تخيير المحكمة الخصوم بتسمية الخبراء العدول

تخيير المحكمة الخصوم بتسمية الخبراء العدول

في بعض القضايا يكون تعيين المحكمة للخبير بمثابة قرار فاصل وليس مجرد إجراء من إجراءات المحاكمة التي تتخذها المحكمة، فيكون فاصلا عندما يكون تعيين الخبير قد تضمن فصلاً في جزء من موضوع الدعوى مثل أن يدعي المدعي أنه شريك فيرد المدعى عليه بإنكار الشراكة ويعجز المدعي عن إثبات دعواه بالشراكة ، فيطلب المدعي تعيين خبير لتدقيق حسابات الشراكة وبيان مركزها المالي المتضمن أرباحها وخسائرها خلال فترة الشراكة وتحديد حصة المدعي من الأرباح، فتعيين المحاسب في هذه الحالة وإن كان إجراء من إجراءات المحاكمة أو إجراء تمهيدي إلا أنه قد تضمن قراراً فاصلاً في موضوع الدعوى وهو قبول الدعوى وإعتبار المدعي شريكاً وتحديد حصته، وبناءً على ذلك يحق للمدعى عليه الطعن في تعيين الخبير، كذلك عندما يكون موضوع دعوى المدعي مطالبة المدعى للمدعى عليه بنسبة عمولة وينكر المدعى عليه أحقية المدعي في هذه المطالبة ويعجز المدعي عن إثبات علاقة التعامل أو إستحقاقه العمولة فتقوم المحكمة بتعيين خبير لمراجعة الحسابات لتحديد مبلغ العمولة ، وهكذا في بقية الحالات المماثلة، فتعيين الخبير في هذه الاحوال يكون قراراً فاصلاً في موضوع الدعوى ، ولذلك يجوز للمدعى عليه أن يطعن في هذا الإجراء بإعتباره قراراً فاصلاً في موضوع الدعوى كلها أو جزء منها، فضلا عن أن تعيين المحامي في هذه الأحوال إفصاح من القاضي عما سيحكم به في حكمه النهائي.

بيد أنه في بعض الحالات يكون تعيين المحكمة للخبير مجرد إجراء لا يتضمن فصلاً في الدعوى مثل أن تكون الشراكة بين المدعي والمدعى عليه ثابتة لا تناكر بشأنها ، ويكون موضوع الخلاف بشأن حصة المدعي في أرباح الشركة فتقوم المحكمة بتعيين خبير لمراجعة حسابات الشركة لتحديد حصة الشريك المدعي من الأرباح، وكذلك الحال في الحالات المماثلة ، فتعيين الخبير في هذه الأحوال يكون مجرد إجراء من إجراءات المحاكمة، وفي هذه الأحوال لايجوز للخصوم الطعن في هذا الإجراء، وعند تعيين المحكمة للخبير في هذه الأحوال يكون التعيين مجرد إجراء من إجراءات المحاكمة لا يستدعي أن تصدره المحكمة على هيئة قرار بوثيقة مستقلة، وإنما يتم النص عليه كبند في محضر الجلسة، فيتم النص على أنه على كل طرف إختيار عدل فإن امتنعا قامت المحكمة بتعيين خبراء عدول من قبلها ، ويتم ذلك في محضر جلسة المحكمة وليس بوثيقة مستقلة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-7-2009م في الطعن رقم (33304)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فاللازم إعادة ملف القضية إلى المحكمة الابتدائية للفصل في موضوع الدعويين الأصلية والفرعية بحكمٍ فاصل في الموضوع ، وعدم التوقف عند تخيير الطرفين لإختيار عدلين من قبل كلٍ منهما ، فإذا لم يختر أي منهما عدلين أو لم يستجيبا لذلك بجلسة تحددها، فعندئذ يجب عليها أن تكلف عدلين من لديها دون إنتظار للطرفين طالما أن ذلك قد اعطى الفرصة لأحد الطرفين لتعطيل إجراء الحساب بينهما ، مع تمكين من تكلفه المحكمة من العدول من قبلها من الإطلاع على كافة مستندات وملفات المقاولات محل النزاع والشراكة بين الطرفين بغرض إجراء الحساب بينهما وتقديم تقرير العدول إلى المحكمة للفصل في الموضوع في ضوء ذلك)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: تعيين الخبير العدل في قانون الإثبات

الإستعانة بأعمال الخبرة منوط بالمحكمة ، فعليها أن تستعين بأعمال الخبرة إذا كانت المسألة المنظورة امامها فنية دقيقة حسبما هو مقرر في المادة (165 ) من قانون الإثبات، وتقوم المحكمة بتعيين الخبراء من تلقاء ذاتها إذا ادركت أن المسألة ذات طابع فني ، كما تقوم المحكمة بتعيين الخبراء بناءً على طلب الخصوم ، حسبما نصت عليه المادة (167) إثبات، وللمحكمة السلطة التقديرية في الأخذ برأي الخبير أو عدم الاخذ به ، حسبما نصت عليه المادة (173) إثبات.

وقد نظم قانون الإثبات اليمني إستعانة القضاة بأعمال الخبرة ، غير أنه القانون لم يشترط أن يتم تعيين الخبير في قرار يصدر من المحكمة.

