وثائق القسمة كثيرة ومتنوعة منها مستندات تركة المورث قبل قسمتها وكشوفات حصر اموال التركة وتثمين اموال التركة القابلة للقسمة الفورية ووثيقة التركيز وفصول القسمة ، والمعتاد في اليمن ان تكون هذه الوثائق بعهدة الشخص الذي تولى قسمة التركة.
ومن الإشكاليات العملية الخطيرة قيام القسام بحجز مستندات التركة أو وثائق القسمة مثل كشوفات الحصر والتثمين والتركيز والفصول وغيرها، ويقوم القسام أو الأمين الشرعي بإحتجاز مستندات التركة ووثائق القسمة لأسباب عدة من أبرزها عدم قيام المتقاسمين بدفع اجور القسام ،وفي بعض الاحيان يكون الغرض من ذلك إبتزاز القسام للورثة المتقاسمين بعد تمام القسمة...إلخ.
وتتسبب هذه المشكلة في حدوث نزاعات بين المتقاسمين والقسام قد تصل في بعض الأحيان إلى قتل القسام أو العكس، وقد حدث هذا بالفعل، إضافة إلى أن مشاكل إحتجاز القسام أو الامين الشرعي لمستندات الورثة ووثائق القسمة تتوارثها الأجيال نتيجة وفاة القسام وإنتقال المستندات والوثائق إلى ورثة القسام بل إلى ورثة ورثة القسام، وتتسبب هذه الإشكاليات في تعطيل وصول حقوق الورثة إليهم وإطالة إجراءات التقاضي وتعقيدها في قضايا القسمة، فإذا كان الأمين أو القسام قد قام بإحتجاز المستندات والوثائق ومات ومازالت الوثائق المحتجزة لديه، فيحق للورثة المتقاسمين أو أحدهم المطالبة القضائية لوارث القسام الذي انتقلت الى حوزته تلك الوثائق المطالبة القضائية للحائز للوثائق بطلب أصلي أو بطلب عارض، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-3-2015م في الطعن رقم (56850)، وقد سبق ذلك أن قضى الحكم الابتدائي بـ(إلزام أولاد القسام بتسليم ما لدى حي والدهما من فصول تخص المدعين المضمنة في محرر الإجارة المؤرخة..... (أي قبل خمسين سنة من تاريخ رفع الدعوى)، وتعليق الفصل في الطلب الأصلي والدفع المقدم بشأنه من المدعى عليهما إلى حين تنفيذ الفقرة الأولى من هذا القرار)، وقد قضت الشعبة المدنية بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد وجدت الدائرة: أن مناعي الطاعنين ليست في محلها ولا يوجد لها سنداً ،لأن الثابت أن المحكمة الابتدائية استندت إلى المحرر المؤرخ..... بقلم..... وعليه تعميد حاكم الناحية في حينه ، وذكرت المحكمة أن المدعين قد احضروا شاهدين هما..... و..... لتأكيد عدالة كاتب الإجارة المشار إليها ، وعرف الشاهد الثاني بخط كاتب المحرر، كما قدم المدعون المطعون ضدهم حالياً محرراً آخر بخط الكاتب نفسه لتأكيد الشهادة بأن الكاتب كان يحرر المحررات في قريته، كما أن أحد الطاعنين قد ذكر في مرافعته بأنهم قد سلموا الفصول إلى الورثة المطعون ضدهم، ومن خلال ذلك فقد ظهر مايدل على بقاء الفصول والمستندات لدى والد الطاعنين)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: كيفية وصول المستندات إلى حجز القسام أو الامين الشرعي
عند إجراء القسمة الشرعية يقوم القسام بإلزام الورثة الذين بحوزتهم مستندات مورثهم بتسليمها إلى القسام حتى يقوم بدراستها والتحقق من ملكية المورث لأموال التركة والديون والرهون والإجارات التي تدل على الأموال المملوكة بالفعل للمورث وتلك المؤجرة له من الغير وأموال الغير المرهونة لديه وأموال الغير المودعة لديه وأموال المورث المرهونة أو المودعة لدى الغير وديونه لدى الغير والديون المستحقة للغير بذمة المورث والوصايا الصادرة منه للغير.
