نصت المادة (545) من القانون المدني اليمني على أنه: (إذا ضمن البائع ضمان الدرك واستحق المبيع للغير فعلى البائع ضمان الرقبة بقيمتها المدفوعة وضمان الغلة وضمان ما غرمه المشتري، ويدخل في ذلك فرق العملة في غير الربويات المنصوص عليها فيما يتعلق بالعملة).
ومن المعلوم أن مستندات عقود بيع العقارات في اليمن تتضمن العبارة المعتادة المشهورة مثل : أن البائع يضمن ضمان الدرك الشرعي لما إنتكل أو اختلف...إلخ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-12-2015م في الطعن رقم (56956)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وقد اعترف الطاعن جزئياً أمام محكمة أول درجة بأن الأربع القصب المحكوم بإنتكالها هي لإخوته وإلتزم بتعويض المدعي مع فارق سعر العملة تعويضاً كاملاً، وإلتزامه حجة عليه في الضمان لما إنتكل من مبيعه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى ضمان الدرك الشرعي في الشريعة الإسلامية:
ضمان الدرك الشرعي هو: إلتزام البائع عند ابرام عقد البيع وتعهده بصحة المبيع وسلامته ، وأنه مالك للمبيع لا ينازعه فيه أحد، وأن المبيع ليس شائعاً مع ملك الغير أو مختلطاً به ، وأن المبيع قد توفرت فيه كافة الشروط الشرعية، وبناءً على ذلك فإن البائع يضمن إستحقاق المبيع للغير أي إذا إنكشف أن العين المبيعة ملك لغير البائع أو قيام الغير بمنازعة المشتري بعد البيع.
فضمان الدرك عند الفقهاء هو: كفالة صادرة من البائع لمصلحة المشتري ، أي أن البائع يتكفل برد ثمن المبيع وملحقاته إلى المشتري إذا ظهر أن المبيع ليس ملكاً للبائع، فكأن البائع يقول للمشتري عند البيع: تكلفت أو ضمنت ما يدركك في هذا المبيع، وقد سمى الفقهاء هذا الضمان بضمان الدرك لإلتزام البائع بالضمان إذا ادرك الغير العين المبيعة واستحقها من يد المشتري لظهور أنها ليست ملكاً للبائع.
ومن الفقهاء من قال: إن ضمان الدرك يستعمل في العرف في ضمان الإستحقاق، ومنهم من جعله نوعاً من ضمان العهدة، ومنهم من قال: أن ضمان الدرك هو ضمان العهدة أي انهما شئ واحد.
وقد قرر الفقهاء ضمان الدرك الشرعي لأن الحاجة قد تدعوا إلى أن يقوم البائع ببيع العين إلى غريب فيخاف الغريب أن يكون المبيع غير مملوكاً للبائع، ولأن هذا الضمان يحقق المقصود الشرعي من البيع وهو نقل المبيع الى المشتري وإنتفاعه بالعين المبيعة ، إضافة إلى ان ضمان الدرك يقلل من النزاعات في عقود البيع فيتحقق الاستقرار والامان في البيوع. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2021م، صـ109).
الوجه الثاني: ضمان الدرك الشرعي في القانون المدني اليمني:
نصت المادة (545) من القانون المدني اليمني على أنه: (إذا ضمن البائع ضمان الدرك واستحق المبيع للغير فعلى البائع ضمان الرقبة بقيمتها المدفوعة وضمان الغلة وضمان ما غرمه المشتري، ويدخل في ذلك فرق العملة في غير الربويات المنصوص عليها فيما يتعلق بالعملة).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر أن ضمان الدرك هو إلتزام البائع بأن العين المبيعة ملك خاص به وخالص له، وليست ملكا شائعاً أو مختلطاً بمال الغير، وانه لا ينازعه أحد في العين المبيعة، ومفاد ذلك أن البائع يضمن للمشتري إرجاع ثمن المبيع وملحقاته وغلات العين المبيعة من تاريخ البيع حتى تاريخ إرجاع الثمن، بالإضافة إلى فارق سعر العملة التي دفعها المشتري ما بين تاريخ دفع الثمن حتى تاريخ إرجاع الثمن.
الوجه الثالث: عدم جواز إشتراط البائع عدم ضمان الدرك الشرعي:
الغرض والغاية من عقد البيع هو إنتقال العين المبيعة من البائع إلى المشتري صحيحة سليمة لا نزاع فيها، فذلك هو المقصود من عقد البيع، ومن المعلوم أن الفقه الإسلامي قد ذهب إلى عدم جواز الشرط الذي يتنافى مع مقصود العقد، وتبعاً لذلك لا يجوز للبائع أن يشترط عند البيع أنه لا يضمن الدرك الشرعي بحسب المفهوم السابق بيانه في الأوجه السابقة.
وقد أخذ القانون المدني اليمني بما ذهب إليه الفقه الإسلامي بعدم جواز إشتراط البائع عدم ضمان الدرك الشرعي، وفي هذا المعنى نصت المادة (460) من القانون المدني اليمني على أنه: (لا يصح البيع بالشرط الباطل وهو ما ليس من مقتضيات العقد ويعارضه ولا جرى به العرف، فيلغوا العقد والشرط معاً في هذه الأحوال)، كما نصت المادة (544) مدنى على أنه: (لا يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على عدم ضمان البائع لثمن المبيع عند إستحقاق الغير له، ويكون البيع غير صحيح ولو كان المشتري يعلم وقت البيع بسبب الإستحقاق). (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل البيع ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٩٣)، والله أعلم.
![]() |
في القانون اليمني |