يفضل بعض الخصوم أن يكون المحكم من الخبراء المتخصصين في مجال الخلاف القائم بين الخصوم، فإذا كان الخلاف بين الخصوم بشأن مسائل حسابية أو حسابات التعامل بين الخصوم فإنهم يختاروا خبيرا محاسباً كمحكم للفصل في النزاع القائم بينهم، وإذا كان النزاع بين الخصوم بشان مسائل هندسية كاعمال مقاولة بناء فإنهم يقوموا بإختيار خبيرمهندس للفصل في الخلاف القائم بينهم.
ولا حرج أن يكون المحكم من الخبراء العدول بل أن ذلك أفضل، بيد أن الخبير المحكم في هذه الحالة يجب عليه أن يصدر حكماً حاسماً للخلاف وليس تقريراً من تقارير الخبرة يتضمن مقترحات وتوصيات أو الراي الفني للخبير ،كما ينبغي أن يتضمن حكم التحكيم الصادر عن الخبير المحكم يتضمن البيانات التي اشترطها قانون التحكيم في حكم التحكيم وهي البيانات المبينة في المادة (48) تحكيم، فإذا كان حكم الخبير المحكم على هذا النحو فأنه يكون حكم تحكيم وفقاً للقانون، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-5-2009م في الطعن رقم (33552)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما ما اثاره الطاعن بأن المحاسب فلان بن فلان ليس له ولاية في إصدار حكم تحكيم ، لأنه قد تم إختياره لإجراء المحاسبة القانونية بين الطرفين حسبما ورد في وثيقة تعيين الخبير المحاسب، وبرجوع الدائرة إلى وثيقة التحكيم المشار إليها فقد وجدت الدائرة: أن الطرفين فوضا المحاسب المذكور بمراجعة الحساب بينهما وإظهار النتيجة وانه ليس لأي منهما إلا ما قرره المحاسب كحل نهائي للخلاف، وقد استوفى المحاسب المذكور الإجراءات اللازمة للمحاسبة كما تبين من ملف دعوى البطلان واظهر المحاسب النتيجة النهائية للمحاسبة وألزم المحاسب الطاعن بدفع المبلغ المتبقي بذمته وقدره مبلغ..... وذلك الى المطعون ضده ، مما يستوجب رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الخبير العدل
الخبير العدل هو شخص طبيعي متخصص في مجال معين من المجالات الفنية ذات التخصص الدقيق كالأطباء والمهندسن والمحاسبين والكيميائيين وغيرهم من أصحاب الخبرة والإختصاص في المجالات الفنية الدقيقة المختلفة، وقد يكون الخبير العدل شخصا طبيعيا واحدا أو مجموعة من الاشخاص (لجنة تحكيم).
كما قد يكون المحكم شخصية إعتبارية أي هيئة متخصصة يعمل فيها مجموعة من الخبراء المتخصصين كهيئة الطب الشرعي والإدارة العامة للأدلة الجنائية والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وغيرهما من الهيئات المتخصصة بالمسائل الفنية الدقيقة.
الوجه الثاني: ماهية المحكم
المحكم قد يكون شخصاً طبيعياً وقد يكون هيئة كمركز تحكيم، وفي كل الاحوال فإن المحكم يستمد ولايته من إتفاق التحكيم الذي يتضمن إتفاق الخصوم المحتكمين على تعيين المحكم وتحديد موضوع الخلاف المطلوب من المحكم الفصل فيه وتحديد الإجراءات التي يجب على المحكم إتباعها.
وولاية المحكم في نظر النزاعات ولاية إستثنائية تقع إستثناءً من الولاية الأصلية للقضاء في الفصل في النزاعات بإعتبار القضاء هو المختص أصلاً بالفصل في النزاعات بموجب أحكام الدستور والقانون.
الوجه الثالث: النزاعات ذات الطابع الفني
غالب النزاعات تتضمن مسائل فنية، إذ يقوم القاضي في هذه النزاعات بتعيين خبير عدل بحسب نوع المسألة الفنية، وذلك لبيان الرأي الفني في المسألة الفنية.
