المستند الإلكتروني هو: أي بيان أو رسالة أو قيد أو عملية أو معلومة أو عقد أو توقيع أو برنامج أو سجل أو إجراء أو شهادة أو رمز أو توثيق أو أية أوراق يتم الحصول عليها بوسيلة إلكترونية .
والوسائل الإلكترونية التي يتم إرسال المستند بواسطتها هي الاجهزة والبرامج التي تستخدم في إنشاء او تخزين أو ارسال أو إستقبال المعلومات والبيانات بصيغة رقمية ، والوسائل الإلكترونية تشمل اجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والاجهزة اللوحية ، بالإضافة إلى البرامج والتطبيقات التي تستخدم لمعالجة النصوص وقواعد البيانات والرسومات وغيرها من البيانات الرقمية.
وتكون للمستندات المستخرجة من الوسائل الإلكترونية حجيتها إذا تم التأكد أو التوثق من نسبتها الى الشخص ،. وقد اشار الى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-1-2010م في الطعن رقم (36499)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالدعوى مرتبطة بذلك المستند ، وهو جوهر النزاع ، والمطلوب هو أصل ذلك المستند، والمقصود بالأصل المعتمد في حيثيات حكم محكمة أول درجة هو مخرجات وسائل الإتصالات الحديثة كالفاكس من المحررات التي تعتبر منتجة في الإثبات لا مجرد صور لتلك المحررات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: حجية المستند الإلكتروني في قانون الإثبات اليمني
المستند الإلكتروني في قانون الإثبات مجرد قرينة قضائية اذا لم يكن هناك نزاع بشان نسبة المستند الى الشخص أو إذا ثبتت صحة نسبة المستند الى الشخص عند الخلاف .
فقد نظم قانون الإثبات اليمني المحررات الرسمية والمحررات العرفية ، وذلك في الباب الرابع بعنوان الأدلة الكتابية في المواد من (97) حتى نهاية المادة (128)، غير أن قانون الإثبات اليمني لم يتعرض إلى الكتابة في الوسائط الإلكترونية أو المستندات المستخرجة منها، وترك قانون الإثبات المستندات المستخرجة من الوسائل الإلكترونية تركها للقواعد العامة في قانون الإثبات اليمني التي تتعامل مع المستندات الإلكترونية على أنها مجرد قرائن قضائية تكون لها حجية القرائن القضائية، وقد عرّف قانون الإثبات اليمني القرينة القضائية في الفقرة (ب) من المادة (155) إثبات التي نصت على أن (-ب- القرينة القضائية: وهي ما تستنبطه المحكمة من الأمور الواقعية أو المعاينة التي تدل على صور الحال في القضية كخروج شخص من داره في يده سكين تقطر دماً أو سلاح ناري عليه أثر الإستعمال مع وجود قتيل في تلك الدار وليس بها غيره ،والنكول عن اليمين ممن وجبت عليه) وقد تكون القرينة القضائية قاطعة كما قد تكون بسيطة، ومع ذلك فإن أخذ المحكمة بالقرينة القضائية يكون أمرا جوازيا وفقاً للمادتين (157 و 158) إثبات.
ومعنى ذلك أنه إذا ثبت للمحكمة نسبة المحرر المستخرج من الهاتف أو الفاكس أو غيره أو نسبة الكتابة للخصم فإن أخذ المحكمة بالمحرر أو الكتابة يكون جوازياً، وهذا من عيوب قانون الإثبات اليمني الذي لم يستوعب المتغيرات ووسائل الإثبات الحديثة.
الوجه الثاني: حجية المستندات الإلكترونية في قانون أنظمة الدفع والعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية اليمني
هذا القانون من اسمه يقتصر سريانه على العمليات المصرفية في البنوك والمصارف وشركات الصرافة، وقد عرّف هذا القانون السند الإلكتروني بأن: (السند الإلكتروني: هو أي بيان أو رسالة أو قيد أو عملية أو معلومة أو عقد أو توقيع أو برنامج أو سجل أو إجراء أو شهادة أو رمز أو توثيق أو أية أوراق مالية أو تجارية يتم الحصول عليها بوسيلة إلكترونية).
