توجد في اليمن طرق عامة كثيرة للسيارات والمشاة كان حق السير فيها مكفول لجميع أهالي المنطقة وغيرهم، ولأسباب عدة تتحول هذه الطرق إلى أماكن أخرى فتصير الطرق القديمة مهجورة أي لم يعد الأشخاص يسيروا عليها كما كان الحال في الماضي.
ومن المعلوم أن الطرق العامة من الأملاك العامة وفقاً للمادة (٥) من قانون أراضي وعقارات الدولة اليمني، لأن الطريق تصير ملكاً عاماً إما بشراء الدولة للأرض التي يتم شق الطرق فيها أو تعويض الدولة لملاكها الأصلين أو عن طريق تخصيصها كطريق عامة من قبل أهالي المنطقة، أو أن الطريق قد تم شقها في المراهق العامة كالمنحدرات والجبال والاكام وغيرها من المراهق والأملاك العامة، وفي كل الأحوال فأن الطريق العامة تكون ملكية عامة ، بيد ان تحول الطريق العامة من مكان إلى اخر يعني زوال المنفعة العامة للطريق العامة التي تحولت الى مكان آخر ، غير أن زوال المنفعة العامة للطريق العامة لايعني زوال منفعتها في الاغراض الأخرى كالرعي والاحتطاب وجلب التراب والحجارة منها ، كما أن الطريق المهجورة يتم إستعمالها من قبل الاهالي المجاورين لها ، ومعنى ذلك أن الطريق المهجورة تبقى ضمن الأملاك العامة سواءً أكانت طريق سيارات أو طريق مشاة، فلا يجوز للملاك المجاورين لها الإعتداء عليها أو ضمها إلى أملاكهم أو منع الاخرين من الإنتفاع بها إلا في حالة واحدة إستثنائية وهي حالة: إذا كانت الدولة قد وضعت يدها على مكان الطريق بغرض الإستملاك للمنفعة العامة وشقت الطريق فيها من غير أن تقوم الدولة بتعويض مالك الأرض ، فإذا تحولت الطريق عن تلك الارض فأنها تعود لمالكها.
فالطريق المهجورة سواءً طرق السيارات أو طرق المشاة تظل أملاكاً عامة ينتفع بها أهالي المنطقة بالرعي والإحتطاب فيها فلا يجوز للمجاورين للطريق المهجورة أن يعتبروا الطريق المهجورة رهقاً خاصاً بأملاكهم، ولا يجوز لأي من أهالي المنطقة أن يقوم بالإنتفاع بالطريق المهجورة على نحو يمنع الآخرين من الإنتفاع بها كوضع الحطب فيها أو حفر ماجل فيها أو استصلاحها وضمنها إلى أرضه المجاورة للطريق المهجورة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-3-2015م في الطعن رقم (56712)، وقد كان الحكم الابتدائي قد قضى بأن طريق السيارات وطريق المشاة (الرجل) المهجورتان تبقى مفسح لأهل القرية، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فما تحقق لدى محكمتي الموضوع هو إتفاق العدلين المختارين بأن الموضع محل الخلاف الذي سماه المدعون موضع.... هو طريق عامة مهجورة، فما عللت المحكمة بخصوص ذلك يوافق صحيح الشرع والقانون حيث اعتبرت الموضع محل النزاع أو الدعوى طريقاً عامة للكافة لعدم وجود ما يثبت إختصاص ملكية لأي من أطراف القضية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الطريق العامة المهجورة
الطريق العامة: هي طريق السيارات التي تتولى الدولة شقها أو يقوم أهل البلدة بشقها على نفقتهم، ويندرج ضمن مفهوم الطريق العام طريق المشاة السابلة التي اعتاد أهل البلدة على السير عليها إلى مزارع القرية او مفاسحها وأنحاء البلدة أو الى القرى الأخرى لقضاء حوائجهم.
فالطريق العامة ملك عام سواءً قامت الدولة بشقها أو تولى المواطنون شقها، لأن تخصيص مكان معين للمنفعة العامة كالطريق العامة يجعلها تدخل في مفهوم الملكية العامة وتنطبق عليها أحكام الملكية العامة حتى لو كان الافراد انفسهم قد خصصوها كطريق عامة.
ويستوى أن تكون الطريق العامة رئيسية أو فرعية نافذة إلى القرى أو المحلات الأخرى أو غير نافذة، فطالما أنها مفتوحة أمام المارة للسير فيها فإنها تكون طريقا عامة.
