معنى: ثبت بما لا يدع مجالاً للشك

من قواعد أحكام القضاء الجزائي ان (الأحكام الجزائية تبنى على القطع واليقين لا على الظن والتخمين)، ولا ريب ان الشك ضد اليقين، ويتم العمل بالقاعدة المشار إليها بالنسبة للأحكام الجزائية لخطورتها ومساسها بحريات وحقوق ومصالح الاشخاص، ولذلك فانه من المناسب إستخدام عبارة: ثبت بما لا يدع مجالاً للشك في القضايا الجزائية اذا كانت الواقعة أو الفعل ثابت على وجه اليقين والتاكيد.

اما في غير القضايا الجزائية فلايشترط أن يكون الفعل أو التصرف ثابت على وجه اليقين ، فيكفي ان يكون ثابتا بغالب الظن ، فأحكام القضاء في غير المسائل الجزائية لاتبنى على القطع واليقين فهي تبنى على أساس الظن الغالب وليس القطع ، ولذلك فانه من غير المناسب إستعمال عبارة: ثبت بما لا يدع مجالاً للشك في غير القضايا الجزائية إلا اذا كان الفعل أو التصرف ثابت بالفعل على وجه القطع واليقين.

 ومع هذا وذاك ترد كثيراً في أحكام القضاء والتحكيم ومرافعات الخصوم في القضايا غير الجزائية عبارة: (ثبت بما لا يدع مجالاً للشك)، ولذلك نرى أنه من المناسب الإشارة إلى معنى هذه العبارة حتى يتم إستعمالها في مواضعها الصحيحة، وقد أشار إلى هذه العبارة الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-4-2013م في الطعن رقم (50479)، فقد ورد ضمن أسبابه: (وحيث أن الطاعن قد كرر في طعنه عبارة (ثبت بما لا يدع مجالاً للشك) فإن الدائرة ترى: -جـ- أنه لا يمكن تعطيل المنطق والعقل في مواجهة لفظ ثبت بما لا يدع مجالاً للشك لخطأ وروده)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

الوجه الأول: معنى ثبت الفعل أو التصرف أو الواقعة

معنى كلمة ثبت في اللغة: استقر وتحقق فلا يقبل نفيه، وفي المصطلح الشرعي والقانوني فإن كلمة ثبت تعني: إثبات صحة أو وجود فعل أو تصرف أو أن الفعل والتصرف قد وقع بالفعل، فكلمة ثبت تعني: تأكيد وقوع الشيء ووجوده عن طريق إقامة الدليل على ذلك.

فالإثبات أو ثبت تعني: تقديم أدلة ووقائع تثبت أن الفعل أو القول أو التصرف قد حدث بالفعل سواءً أكان هذا الفعل قانونياً أو غير قانوني إيجاباً أو سلباً. (الإثبات في المواد المدنية والتجارية، إستاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور احمد ابو الوفاء ،منشاة المعارف الاسكندرية ٢٠٠٢م ص١٦١) .

الوجه الثاني: معنى الشك في الإثبات

الشك: هو حالة ذهنية تعتري القاضي عند وقوفه على الدليل المقدم من الخصم فتجعل القاضي يحتار بشأن وجود أو صحة الواقعة أو التصرف، فلا يستطيع القاضي التأكد من وجود الواقعة أو التصرف المدعى به، ويؤدي الشك إلى تردد القاضي بين خيارين أو احتمالين أو أكثر فلا يستطيع القاضي الترجيح والإختيار بينهما، فالشك حالة نفسية يتردد معها ذهن القاضي بين الإثبات والنفي للواقعة أو التصرف فيتوقف القاضي عن الجزم بشأن وجود الواقعة أو التصرف أو صحتهما، وهذا هو الشك المطلق.

الوجه الثالث: الفرق بين الشك والظن

سبق ان ذكرنا أن الشك يؤدي إلى تردد القاضي بين خيارين أو احتمالين أو أكثر فلا يستطيع القاضي الترجيح والإختيار بينهما، في حين ان الظن هو ترجيح احد الاحتمالين على الاخر ، فيحكم القاضي على أساس الاحتمال الذي ترجح لديه، وهذا هو الظن الغالب الذي يجعل القاضي ياخذ بالاحتمال الذي ترجح لديه.(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٠م، ٣٢٢).

الوجه الرابع: معنى مالا يدع مجالاً للشك

تعني هذه العبارة أن الواقعة أو التصرف قد ثبت بشكل قاطع أو بكل تأكيد، وهذا التعبير يستخدم للتأكيد على وقوع الواقعة أو التصرف على وجه اليقين. 

وبمعنى آخر فأنه عند القول: بما لا يدع مجالاً للشك فأن وجود الواقعة أو الفعل أمر مؤكد لا يقبل النقاش بشأنه لأنه بات وقاطع وحاسم ، فليس هناك ما يولد الشك في وقوعه أو صحته. 

وعلى هذا الأساس فإن القول بأنه لا مجال للشك بأن الواقعة أو التصرف قد وقع فإن ذلك يعني أن الفعل أو التصرف قد ثبت يقيناً. 

الوجه الخامس: مجال إستخدام عبارة: ثبت بما لا يدع مجالاً للشك هو القضايا الجزائية عملاً بقاعدة (الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين وليس على الشك والتخمين)

يذهب الفقه الجنائي إلى أن قاعدة: الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين وليس على الشك والتخمين، من أهم القواعد المتبعة في الإثبات الجنائي أي في إثبات الأفعال أو الإمتناعات المنسوبة للأفراد، حيث يتم إعتماد هذه القاعدة وتطبيقها في الأحكام الجزائية بالنظر إلى خطورة الأحكام الجزائية وآثارها ومساسها بحريات وحقوق ومصالح الأفراد، مما يقتضي زيادة التحوط عند إثبات التهم وإسنادها للأفراد وتوقيع العقوبات عليهم. 

ولذلك ينبغي أن تكون أدلة الإدانة باتة أو قاطعة أو أكيدة تفيد أن الفعل قد وقع بكل تأكيد وأن الفاعل له قطعا هو المتهم. 

الوجه السادس: مدى إمكانية إستعمال عبارة: ثبت بما لا يدع مجالاً للشك في غير القضايا الجزائية

إذا كان الفعل أو التصرف قد ثبت بصفة قطعية مؤكدة فلا حرج من إستعمال هذه العبارة في القضايا غير الجزائية سواءً في الأحكام أو في مرافعات الخصوم، لأن ذلك إخبار بثبوت الفعل بصفة يقينية، أما إذا لم يثبت الفعل يقيناً فإن إستعمال هذه العبارة يكون من باب المبالغة غير المحبذة في الاحكام والمرافعات التي ينبغي أن تتسم بالصدق والموضوعية والدقة في التعبير . (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٠م، ٣٢٥)، والله اعلم.

معنى ثبت بما لا يدع مجالاً للشك