ومن المعروف أن الوسائل الإلكترونية التي يتم إرسال المستند بواسطتها هي الاجهزة والبرامج التي تستخدم في إنشاء او تخزين أو ارسال أو إستقبال المعلومات والبيانات بصيغة رقمية ، والوسائل الإلكترونية تشمل اجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والاجهزة اللوحية ، بالإضافة إلى البرامج والتطبيقات التي تستخدم لمعالجة النصوص وقواعد البيانات والرسومات وغيرها من البيانات .الرقمية. (تحديات الإثبات بالسندات الإلكترونية، د. عباس العبودي، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2010م، صـ365).
وقد صرح قانون انظمة الدفع الإلكتروني اليمني بأن المستندات المستخرجة من الوسائل التقنية الإلكترونية تكون لها حجيتها في الإثبات مثلها في ذلك مثل المحررات الكتابية الورقية، فقد نصت المادة (10) من القانون المشار إليه على أن: (يكون للسجل الإلكتروني والعقد الإلكتروني ورسالة البيانات والمعلومات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني نفس الآثار القانونية المترتبة على الوثائق والمستندات والتوقيعات الخطية من حيث إلزامها لأطرافها أو حجيتها في الإثبات).
ولضمان الموثوقية بالسند الإلكتروني فقد اشترط هذا قانون انظمة الدفع إجراءات التوثيق أي التحقق من سلامة المستند وصحة نسبته الى الشخص ، فقد نصت المادة (٢) من القانون وضمن تعريف المصطلحات الواردة في القانون نصت على أن (إجراءات التوثيق: هي الإجراءات المتبعة للتحقق من التوقيع الإلكتروني أو السجل الإلكتروني قد تم تنفيذه من شخص معين أو لتتبع التغيرات والأخطاء التي حدثت في السجل الإلكتروني بعد إنشائه بما في ذلك إستخدام وسائل التحليل للتعرف على الرموز والكلمات والأرقام وفك التشفير والإستعادة العكسية أو أي وسيلة أو أية إجراءات أخرى تحقق الغرض المطلوب).
وتطبيق هذا النص يحتاج الى خبرة فنية عالية ومحايدة ، ولذلك فقد حدد القانون شهادة التوثيق التي تبين مدى سلامة المستند الإلكتروني وصحة نسبته للشخص، فقد نصت المادة (2) من القانون السابق ذكره ، وضمن تعاريف المصطلحات القانونية نصت على أن (شهادة التوثيق: هي الشهادة الصادرة عن الجهة المختصة لإثبات نسبة التوقيع الإلكتروني إلى شخص معين إستناداً إلى إجراءات توثيق معتمدة).
ومع أن هذا القانون خاص بالعمليات المصرفية في البنوك وشركات الصرافة، إلا أنه يتم العمل به في النشاط التجاري كافة إستناداً إلى المادة (6) من القانون التجاري اليمني التي نصت في نهايتها على أنه : (على أنه بالنسبة لوسائل الإثبات تطبق القواعد المتعارف عليها في المعاملات التجارية)، ومن المؤكد أن المتعارف عليه في الوسط التجاري في الوقت الحاضر أن التجار كافة يستعملون الوسائل الإلكترونية في كافة معاملاتهم.
الوجه الثالث: حجية المستند الإلكتروني في غير النشاط المصرفي والتجاري وتوصيتنا للمقنن اليمني
سبق أن ذكرنا أن قانون الإثبات يتعامل مع المستندات الإلكترونية على أساس انها من القرائن القضائية وان مكانة هذه المستندات أقل حجية من المحررات الورقية، وهذه النظرة قاصرة تتجاهل حقيقة توجه كافة القطاعات الحكومية والخاصة إلى الأخذ بالادارة الرقمية وهي (إدارة بدون ورق) أي إدارة تتعامل في كافة معاملاتها عن طريق الوسائط التقنية الإلكترونية أي عن طريق المستند الإلكتروني.
وبناءً على ماتقدم فإن المستندات الإلكترونية في غير النشاط المصرفي والتجاري مازالت مغيبة في قانون الإثبات اليمني.
