جرح شاهد المحرر القديم

جرح الشاهد هو إثبات عدم توفر الشروط الشرعية والقانونية في الشاهد التي اتفق عليها الفقه الاسلامي والتي أخذ بها القانون اليمني ، وذلك في المادة (27) من قانون الإثبات اليمني التي حددت شروط الشاهد: وهي البلوغ والإختيار والعدالة ومعاينة الشاهد لما يشهد عليه وأن لا يكون الشاهد مجلود في حد أو مجروحاً في عدالة مالم تظهر توبته وصلاح عدالته وأن لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً وأن لا يكون خصماً للمشهود عليه وأن لا يشهد الشاهد على فعل نفسه وأن يكون عالماً بما يشهد به .

وجرح الشاهد عبارة عن دعوى يدعي بها الجارح تخلف شرط من شروط الشاهد المشار إليها يدعي تخلفها في الشاهد المراد جرحه أو جرح شهادته ،مما يستلزم أن يقدم الخصم الجارح في الشاهد ما يدل على صحة إدعائه بجرح الشاهد، وهذا الامر يقتضي ان يكون الشاهد على قيد الحياة تستمع. المحكمة إلى دفاعه، ولذلك فقد اشترط قانون الإثبات اليمني في كاتب المحرر القديم ان يكون معروفا بالعدالة والأمانة وحسن السيرة، ولم يشترط القانون ذلك في شاهد المحرر القديم ، ولذلك لاتقبل دعوى الجرح في شاهد المحرر القديم الا إذا كان قد صدر عليه حكم اثناء حياته وقضى ذلك الحكم بجرحه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-12-2011م في الطعن رقم (43349)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (كما قدم وكيل المدعية المستأنف حالياً ما يدل على جرح الشاهد ومنها حكم محكمة.... الذي صدر قبل سبعين سنة المؤرخ بتاريخ.....)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد وجدت الدائرة: أن طعن الطاعنين لا ورود له على الحكم الاستئنافي لعدم إستناد الطعن إلى أية حالة من حالات الطعن بالنقض المحددة في المادة (292) مرافعات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مفهوم شاهد المحرر القديم

المقصود بشاهد المحرر القديم:هو الشاهد المذكور اسمه في المحرر القديم كشاهد على التصرف المذكور في المحرر، حيث تحدث في الوقت الحاضر نزاعات في بين الخصوم ، فيقوم الخصوم بالإستدلال بمحرر قديم يفيد البيع أو الشراء أو القسمة أو الهبة أو الوقف أو النذر أو غيرها من التصرفات التي تمت في وقت قديم والتي تم إثباتها في حينه في محررات عرفية قديمة، وتتضمن هذه المحررات البيانات اللازمة للتصرف ومنها أسماء الشهود على التصرف الذي تم في ذلك العصر.

الوجه الثاني: الثبوت (الحيازة) والوجائد

مصطلح الوجائد في اليمن يطلق على مستندات الملكية القديمة المشكوك فيها إذا لم يؤيدها ثبوت حيازة المال المذكور في تلك المستندات، وتكون الوجائد عبارة عن محررات أو مستندات اعقب تحريرها صدور تصرفات من أصحابها إلى الغير الحائزين للأموال المتصرف بها، لأن التصرفات اللاحقة لما ورد في تلك الوجائد هي المعتبرة التي تحل محل الوجائد في إثبات الملكية،فبعد صدور التصرفات اللاحقة لما ورد في الوجائد تصبح الوجائد لا قيمة لها ، لأنها بعد تصرف المالك بما ورد فيها تصير عاطلة ، ولذلك كان يطلق عليها في بعض مناطق اليمن عطائل مفردها عطيلة، لأن المالك المذكور فيها قد تصرف بالمال أو الأموال المذكورة فيها، كما يطلق على ما يدون في ظهر مستند الملكية تعطيل .