ولا حرج على القسام حينما يشرع بإجراءات القسمة من مطالعة ودراسة مستندات المورث المطلوب قسمة تركته ، لأن ذلك من مقتضيات إجراءات القسمة ، ولكن الواجب عليه أن لا يقوم بأخذ مستندات التركة إلى حوزته، فالواجب أن يقوم القسام بجمع مستندات التركة وحفظها في خزانة منزل المورث ويكون للخزينة مفتاحان أحدهما بيد القسام والآخر بيد أحد الورثة المتراضى عليه من بينهم ، حسبما ورد في دليل إجراءات قسمة التركات الصادر مؤخراً من مجلس القضاء الاعلى.
وكذلك الحال بالنسبة لوثائق القسمة مثل كشوفات الحصر والتثمين والتركيز فأنه ينبغي حفظها في الخزينة المشار إليها، أما الفصول فأنه ينبغي تسليم كل وارث فصله بمجرد الإنتهاء من تحريرها، إلا أنه بدلاً من ذلك يقوم بعض القسامين بإصطحاب المستندات ووثائق القسمة إلى حوزته خارج مقر المورث.
وهناك صورة أخرى لحجز مستندات الملكية : وهي قيام الأمين الشرعي بمطالبة البائع بتسليمه كافة مستندات المبيع حتى يتمكن الأمين من التحقق من ملكية البائع لما يبيع، بيد أن بعض الأمناء قد يحتجز هذه المستندات للتحقق من جدية البائع في البيع وحمل البائع على البيع، لأن بعض الأمناء يحرص على إتمام إجراءات البيع لديه عن طريق حجز مستندات البائع وإلزام المشتري بتسليم الامين ما يسمى (بالقطع) وهو قيام المشتري بإيداع جزء من الثمن لدى الأمين، وفي بعض الحالات يستمر حجز الأمين لمستندات المبيع والوثيقة التي قام بتحريرها ، فلا يسلمها إلا بعد دفع اجره.
الوجه الثاني: مسئولية القسام والأمين الشرعي الذي يحتجز المستندات
من المؤكد أنه تلحق بأصحاب المستندات والوثائق المحتجزة اضرار مادية ونفسية فادحة من أهمها ضياع حقوقهم ومصالحهم المذكورة في تلك المستندات والوثائق ، لأن صاحب الحق لا يستطيع المطالبة بحقه أو الدفاع عنه إلا إذا اثبت حقه عن طريق تلك المستندات المعدة لإثبات الحقوق، وقد لايستطيع الإنتفاع بحقه إلا اذا تم تسليمه مستندات ذلك الحق ، ولذلك فإن المحتجز لتلك المستندات يكون مسئولاً عن تعويض الأضرار التي تلحق بأصحاب تلك المستندات، إضافة إلى أن المحتجز يكون مسئولاً عن تسريب البيانات الواردة في تلك المستندات مثل اسماء المواضع أو الأراضي وحدودها وتواريخ المستندات وكاتبها أو تسريب صور منها لخصوم أصحاب المستندات او لجيرانهم في الاراضي، كما أن مقتضى الأمانة في الأمين الشرعي او القسام تستدعي المبادرة إلى تسليم المستندات والوثائق لأصحابها، ولذلك فأنهما مسئولان عن التأخير في تسليم المستندات.
الوجه الثالث: إحتجاز المستندات والوثائق لدى القسام والأمين الشرعي ودلالته على عدم إتمامهما للعمل المطلوب منهما
تستدعي المهمة المناطة بالأمين الشرعي أو القسام أن يقوما بعملهما بتحرير الوثائق المطلوبة وعند إتمامهما لذلك يقوما بتسليم المستندات والوثائق إلى أصحابها للتدليل على قيامهما وتنفيذهما العمل المطلوب وإنجاز العمل المناط بهما وإتمامه، فإذا لم يقم الأمين أو القسام بذلك فإن هذا يدل على عدم إنجاز العمل وتمأمه، فالتسليم له أهميته في تقرير إجرة القسام أو الأمين الشرعي ، فالواجب أن يقوما بالعمل وأن يسلما المستندات والوثائق إلى أصحابها ثم يطالبا بأجرهما لإتمامهما العمل.