بيد أن هناك نزاعات يكون موضوعها فني بحت مثل الخلاف بين خصمين على حساب جاري بين الطرفين أو خلاف مقاول مع صاحب العمل على الكميات المستخدمة في أعمال المقاولة أو خلاف المستورد مع المورد على مواصفات الصفقة أو السلعة المستوردة...إلخ.
والنزاعات الفنية البحتة أو ذات الطابع الفني البحت يفضل أن يكون المحكم للفصل فيها من الخبراء العدول أهل الخبرة والإختصاص بحسب المجال الفني الذي حدث بشأنه النزاع .
ففي النزاعات ذات الطابع الفني البحت يكون المحكم الخبير العدل أكثر قدرة وخبرة وسرعة في الفصل فيها ،لأن المحكم الخبير في هذه الحالة لا يحتاج إلى الإستعانة بأعمال الخبرة وهي غالب المسائل محل النزاع ، لأن الخبير المحكم قد تم إختياره على أساس أنه خبير في مجال الخلاف، فتحكيم الخبير العدل في هذه الأحوال يوفر ويختصر إجراءات كثيرة مما يجعل الخبير العدل يفصل في النزاع الفني بسرعة وسهولة.
ولما لتحكيم الخبيرالعدل من مزايا وافضليات فقد ظهر في غالبية دول العالم التحكيم المتخصص كالتحكيم الهندسي وغيره. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ374).
الوجه الرابع: الفرق بين الخبير العدل والخبير المحكم
اجاز قانون الإثبات اليمني في المادة (165) اجاز للمحكمة الإستعانة بالخبير العدل لبيان وإيضاح المسائل الفنية التي يدق على القاضي أو المحكم فهمها، كذلك اجازت المادة (40) من قانون التحكيم اجازت للمحكم الإستعانة بالخبراء العدول.
وعندما يستعين القاضي أو المحكم بالخبير العدل فإن الخبير العدل ينهي عمله بتقديم تقرير إلى القاضي أو المحكم يتضمن الراي الفني أو النتائج الفنية التي توصل إليها الخبير العدل، فالخبير العدل في هذه الحالة لا يصدر حكماً بل يقدم تقريراً فنيا يتضمن رأيه الفني بشأن المسألة الفنية محل النزاع ويخضع هذا التقرير لملاحظات الخصوم ،كما ان للقاضي أن ياخذ بما ورد في التقرير أو يطرحه.
أما الخبير المحكم فإن عمله ينتهي بقيامه بإصدار حكم حاسم فاصل في النزاع الفني ، ولا يخضع هذا الحكم لملاحظات الخصوم ، وإن كان هذا الحكم يخضع للإدعاء ببطلانه عن طريق دعوى بطلان حكم التحكيم التي يتم رفعها امام محكمة الاستئناف المختصة.
الوجه الخامس: بيانات حكم المحكم الخبير
نصت المادة (48) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (....ويجب أن يشتمل حكم لجنة التحكيم على البيانات الآتية: أسماء أطراف التحكيم وعناوينهم وجنسياتهم وملخص الطلبات ودفوعات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه وتاريخ ومكان إصداره).
وبناءً على هذا النص فأنه يجب على الخبير المحكم قبل أن يقوم بدراسة المسألة الفنية محل الخلاف يجب عليه أن يستمع اولا إلى دعاوى الخصوم وردودهم وأدلتهم وأوجه دفاعهم وبعد ذلك ذلك يقوم بدراسة المسألة الفنية محل الخلاف ، ومن خلال هذه الدراسة يقوم الخبير المحكم بوضع أسباب الحكم ومنطوقه ثم ينطق بالحكم بحضور الخصوم ثم يقوم بالتوقيع على الحكم ، فعمل الخبير المحكم ينتهي بحكمٍ وليس رأياً. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص١٧٩)، والله اعلم.