صرحت المادة (53) من قانون التحكيم على أن تجاوز المحكم لموضوع التحكيم المتفق عليه في إتفاق التحكيم صرحت بأن ذلك من ضمن حالات بطلان حكم التحكيم، بيد أن المادة المشار إليها لم تنص على أن اقتصار المحكم على الفصل في جزء من النزاع المحدد في موضوع التحكيم لم تنص على أن ذلك من ضمن حالات بطلان حكم التحكيم، غير أنه إذا اقتصر حكم التحكيم على الحكم في جزء من موضوع متلازم يرتبط إرتباطاً لا يقبل التجزئة بالأجزاء الأخرى التي لم يفصل فيها المحكم فإن ذلك يجعل حكم التحكيم باطلاً، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-3-2010م في الطعن رقم (37310)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن البين من خلال الإطلاع على أوراق القضية خاصة إتفاق التحكيم أن عبارة إتفاق التحكيم جاءت واضحة وصريحة لا لبس فيها أو غموض حيث نص على التحكيم بين كلٍ من فلان وفلان على إختيار المحاسب فلان ، وذلك لحل الخلاف بين الطرفين على حساب دخل وخرج الناقلة، فالطرفين شركاء في الناقلة دخلها وخرجها، وموضوع التحكيم هذا لا يمكن الفصل فيه بين حقوق وواجبات الشريكين بأن يحكم لأحدهما فقط بدخل وخرج الناقلة وعدم الفصل بشأن حق الطرف الآخر)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: إرادة الخصوم المحتكمين في الفصل في موضوع النزاع كاملاً
يستمد المحكم ولايته في نظر الخصومة التحكيمية والفصل فيها إلى إرادة الخصوم الذي عينوه في إتفاق التحكيم وحددوا له نطاق ولايته، وهي الفصل في موضوع النزاع الذي حددوه في إتفاق التحكيم، وبناءً على ذلك فأنه يجب على المحكم أن يتقيد بحدود ولايته ، فلا يتجاوز موضوع التحكيم أو الخلاف إلى غيره.
وعلى هذا الأساس فإن المحكم لا يكون قد تجاوز موضوع التحكيم إذا اقتصر حكمه على الفصل في جزء من موضوع التحكيم وليس في كل أجزاء موضوع النزاع ، وذلك إذا كان الجزء الذي فصل فيه المحكم منفصلا عن اجزاء النزاع الأخرى ، غير أن المحكم حينما يفصل في جزء من موضوع التحكيم يكون قد خالف إرادة المحتكمين الذين اختاروا المحكم للفصل في موضوع التحكيم كاملاً، هذا اذا كانت اجزاء النزاع الاخرى قابلة الفصل فيها حين فصل المحكم بجزء منها.
الوجه الثاني: الفصل في جزء منفصل من موضوع التحكيم لا يبطل حكم التحكيم
قد يشمل موضوع التحكيم الذي يتفق الخصوم عليه في إتفاق التحكيم قد يشمل عدة أشياء أو مسائل منفصلة عن بعضها أو قابلة للإنفصال مثل إتفاق الخصوم على أن يفصل المحكم في النزاع القائم بينهما بشأن عشر سيارات ، فيفصل المحكم ويحكم في خمس فقط منها مبيناً صاحب الحق فيها من الخصوم، وكذلك الحال إذا كان موضوع التحكيم أو الخلاف عشر جرب أو قطع زراعية ، فقام المحكم بالحكم في سبع منها فقط...إلخ.
فحكم التحكيم في هذه الاحوال صحيح ،لأن الإقتصار في الحكم على بعض الأشياء محل الخلاف موضوع التحكيم ليس تجاوزاً من المحكم لصلاحياته، إضافة إلى أن الإقتصار على الفصل في بعض الأشياء ليس من ضمن الحالات التي يجوز فيها للخصوم تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم، كما قد تظهر للمحكم اثناء نظره في الخصومة التحكيمية ان جزءا أو بعض الإجزاء هي وحدها فقط القابلة للفصل فيها إستقلالا عن بقية المسائل والاجزاء الأخرى.
ومن جانب آخر فانه يجوز للمحكم ان يحكم بالأشياء محل النزاع كلها لأحد الخصوم دون غيره بحسب الادلة المقدمة من الخصوم خلال سير إجراءات الخصومة التحكيمية ، فيحكم المحكم بها كلها للخصم الذي اظهرت الأدلة أحقيته في تلك الأشياء، فالمحكم يحكم بالحق لمن أظهرت الادلة احقيته به.
ومن ناحية ثالثة يجوز للمحكم أن يحكم بجزء من موضوع الخلاف بين الخصوم إذا كان هذا الجزء منفصلا عن بقية أجزاء النزاع الأخرى ، فيحكم المحكم بهذا الجزء المنفصل للخصم الذي اظهر الدليل احقيته فيه ،ويترك المحكم بقية اجزاء النزاع الأخرى من غير فصل ، فيكون حكم التحكيم صحيحاً إذا كان الجزء المحكوم به قابلاً للتجزئة والإنفصال عن باقي اجزاء موضوع النزاع، بمعنى آخر إذا امكن فصل الجزء الذي حكم فيه المحكم فإن الحكم يكون صحيحاً بالنسبة للجزء الذي فصل فيه الحكم.
الوجه الثالث: بطلان حكم التحكيم لأحد الخصوم في جزء متصل غير منفصل
كان النقاش في الحكم محل تعليقنا بشأن هذه المسألة حيث اقتصر المحكم على الحكم لأحد الخصمين بحصته فقط من دخل الناقلة وحصته من صافي ربحها دون أن يفصل حكم التحكيم في حصة الخصم الآخر في ربح الناقلة وحصته في مصاريفها خلافاً لإتفاق التحكيم الذي حدد فيه الخصمان موضوع خلافهما ، وهو قيام المحكم بإجراء الحساب في مصاريف الناقلة والأرباح المستحقة منها وتحديد حصة كل طرف منها، فكان من الواجب على المحكم في هذه الحالة أن يفصل في موضوع الخلاف كاملاً ، لأنه غير قابل للتجزئة بين طرفي الخصومة التحكيمية، ومقتضى ذلك أن يحدد المحكم في حكمه حصة كل طرف من الطرفين المتخاصمين من إيرادات ومصروفات الناقلة، أما تحديد حصة أحد الطرفين فقط في إيرادات الناقلة ومصروفاتها فأن الحكم في هذه الحالة لا يحسم الخلاف الذي يظل قائماً ومعلقاً على تحديد حصة الطرف الآخر، إضافة إلى أن هذا الحكم لا يحقق إرادة الخصوم المحتكمين الذين عبروا في إتفاق التحكيم عن إرادتهم في حسم النزاع القائم بينهم ، فالحكم لأحدهم في جزء متصل بالاجزاء الاخرى لايحسم النزاع ، إذ يظل معلقا على الفصل في الاجزاء الأخرى. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ283)، والله أعلم.
![]() |
في القانون اليمني |