أو تقديم ملاحظاته على تقرير الخبير فلا يفعل الخصم ذلك، وقد تقرر المحكمة تكليف الخصم بتسمية خبير عنه إلى جلسة قادمة فلا يفعل الخصم، ويترتب على ذلك تعطيل جلسات المحكمة المخصصة لتنفيذ قرارات المحكمة السابقة.
3- قيام الخصم بتحريك الدعوى المستبعدة لمرات عدة ثم يتخلف عن الحضور بعد كل تحريك فتتعطل جلسات المحكمة بسبب ذلك.
4- عدم إلتزام الخصم بمواعيد الإجراءات المقررة في قانون المرافعات لإتمام أو تنفيذ الإجراءات.
5- كثرة طلبات الخصم بتأجيل تقديم أدلته أو أوجه دفاعه أو مذكراته، إذ يترتب على ذلك تعطيل جلسة المحاكمة المحددة لتقديم الخصم للأشياء المشار إليها.
6- تعمد الخصم بعثرة طلباته ومستنداته وأوجه دفاعه وأدلته مع أن الخصم كان يستطيع أن يقدم طلباته أو أدلته مجتمعة في جلسة واحدة من جلسات المحاكمة فتتم مواجهة الخصم الآخر بها ورده عليها في جلسة تالية، ولذلك فإن بعثرة تقديم الطلبات أو المذكرات يؤدي إلى تعطيل جلسات المحاكمة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل إطالة إجراءات التقاضي، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ470).
الوجه الثاني: الوسيلة القانونية لمواجهة تعمد الخصم تعطيل جلسات المحاكمة أو الحد من فعاليتها
حدد قانون المرافعات اليمني الوسيلة التي يجب على القاضي أن يسلكها لمواجهة تعمد الخصم تعطيل جلسات المحاكمة، وهذه الوسيلة هي مراقبة القاضي للخصوم في ممارسة الإجراءات، وهذه المراقبة لا تعني أن القاضي مجرد مراقب لسلوك الخصوم في إجراءات التقاضي وإنما تعني قيام القاضي بإستخدام صلاحياته القانونية في إلزام الخصوم وحملهم على إحترام المواعيد القانونية لإجراءات التقاضي والمحاكمة والمواعيد التي تقررها المحكمة للحيلولة دون تعطيل الخصم لإجراءات التقاضي والمحاكمة، وفي هذا السبيل نصت المادة (20) من قانون المرافعات اليمني على أنه: (يجب على القاضي الحرص على كفالة حُسن سير العدالة، وله في سبيل ذلك مراقبة الخصوم في ممارسة الإجراءات طبقاً للقانون)، وقد ورد هذا النص ضمن المبادئ الحاكمة للتقاضي للتدليل على أن يكون هذا المبدا في صدارة واجبات القاضي.
وحتى لا يتعسف القاضي في سلطته في مراقبة الخصوم فقد أوجب النص أن تكون هذه المراقبة وفقاً للقانون أي في حدود الصلاحيات المقررة في القانون في هذا الشأن مثل فرض الغرامات والجزاءات الإجرائية. (أحكام التقاضي الكيدي – إساءة إستعمال حق التقاضي في ضوء الفقه والقضاء، المستشار مصطفى مجدي هرجة – دار محمود للنشر والتوزيع القاهرة 2021م، صـ74).
الوجه الثالث: أهمية جلسات المحاكمة
لا يجوز لقاضي الموضوع أن يستقبل مذكرات الخصوم أو الخبراء العدول أو الاستماع لاقوال الخصوم والشهود والخبراء إلا في جلسة المحاكمة، فلا يجوز للقاضي أن يستقبل المذكرات أو يستمع الاقوال خارج جلسة المحاكمة ، فإتصال القاضي بالخصوم والعدول والشهود لا يتم إلا عن طريق جلسة المحاكمة، فإتصال القاضي بالقضية لايقع إلا في جلسة المحاكمة أو عند دراسته لملف القضية.
وفي جلسة المحاكمة ينظر القاضي عدة قضايا قد تصل إلى ثلاثين قضية في اليوم الواحد، ويتم تحديد تاريخ جلسات المحاكمة والفارق بين كل جلسة وأخرى بحسب عدد القضايا، وبناءً على ذلك فان الوقت المخصص لنظر القضية مهم للغاية، ولذلك فإن تعطيل الخصم لجلسات المحاكمة يؤدي الى ضرر بالغ بالعدالة والقاضي والخصم الآخر، ومن هذه الأضرار أن القاضي يرمى بالتقصير في إنجاز القضايا مع أن سبب ذلك يرجع للخصم، والله اعلم.