الوجه الرابع: مدى جواز قيام الأمين الشرعي أو القسام بإحتجاز المستندات والوثائق حتى دفع اجرته
إلتزام القسام أو الأمين الشرعي بتحرير المستندات والوثائق من واقع المستندات الأصلية إلتزام يقابله إلتزام صاحب المستندات بدفع اجور تحرير المستندات، ويستند بعض الأمناء والقسامين إلى هذه المسألة في إحتجاز المستندات حتى سداد اجرتهم، غير أنه من المعروف أن الحقوق والمصالح التي تتضمنها المستندات المحجوزة تزيد كثيراً عن مقدار الأجرة ، بل أن غالبية المستندات لم يقم القسام أو الأمين أصلاً بتحريرها وإنما تم تسليمها إليه لتحرير المستندات المطلوبة في ضوئها مثل اصول اموال التركة أو اصول البائع التي يسلمها للامين الشرعي لتحرير وثيقة البيع في ضوئها.
فضلاً عن أن هناك وسائل وطرق شرعية وقانونية لمطالبة القسام أو الأمين بأجره، غير إحتجاز الوثائق ، ومن ذلك مطالبة القضاء عن طريق أمر على عريضة مثل مطالبة ً المحامي بأتعاب المحاماة، وهي وسيلة سهلة ويسيرة.
الوجه الخامس: إثبات وجود المستندات والوثائق لدى المحتجز لها
كان الحكم محل تعليقنا قد استند في قضائه بإلزام أولاد القسام (كان يتولى أيضاً كتابة العقود والتصرفات) استند الحكم إلى وثيقة إجارة لبعض الأموال ذكر كاتبها وهو القسام أن الفصول المحفوظة لديه تدل على ملكية المؤجرين ، فقضى الحكم محل تعليقنا بإلزام اثنين من الأولاد الذكور للقسام بتسليم تلك المستندات التي ظلت بحوزة والدهم وحوزتهما من بعده لمدة تزيد على خمسين سنة.
ويجوز إثبات وجود المستندات بعهدة الحاجز لها بأية طريقة من طرق الإثبات كالإقرار والشهادة والكتابة، فإذا ثبت وجود المستندات لدى القسام أو الأمين الشرعي فإن ذمتهما لا تبراء إلا إذا أثبتا إستلام أصحاب المستندات لها.
ومن الملاحظات المهمة ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بإلزام ابناء القسام بتسليم الفصول ولم يحكم على اصحاب الفصول بدفع أجرة القسام الذي احتجز فصولهم لمدة تزيد على خمسين سنة ، لأن الاضرار التي لحقت باصحاب الفصول تفوق كثيرا اجور القسام!!!!.
الوجه السادس: حق أصحاب المستندات المحتجزة في المطالبة القضائية بإستعادة مستنداتهم من الامين أو القسام وأولادهما
إذا ثبت وجود المستندات والوثائق بعهدة القسام أو الأمين الشرعي فيحق لصاحب المستندات أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بإلزام الحاجز للمستندات أو ولده الذي بعهدته تلك المستندات بتسليمها مثلما ورد في الحكم محل تعليقنا، ولا يتقادم هذا الحق بمضي الزمن.
الوجه السابع: إحتجاز الفصول المستندات والوثائق من اسباب إطالة اجراءات قسمة التركات
في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قضى الحكم الابتدائي بـإلزام أولاد القسام بتسليم ماكان لدى حي والدهما من فصول تخص المدعين المضمنة في محرر الإجارة الذي تم تحريره قبل خمسين سنة من تاريخ رفع الدعوى، ومن جانب آخر قضى الحكم الإبتدائي بتعليق الفصل في الطلب الأصلي وهو طلب القسمة إلى حين تنفيذ االمحكوم عليهم للفقرة الأولى من الحكم وهي قيام المحكوم عليهما بالفعل بتسليم الفصول حتى تتم اجراءات القسمة في ضوئها ، فلو كانت فصول القسمة بحوزة المدعين لتمت اجراءات في الحكم ذاته ولما طالت اجراءات القسمة على هذا النحو. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القسمة الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٢١٧) . والله أعلم.