والمقصود بالطريق العامة المهجورة: هو تحول الطريق العامة إلى مكان آخر وشق طريق أخرى بديلة عنها تؤدي الغرض الذي كانت تؤديه الطريق المهجورة.
الوجه الثاني: الطريق العامة المهجورة في قانون اراضي وعقارات الدولة اليمني
نصت الفقرة (أ) من المادة (5) من القانون المشار إليه على أن: (تتكون أراضي وعقارات الدولة من أملاك الدولة العامة وأملاك الدولة الخاصة، ويعتبر من الأملاك العامة كل ما هو مخصص بطبيعته للمنفعة العامة) والمقصود بالأموال المخصصة بطبيعتها للمنفعة مثل الطرق العامة.
كما نصت المفقرة (ب) من المادة السابقة على أنه (لا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة بأي نوع من أنواع التصرفات إلا إذا ازالت عنها صفة المنفعة العامة بمقتضى قانون خاص أو قرار من مجلس الوزراء أو زالت عنها صفة المنفعة العامة بالفعل)، ومفاد هذا النص أنه يجوز التصرف في الأراضي المخصصة للمنفعة العامة متى زالت عنها صفة المنفعة العامة، ولكن التصرف فيها مناط بالهيئة العامة لأراضي الدولة بإعتبارها الجهة القانونية المختصة بالإشراف والرقابة والمحافظة على الأراضي والعقارات العامة.
وتطبيقاً لذلك فأنه لا يجوز للأفراد الإستيلاء والإستحواذ على الطرق المهجورة ومنع الآخرين من الإنتفاع بها. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل أراضي الدولة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2022م، صـ149).
الوجه الثالث: الطرق العامة المهجورة في القانون المدني اليمني
نصت المادة (118) من القانون المشار إليه على أنه: (ينقسم المال إلى قسمين: عام وخاص، فالمال العام: هو كل مال تملكه الدولة أو الأشخاص الإعتبارية العامة ويكون مخصصاً للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار، وهذا المال لا يجوز التصرف فيه أو الحجز عليه ولا تملك الأشخاص له بأي وسيلة مهما بقى عاماً ، ويجوز للأشخاص الإنتفاع به فيما اعد له طبقاً للقانون وما عدا ذلك من المال فهو مال خاص سواءً تملكه الدولة أو الأشخاص الإعتبارية العامة أو تملكه أحد الناس)، وقد سبق القول: أن الطرق العامة مخصصة بالفعل للمنفعة العامة، وبناءً على ذلك فهي تندرج ضمن الأموال العامة التي لا يجوز للأفراد تملكها أو الإختصاص بها دون غيرهم.
كما نصت المادة (119) من القانون ذاته على أن: (تفقد الأموال العامة صفتها بإنتهاء تخصيصها للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار لمصلحة عامة أو بإنتهاء الغرض الذي خصصت من أجله من المنافع العامة)، وهذا النص يصرح بأن الطريق العامة تفقد صفتها كمال عام بترك الناس لها واستبدالها بطريق آخر وهجر غالب الناس للسير فيها، بيد أن هذا يعني أنه يجوز للأفراد المجاورين للطريق المهجورة الإستحواذ عليها، لأن قانون أراضي وعقارات الدولة وهو قانون خاص قد صرح بأن التصرف بها منوط بالهيئة العامة للأراضي.
الوجه الرابع: حكم الطرق المهجورة في الشريعة الإسلامية
لا يستعمل الفقه الإسلامي مصطلح (الملكية العامة) ، وبدلاً من ذلك يستعمل المصطلح الشرعي الدقيق المعروف (بيت مال المسلمين)، ولذلك فإن الفقه الإسلامي أول من فرق بين ملكية الدولة وملكية المجتمع أو بين الملكية العامة وملكية الدولة، وبناءً على ذلك فإن الأراضي المخصصة لمنفعة عامة المسلمين تظل مملوكة لبيت مال المسلمين ،فلا يجوز للأفراد الإستحواذ عليها والإنفراد بها حتى لو زالت عنها صفة المنفعة العامة، لأن صفة المنفعة العامة لا تزول عنها بالكلية، إذ يظل بعض الأشخاص ينتفعوا بها إضافة إلى أن منفعتها قد تتحول من منفعة عامة إلى عامة أخرى كالإحتطاب والرعي فيها وأخذ الأحجار والتراب منها. (النظرية العامة للملكية العامة في القانون اليمني والفقه الإسلامي، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2018م، صـ373)، والله اعلم.
![]() |
في القانون اليمني |