إذن المورث لوارثه بالبناء على أرض المورث

إذا قام المورث أثناء حياته بالإذن لوارثه بالبناء في ملكه من غير مقابل قدمه الوارث لمورثه فإن هذا التصرف يكون في حكم الهبة للوارث أثناء حياة المورث ، فتنطبق على هذا التصرف أحكام الهبة التبرعية أي الهبة بدون مقابل، وحكم الهبة التبرعية للوارث دون بقية الورثة حكمها كحكم الوصية للوارث، فهي لاتصح الوارث إلا إذا اجاز بقية الورثة هذه الهبة وذلك بعد وفاة المورث، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-1-2012م في الطعن رقم (43376)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (وقد ناقشت الشعبة ما اثاره المستأنف بشأن بناء الدور الثالث من العمارة الواقعة في وسط المدينة ، فوجدت الشعبة أن ذلك البناء قد تم بموجب إذن والد الجميع مورثهم أثناء حياته، وقد صادق على ذلك بقية الورثة في حينه كما أنه تم إحتساب هواء الدور الثالث على المأذون له ولا حرج أن يكون ترخيص بناء الدور الثالث بإسم المورث لأن الأرض والدورين القائمين عليها في ملك المورث)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي المشار اليه اقرت الدائرة الشخصية الحكم، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا:( فقد وجدت الدائرة: ان نعي الطاعن هو عبارة عن إثارة لوقائع ومسائل موضوعية تختص بنظرها محكمة الموضوع ، وقد ناقشت محكمة الموضوع ذلك مناقشة كافية، ولذلك فان الحكم المطعون فيه موافق للشرع والقانون) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى الاذن بالبناء والتكييف الشرعي والقانوني لإذن المورث لوارثه بالبناء على أرض المورث

الإذن الذي نقصده في هذا التعليق هو : أن يأذن المورث أثناء حياته لوارثه بالبناء على أرضه ، فيقوم الوارث بالبناء على الأرض أثناء حياة المورث سواءً أكانت الأرض فضاء (أرض بيضاء) أو هواء (سطح البناء المملوك للمورث) أو أرض زراعية.

اما تكييف الأذن بالبناء على ارض المورث فانه يختلف بحسب الاحوال، فإذا كان إذن المورث لوارثه بالبناء على أرضه من غير مقابل مطلقاً فإن هذا التصرف يكون هبة تبرعية أي من دون مقابل، وإن كان هذا الإذن مقابل منفعة قام بها الوارث لحساب مورثه وكانت هذه المنفعة مساوية لقيمة الأرض فإن الإذن في هذه الحالة يكون مقابل اجرة المنفعة التي سبق أن حصل عليها المورث من وارثه، وإن كان الإذن مقابل ديون أو دين بذمة المؤرث لوارثه فان الاذن يكون في هذه الحالة سدادا للدين الذي بذمة المؤرث لوارثه ، وإن كان الإذن مقابل مال دفعه الوارث إلى مورثه فإن ذلك الإذن يكون بيعاً. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الأحوال الشخصية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٢م ، ص ٢٤٤).

الوجه الثاني: إذن المورث للوارث بالبناء على أرض المورث حينما يكون على سبيل الهبة التبرعية

الهبة: هي دفع المال إلى الغير من غير عوض أو من غيرمقابل، وتطبيقاً لذلك فقيام المورث بالإذن لوارثه بالبناء في أرضه هو من قبيل منح المورث لوارثه أرض للبناء عليها من غير مقابل، ولذلك تسري على هذا التصرف أحكام الهبة التبرعية، ومن أهم هذه الأحكام وجوب المساواة بين الورثة في هذه الهبة، فإذا قام المورث بمنح أحد الورثة أرضاً للبناء عليها فأنه يجب على المورث أن يمنح بقية الورثة أراض مماثلة أو مثل قيمة الأرض التي منحها لمن إذن له بالبناء عليها، وفي هذا المعنى نصت المادة (183) من قانون الأحوال الشخصية اليمني على أنه: (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية).

ومن جهة أخرى نصت المادة (186) أحوال شخصية على أن: (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً)، وكذا نصت المادة (234) أحوال شخصية على أنه: (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة)، في حين نصت المادة (237) أحوال شخصية على أنه: (لا تصح إجازة الوصية إلا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة الموصي).

ومن خلال إستقراء النصوص القانونية السابق ذكرها يظهر الآتي:

1- طالما أن الهبة للوارث ووارثه حكمها حكم الوصية للوارث ووارثه حسبما ورد في النص السابق، فإن معنى ذلك أن الهبة للوارث ووارثه غير جائزة إلا إذا اجازها بقية الورثة، ولاتصح هذه الإجازة إلا بعد وفاة المورث حسبما هو مقرر في المادة (234) أحوال شخصية التي نصت على أنه: (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة)، في حين نصت المادة (237) أحوال شخصية على أنه: (لا تصح إجازة الوصية إلا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة الموصي).