الوجه الثاني: تعيين الخبير بين القرار والإجراء

في بعض القضايا يكون تعيين الخبير بمثابة قرار فاصل في موضوع النزاع وليس مجرد إجراء من إجراءات المحاكمة التي تتخذها المحكمة، وذلك عندما يكون تعيين الخبير قد تضمن فصلاً في جزء من موضوع الدعوى مثل أن يدعي المدعي أنه شريك فينكر المدعى عليه الشراكة ويعجز المدعي عن إثبات دعواه بالشراكة فتقوم المحكمة بتعيين خبير لتدقيق حسابات الشراكة وبيان مركزها المالي المتضمن أرباحها وخسائرها خلال فترة الشراكة وتحديد حصة المدعي من الأرباح، فتعيين المحاسب في هذه الحالة وإن كان إجراء من إجراءات المحاكمة إلا أنه قد تضمن قراراً فاصلاً في موضوع الدعوى ، وهو قبول الدعوى وإعتبار المدعي شريكاً وتحديد حصته، وبناءً على ذلك يحق للمدعى عليه الطعن في تعيين الخبير في هذه الحالة ، كذلك عندما يكون موضوع دعوى المدعي مطالبة المدعى للمدعى عليه بنسبة عمولة وينكر المدعى عليه أحقية المدعي في هذه المطالبة ويعجز المدعي عن إثبات علاقة التعامل أو إستحقاقه لهذه العمولة ، فتقوم المحكمة بتعيين خبير لمراجعة الحسابات لتحديد مبلغ العمولة وهكذا في بقية الحالات المماثلة، فتعيين الخبير في هذه الاحوال يكون قراراً فاصلاً في موضوع الدعوى ، ولذلك يجوز للمدعى عليه أن يطعن في هذا الإجراء، بإعتباره قراراً فاصلاً في جزء من الدعوى أو كلها.

بيد أنه في بعض الحالات يكون تعيين الخبير مجرد إجراء عندما لا يتضمن هذا الاجراء فصلاً في موضوع الدعوى مثل أن تكون الشراكة ثابتة بين المدعي والمدعى عليه لا تناكر بشأنها ويكون موضوع الخلاف بشأن حصة المدعي في أرباح الشركة ، فتقوم المحكمة بتعيين خبير لمراجعة حسابات الشركة لتحديد حصة الشريك المدعي من الأرباح، وكذلك الحال في الحالات المماثلة ، فتعيين الخبير في هذه الأحوال يكون مجرد إجراء من إجراءات المحاكمة، ولذلك لا يجوز للخصوم الطعن في هذا الإجراء، وقد كانت القضية التي قضى فيها الحكم محل تعليقنا من هذا الصنف. (نظرية الدعوى في أصول المحاكمات المدنية، د. إلياس أبو عيد، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2010م، صـ396).

الوجه الثالث: الطعن في القرارات والإجراءات التمهيدية من أسباب إطالة إجراءات التقاضي: وتوصيتنا في هذا الشأن

لاحظنا في الحكم محل تعليقنا أن محكمة الموضوع قامت بتعيين محاسب لمراجعة حسابات الشراكة ، لأن الشراكة بين الطرفين كانت ثابتة ، فقام المدعى عليه بإستئناف هذا الإجراء ، وبعد صدور الحكم الاستئنافي برفض الإستئناف ، لان تعيين المحاسب من القرارات غير المنهية للخصومة ،غير أن المستأنف قام بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي،فرفضت المحكمة العليا الطعن، وقد سلك المدعى عليه سبيل الطعن في تعيين المحكمة للمحاسب بقصد إطالة إجراءات التقاضي ،ونجح المدعى في ذلك ، حيث تمكن من منع المحكمة الابتدائية من نظر موضوع القضية لأكثر من ثمان سنوات.

ولذلك فأننا نوصي: بتفعيل النص القانوني الذي يمنع الطعن في القرارات والأحكام غير المنهية للخصومة إلا مع الحكم النهائي الفاصل في القضية كلها ، حسبما هو مقررفي المادة (274) مرافعات التي نصت على أنه: (لا يجوز الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها فيما عدا ما يلي: -‌أ- ما تصدره المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو في عدم الاختصاص أو في الإحالة على محكمة أخرى للإرتباط، ، فيجوز الطعن في هذه الأحوال استقلالاً خـلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها ، وعلى محكمة الإستئناف الفصل فيها على وجه الاستعجال. -‌ب- في الأحكام المستعجلة أو القابلة للتنفيذ الجبري ويتم الطعن فيها وفقاً للمواعيد المنصوص عليها في هذا القانون).

ونوصي بأن: يتم تفعيل هذا النص عن طريق توجيه المعنيين في المحكمة بعدم التأشير على عرائض الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة وقيد الطعن فيها وعدم رفعها إلى محكمة الطعن إذا لم تتضمن هذه القرارات فصلا في موضوع النزاع او في جزء منه.

 الوجه الرابع: إذا امتنع الخصم عن إختيار الخبير قامت المحكمة بإختياره

قضى الحكم محل تعليقنا بانه إذا امتنع الخصم عن إختيار الخبير قامت المحكمة بإختياره ، فإذا كانت المسألة فنية دقيقة تحتاج إلى أعمال الخبرة لبيان غموضها وكانت العلاقة بين الخصوم سبب الدعوى ثابتة، فعند إمتناع الخصم عن إختيار الخبير فإن المحكمة تتولى ذلك لقطع الطريق على الخصم الذي يتعمد تعطيل إجراءات المحاكمة عن طريق الإمتناع عن إختياره للخبير الذي يكون من جانبه. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ313)، والله أعلم.