 ولذلك فإن الوجائد لا يتم العمل بها وإن كانت صحيحة من حيث صحة ما ورد فيها ، لأنها قد تعطلت بقيام مالكها بالتصرف في الأموال المذكورة فيها الى الغير، فالوجائد عاطلة وإن لم يتم تعطيلها في ظاهرها ، لأنه قد تعقبتها تصرفات ابطلتها، ولذلك لا ياخذ بها القضاء اليمني إذا كانت مجردة من الحيازة، ويجيز القانون للحائر ان يتمسك بالحيازة أو الثبوت في مواجهة المستدل بها .

الوجه الثالث: الثبوت (الحيازة) والمحررات القديمة

أما المحررات القديمة فهي غير الوجائد، فهذه المحررات صحيحة من حيث مضمونها وكاتبها وشهودها ، ولا يجوز التمسك في مواجهة صاحبها بالثبوت (الحيازة)، لأن القانون المدني اليمني في المادة (1118) قد استثنى من الثبوت أو الحيازة أو التقادم حالات : (إذا كانت هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق)، فالمحررات العرفية الصحيحة بحسب المفهوم السابق هي أدلة أو قرائن قوية على صحة ملكية الشخص المذكور فيها حتى ولو لم يكن حائزا للمال.

أما إذا ادعى الحائز أو الثابت أن محررات المالك الاصلي القديمة غير صحيحة من حيث مضمونها أو غير صحيحة بالنسبة إلى كاتبها أو أن كاتبها من المعروفين بالتزوير أو غير عدل فانه يتحتم على الحائز ان يثبت ذلك ، لان الاصل في العقود والتصرفات والمحررات هو الصحة ، وانه يجب على المدعي بخلاف الاصل ان يثبت خلاف الاصل.

الوجه الرابع: عدالة كاتب المحرر القديم وعدم جواز جرح شاهد المحرر القديم

من المعلوم أن قانون الإثبات اليمني قد أخذ بما ذهب إليه الفقه الإسلامي فيما يتعلق بشروط الشاهد والشهادة، ولذلك فإن شروط الشاهد والشهادة في قانون الإثبات اليمني وفي الفقه الإسلامي لا تكاد تختلف، فيما يتعلق بما يجرح به الشاهد سواء في القديم أو الحاضر .

وقد اشار قانون الإثبات اليمني إلى أنه يجوز للقاضي أن يأخذ بالمحرر العرفي إذا كان كاتبه معروفا بالعدالة والأمانة وحُسن السيرة، غير أن النص القانوني ذاته لم يشترط عدالة الشهود عند الإستدلال بالمحررات القديمة، وفي هذا المعنى نصت المادة (106) من قانون الإثبات اليمني على أنه: (إذا كان المحرر العرفي مكتوباً بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب الإشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه ، غير أنه إذا كان كاتب المحرر معروفاً بالعدالة والأمانة وحُسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان قد أقر أمامه أنه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فأنه يجوز الأخذ بما جاء منه في المحرر كشاهد بصحته مع التتميم).

فإذا كان كاتب المحرر قد مات وكان المحرر محل نزاع بين الخصوم من حيث صحته فإن القاضي يلجأ إلى التعرف والتعريف بالخط الوارد في المحرر عن طريق شهود التعريف بالخط أو عن طريق الخبرة الفنية المتوفرة لدى الإدارة العامة للأدلة الجنائية.

 أما الشهود في المحرر القديم فلم يتعرض لهم النص القانوني السابق ذكره ، ولذلك لا تنطبق على شاهد المحرر القديم أحكام تجريح الشهادة طالما أن كاتب المحرر معروف الخط مشهور بالعدالة والأمانة وحُسن السيرة، لأن الأصل في الشهود أنهم عدول، فلا يقبل في الوقت الحاضر من الخصوم الجرح في الشهود في المحرر القديم إلا إذا كان هناك حكم قضائي قد صدر في عصر الشاهد قضى بعدم عدالة الشاهد في ذلك العصر، فأنه يتم العمل في العصر الحاضر بما قضى به ذلك الحكم ، وهذا ما اقره الحكم محل تعليقنا، لأن العبرة بمدى توفر شروط الشهادة هو وقت الادلاء بالشهادة.(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ. د.عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥، ص ٣٤١)، والله أعلم.

جرح شاهد المحرر القديم
في القانون اليمني