2- نصت المادة (186) أحوال شخصية السابق ذكرها على إستثناء (ما استهلكه الموهوب له من الهبة حقيقة أو حكماً) أي استثناء الهبة التي سبق ان استهلكها الوارث من أحكام الوصية، ومعنى ذلك أن الهبة التي استهلكها الوارث الموهوب له أثناء حياة المورث الواهب لا تنطبق عليها أحكام الوصية لوارث، أي أنها لا تحتاج إلى إجازة الورثة لها بعد وفاة المورث.

٣- المقصود بالإستهلاك الحقيقي للهبة هو : أن يقوم المورث الواهب بمنح الوارث الموهوب طعام فياكله أو يمنح الوارث سيارة فتنقلب هذه السيارة أو تتعطل أو تستهلك أثناء حياة المورث أو يقوم المورث بمنح ابنه جنبية (خنجر يماني ثمين) فتتعرض (الجنبية) فتتلف أثناء حياة المورث.

٤- المقصود بالإستهلاك الحكمي للهبة: هو ما يشبه الإستهلاك الحقيقي مثل تصرف الوارث الموهوب له بالمال الموهوب تصرفاً نهائياً يخرجه عن ملك الوارث الموهوب له كأن يقوم الوارث الموهوب له ببيع الأرضية أو السيارة أو الجنبية الموهوبة له أو ان يقوم بهبتها إلى الغير أو تسرق من الموهوب له، فالاستهلاك الحكمي للهبة يقع بنقل أو إنتقال ملكية المال الموهوب بصفة نهائية من ملك الوارث الموهوب له الى غيره على أي نحو ، ولذلك فأن قيام الموهوب له برهن الأرض أو السيارة أو الجنبية أو البندقية أو تأجيرها للغير لا يكون من قبيل الإستهلاك الحكمي.

وبناءً على ما ورد في هذا الوجه فإنه إذا سمح المورث لوارثه بالبناء على أرض المورث أثناء حياته فقام الوارث الموهوب له بالفعل بالبناء على أرض مورثه أثناء حياته فإن هذا البناء يبقى في ملك الوارث الموهوب له ولاتنتقل الغير ، لأن الأرض لم تستهلك حقيقة بالبناء عليها ، لأنها ما زالت موجودة، كما أن الأرض لم تستهلك حكماً لأنها لم تستهلك حكماً لأنها مازالت بحوزة الوارث ولم تنتقل إلى الغير، ولذلك فأنه يتم إحتساب الأرض في هذه الحالة ضمن أموال تركة المورث بعد تيقن وفاة المورث ويتم خصمها من نصيب الوارث الذي قام بالبناء عليها إذا لم يقم بقية الورثة بعد وفاة مورثهم بإجازة الهبة للوارث .

الوجه الثالث: إذن المورث للوارث بالبناء على أرض المورث حينما يكون على سبيل دفع إجرة الوارث

في بعض الأحوال يكون إذن المورث لوارثه بالبناء على أرض المورث أثناء حياته من قبيل قيام المورث بدفع إجرة الوارث الذي سبق ان قام بتقديم خدمات أو خدمة للمورث ، كما لو سبق أن قامت إحدى الوارثات بالخدمة لمورثها طريح الفراش لمدة طويلة، أو قام المورث بالإذن لوارثه بالبناء مقابل قيام الوارث بالعمل لدى مورثه بدون أجر لمدة من الزمن، ففي هذه الأحوال لا تنطبق على الإذن في هذه الحالة أحكام الوصية لوارث وإنما تنطبق على هذا التصرف أحكام الإجرة ، فيشترط أن يكون هناك نوع من التناسب بين اجرة الخدمة التي قام بها الوارث لحساب مورثه وبين ثمن الارض التي سمح المورث لوارثه بالبناء عليها.

الوجه الرابع: إذن المورث لوارثه بالبناء على أرض المورث حينما يكون على سبيل قضاء دين المورث المستحق لوارثه

في بعض الحالات يقوم المورث بالإذن لوارثه بالبناء على أرضه مقابل سداد الديون المستحقة بذمة المورث لوارثه، كما لو كان قد سبق للوارث أن قام بالإنفاق على مورثه لمدة من الزمن أو قام الوارث بدفع تكاليف علاج مورثه، أو قام الوارث نيابة عن مورثه بقضاء الديون المستحقة للغير بذمة مورثه، فإذن المؤرث لوارثه في هذه الاحوال لا تنطبق عليه أحكام الهبة لوارث وإنما احكام قضاء الدين، بيد أنه يشترط في هذه الاحوال أن يكون هناك تناسب فيما بين قيمة الأرض والدين الذي بذمة المورث لوارثه.

الوجه الخامس: بيع المورث الأرض لوارثه للبناء عليها

اجاز القانون المدني اليمني للمورث أن يبيع أرضه لوارثه شريطة أن يكون هذا البيع حقيقياً لا ينطوي على حيلة وأن يكون هناك تناسب فيما بين الثمن الذي قام الوارث بدفعه إلى مورثه، وفي هذه الحالة تنطبق على هذا التصرف أحكام البيع من المورث لوارثه وليس أحكام الهبة للوارث. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القسمة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٤م ، ص ٣٧٢)، والله أعلم.

إذن المورث لوارثه بالبناء على أرض المورث
في القانون اليمني