وعلى هذا الأساس فإننا نوصي قانون الإثبات اليمني أن يحذو حذوا قانون أنظمة الدفع الإلكتروني، وذلك بتضمين قانون الإثبات نص صريح ينص على حجية المحررات المستخرجة من الوسائط الإلكترونية عند عدم الخلاف بشانها ، واذا وقع خلاف بشانها يتم العمل بها بعد ثبوت نسبتها للشخص بموجب شهادة تصديق تتضمن مصادقة الجهة المختصة على أن المحرر منسوب للشخص، وتصدر هذه الشهادة من الادارة المعنية بوزارة تقنية المعلومات.
الوجه الرابع: محنة القضاء اليمني عند الإستدلال بالمستندات الإلكترونية
أصبحت بفضل الله تعالى كافة المعاملات والتعاملات في اليمن تتم عن طريق الوسائل أو الوسائط الإلكترونية ، ولذلك يكثر إستدلال الخصوم بها أمام القضاء ربما في كل القضايا، وإزاء ذلك يقف القاضي اليمني حائراً لغياب نص صريح يوضح للقاضي حجية المحرر الإلكتروني وكيفية التوثق من نسبته إلى الشخص والجهة المختصة بذلك التي تصدر شهادة التوثيق بصحة المحرر عند إختلاف الخصوم بشأنه.
وقد كشف الحكم محل تعليقنا محنة القاضي اليمني في هذا الشأن لغياب النص القانوني الصريح، ولذلك تختلف إجتهادات القضاة في اليمن، فهناك من يكلف الخصم الذي يستدل بالمحرر الإلكتروني أن يقدم للقضاء المحرر أو المستند الورقي الذي تم بموجبه تحرير أو إدخال المحرر الإلكتروني في الجهاز الإلكتروني مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، لأن الحجية للأصول أما المحرر الذي يتم الحصول عليه من الجهاز الإلكتروني فهو عبارة عن صورة وليس أصلاً، وبعض القضاة يقوم بمخاطبة شركة الإتصالات التي يتبعها رقم الهاتف للإفادة عما إذا كان المستند المرسل قد صدر من الشخص، وبعضههم يستعين بخبير حاسوب ، وهكذا تختلف الإجتهادات، في حين أن المعالجة الصائبة هي العمل بتوصيتنا السابق ذكرها في الوجه السابق.
الوجه الخامس: أصل المستند الإلكتروني
كان جوهر النزاع في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا كان بشان أصل المحرر أو المستند الإلكتروني ، في حين انه من المعلوم ان أصل المستند الإلكتروني محفوظ في الجهاز الإلكتروني كجهاز الحاسوب أو الهاتف الذكي ،ويتم إستخراج نسخ أو صور من المستند ، وذلك من الجهاز الإلكتروني، وهذه النسخ المستخرجة ليست أصولاً ، ولذلك فقد ناقش الحكم محل تعليقنا هذه المسألة واسهب وأطنب بشأنها، ولذلك فإن الحديث عن الحجية يتناول مخرجات هذه الوسائط الإلكترونية وهذه خاصية من خواص الإثبات بالمحررات الإلكترونية التي تميزها عن الإثبات بالمحررات الورقية. (المستند الإلكتروني وحجيته القانونية في الإثبات، د. محمد لطيف صالح مجلة كلية القانون – جامعة الفلوجة العراق العدد (37) العام 2021م، صـ346).
الوجه السادس: حجية المستندات الالكترونية في الشريعة الاسلامية
قال الله تعالى : (يا ايها الذين امنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فأكتبوه..) ، فالله سبحانه وتعالى ارشدنا في هذه الاية الكريمة إلى كتابة الديون والالتزامات لحفظ الحقوق والمصالح من الضياع والنسيان ، وحتى لايفضي امرها إلى الخلاف والخصام بين المتعاملين ، ولم يحدد الله تبارك وتعالى طريقة الكتابة أو كيفيتها أو وسائلها ، وانما ترك هذا الأمر لمتغيرات وسائل الكتابة وطرائقها بحسب إختلاف الازمنة والامكنة رحمة من الله تعالى بنا فلم يشق علينا بتكليفنا بوسيلة كتابة محددة ، ولذلك فان الاستدلال بالمستند الالكتروني جائز في الشريعة الاسلامية ، ودليل جوازه النص القراني الصريح المرشد لنا بكتابة الديون والالتزامات. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢١م، ص١١٥)، والله أعلم.
![]() |
©مدونة الأستاذ الدكتور/ عبدالمؤمن شجاع الدين |