قسمة حق اليد العرفية في الوقف العام - عبدالمؤمن شجاع الدين

من المعلوم أن مال الوقف لا يباع ولا يشترى ، لأن ملكية الرقبة في الوقف لله سبحاته وتعالى، غير أن حق الإنتفاع بمال الوقف أو ما يسمى في اليمن (حق اليد العرفية) هو الذي يباع ويشترى بحسب ماجرى عليه العرف في اليمن، وقد غلب العرف في اليمن قانون الوقف ولائحة تاجير اعيان الوقف، فقد قرر القانون واللائحة أن المستأجر لمال الوقف لا يستحق حق اليد إلا العناء الظاهر وهو مقابل الإصلاحات والغروس التي يقوم بها المستأجر في عين الوقف المؤجرة شريطة موافقة هيئة الأوقاف على اجراء تلك الإصلاحات،بيد ان قانون الوقف اليمني ولائجة تاجير اعيان الوقف قد تناقضا حينما قررا إستحقاق الاوقاف للمأذونية كنسبة من قيمة حق اليد العرفية الذي انتقلت بموجبه العين الموقوفة الى المستاجر الجديد .

ولذلك فإن المستأجرين لأعيان الوقف في اليمن يقوموا ببيع حق اليد العرفية بأسعار تكاد أن تكون مساوية لأسعار الأراضي الحر، وبما أن حق إنتفاع المستأجر بالوقف أو اليد العرفية له قيمة مالية وقابل للبيع والشراء، لذلك فإن النساء الوارثات يستحقن نصيبهن من حق اليد العرفية في الوقف العام التابع لهيئة الأوقاف أو وزارة الأوقاف، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2011م في الطعن رقم (43694)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بإستحقاق المدعية لنصيبها في حق اليد العرفية في أراضي الوقف التي كان مورثها مستأجراً لها من مكتب الأوقاف، وقد أيدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي، وحين الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (وحيث أن الحكم الاستئنافي جاء سليماً وصحيحاً وموافقاً في النتيجة للشرع والقانون فيما قضى به من تأييده للحكم الابتدائي الذي قضى بقبول الدعوى، وعلى المدعى عليهم والمتدخل تمكين المدعي من حصة مورثته من بعد والدها في أرض الوقف العام المدعى بها كمعوشة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: حق اليد العرفية في قانون الوقف اليمني ولائحة تأجير اعيان الوقف وتوصيتنا للمقنن اليمني

نصت المادة (86) وقف على أنه: (ليس لمستأجر عين الوقف أو أملاكه حق اليد إلا في العناء الظاهر كالغرس والبناء والإصلاح إذا كان ذلك بإذن المتولي على أن يقرره الحاكم بإحالة من الجهة المختصة).

 فهذا النص يمنع حق اليد العرفية وبدلاً من ذلك فأنه يقرر العناء الظاهر لمستأجر عين الوقف ، والعناء الظاهر هو عبارة عن تكاليف ومصاريف الإصلاحات التي قام بها المستأجر للوقف أو الغروس التي غرسها وهذه الغروس والإصلاحات تكون ظاهرة في العين من الممكن مشاهدتها بالعين وتقدير تكاليفها.

ومن المضحك أن قانون الوقف اليمني ولائحة تاجير اعيان الوقف قد منعا حق اليد غير أنهما اجازا للأوقاف أن تتقاضى مأذونية من حق اليد العرفية ، وهي نسبة معينة من قيمة حق اليد العرفية عند قيام مستأجر الأوقاف ببيع حق اليد العرفية إلى الغير، حيث يقوم المستأجر الجديد بدفع ما يسمى بالمأذونية للأوقاف، وهذا تناقض ظاهر في قانون الوقف اليمني ولائحة تأجير اعيان الوقف، ولذلك نوصي المقنن اليمني بمعالجة موضوع التصرف في حق اليد العرفية وازالة التناقض في هذا الشان.

الوجه الثاني: تصرف المستأجر لعين الوقف بحقه في الإنتفاع في عين الوقف المؤجرة له من مكتب الأوقاف

سبق القول: أن حق اليد العرفية هو عبارة عن حق المستأجر في الإنتفاع بعين الوقف المؤجرة له من مكتب الأوقاف، ولذلك فأن تصرف المستأجر لعين الوقف لا يتصرف إلى ملكية رقبة عين الوقف وإنما يقتصر تصرفه على حق الإنتفاع بالعين فقط، حيث يتم بيع حق اليد العرفية بثمن يكاد أن يساوي ثمن الأراضي الأخرى ، ويتم هذا البيع بوثائق مماثلة لوثائق بيع الأراضي الأخرى، غير أن المشتري لحق اليد العرفية يلتزم بدفع المأذونية وهي نسبة من الثمن الذي دفعه مقابل حق اليد العرفية، إضافة إلى الحصول على عقد إيجار من مكتب الاوقاف بإسم المشتري لحق اليد العرفية وهو المستأجر الجديد الذي انتقل اليه حق الإنتفاع بعين الوقف من المستاجر السابق الذي باع له حق اليد أو الانتفاع.

الوجه الثالث: أحقية النساء في حق اليد العرفية في أعيان الوقف العام المؤجرة لمورثهن

سبق القول: أن حق اليد العرفية قابل للتصرف مقابل ثمن يكاد أن يماثل أسعار الأراضي الأخرى، وأن حق اليد العرفية لا يتناول ملكية رقبة عين الوقف، وطالما أن حق اليد العرفية حق له مقابل مالي فأن النساء الوارثات يستحقن نصيبهن الشرعي من حق اليد العرفية نقداً أو عيناً. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الوقف ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٢م ، ص٢٥٤)، والله اعلم.

قسمة حق اليد العرفية في الوقف العام
في القانون اليمني