يجب على القاضي قبل التوقيع على نسخة الحكم الأصلية مراجعتها ومطابقتها مع مسوّدة الحكم وأوراق القضية حتى تكون نسخة الحكم الأصلية صحيحة خالية من الاخطاء الكتابية أو الطباعية ، وحتى تكون نسخة الحكم مطابقة للمسوّدة وأوراق القضية، لأن وجود الاخطاء الطباعية أو الكتابية أو الأخطاء المادية في نسخة الحكم وإن كان بالإمكان تصحيحها بعد ذلك وفقاً للقانون، إلا أن هذه الاخطاء توهن الحكم وتدل على عدم العناية بصياغة الحكم ، فضلاً عن أنها تثير الإشكاليات بين الخصوم وتفتح المجال أمام الخصوم للتشكيك بما ورد في الحكم، حسبما أشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-10-2010م في الطعن رقم (41279)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه أنه قد تجاهل دعوى البطلان، وقد وجدت الدائرة في نهاية ص3 من الحكم المطعون فيه عبارة (وقد رد المدعى عليه بدعوى على الدعوى برد) ، وبمطابقة نسخة الحكم الأصلية بمسوّدة الحكم نجد أن العبارة قد وردت في المسوّدة كالآتي: (وقد رد المدعى عليه بدعوى البطلان على الدعوى برد) ويتضح من ذلك أن كلمة (البطلان) قد سقطت سهواً عند طباعة الحكم، ولتقاعس الشعبة عن مراجعة الأحكام عند طباعتها لم تتدارك تصحيح ذلك الخطأ، وفي كل الأحوال فإن العبارة الواردة في نسخة الحكم المطبوعة لا يستدل منها على تقديم الطاعن دعوى البطلان ، مما تكون معه مزاعم الطاعن في هذا الخصوص تحاملاً غير مبرر على الشعبة ليس له أساس)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
 |
نسخة الحكم |
الوجه الأول: المقصود بنسخة الحكم الاصلية ومراحل صياغة الحكم:
نسخة الحكم هي: النسخة الأصلية التي يتم صدورها من المحكمة والتوقيع عليها من قبل القاضي، ومن المعروف أنه يتم إستخراج نسخ أخرى من النسخة الأصلية للحكم بعدد الخصوم أطراف الحكم.
وتتكون نسخة الحكم من مقدمة الحكم المتضمنة غالبية بيانات الحكم ثم عرض وقائع إجراءات المحاكمة ثم عرض أسباب الحكم ثم منطوقه ثم خاتمة الحكم.
ويتم إعداد وصياغة نسخة الحكم بالإعتماد على أوراق القضية التي يشتمل عليها ملف القضية ومنها: محاضر جلسات المحاكمة، ومن خلال دراسة القاضي لأوراق القضية وإحاطته بها يقوم القاضي بصياغة مسوّدة الحكم المشتملة على أسباب الحكم ومنطوقه، وعند صياغة نسخة الحكم الأصلية يتم نقل ما ورد في المسوّدة إلى نسخة الحكم الاصلية وتحديدا الى الحيز الخاص بأسباب الحكم ومنطوقه، وبذلك تكون المسوّدة أسباب الحكم ومنطوقه في نسخته الأصلية.
ولنسخة الحكم الأصلية أهمية بالغة، لأن النسخ الأخرى تأخذ منها، كما ان إجراءات التنفيذ تستند إلى نسخة الحكم الاصلية.
الوجه الثاني: أسباب وجود الأخطاء الطباعية والكتابية في نسخة الحكم الأصلية:
السبب الرئيسي لذلك هو تعدد مراحل ومصادر صياغة نسخة الحكم الأصلية، حيث يتم إعداد المحصل أو وقائع سير إجراءات المحكمة نقلا من محاضر جلسات المحاكمة، ومحاضر الجلسات تتضمن تلخيصا لأقوال الخصوم الشفهية أو تلخيص لمرافعاتهم الكتابية، وعند قيام القاضي بصياغة مسوّدة الحكم المتضمنة أسباب ومنطوق الحكم تتم صياغة المسوّدة من خلال مطالعة القاضي وإحاطته لكل الأوراق التي اشتمل عليها ملف القضية، ومن خلال نقل البيانات من أوراق القضية إلى المحصل تقع اخطاء أخرى وعند تبييض نسخة الحكم أو طباعتها تحدث اخطاء أخرى وهي الأخطاء الطباعية.
الوجه الثالث: الأخطاء الطباعية والكتابية في نسخة الحكم الأصل دليل على عدم العناية بالحكم وبالقضية:
كثرة الأخطاء الطباعية والكتابية في أي مذكرة دليل على عدم إهتمام كاتبها بها وعنايته بها وهذا الأمر يؤدي إلى تسرب الشك في صحة المذكرة وما ورد فيها، وهذا الأمر ينطبق على الحكم إذا وردت فيه أخطاء طباعية أو كتابية، فعند مطالعة الخصم أو غيره للحكم وعثوره على أخطاء طباعية أو كتابية يساوره الشك في صحة الحكم ذاته، فيتساءل إذا الحكم قد اشتمل على الأخطاء الطباعية والكتابية بسبب عدم مراجعة نسخة الحكم فما المانع أن يكون الحكم قد اشتمل على اخطاء أخرى في أسبابه وفي قضائه.
الوجه الرابع: مراجعة نسخة الحكم ومطابقتها للمسوّدة ومحاضر الجلسات هي الوسيلة المثلى لتلافي الأخطاء الطباعية والكتابية:
لتلافي الأخطاء الطباعية والكتابية في نسخة الحكم فأنه يجب أن تتم مراجعة نسخة الحكم ومطابقتها مع مسوّدة الحكم ومحاضر جلسات المحاكمة ، وذلك قبل التوقيع على الحكم، كما ينبغي أن تسند عملية المراجعة لشخص آخر غير الذي قام بصياغة مشروع النسخة الأصلية، لأن الشخص الذي يعد وثيقة الحكم أو غيرها من الوثائق يعتمد عند مراجعته على ما حفظه في ذهنه وليس على ماهو مدون في نسخة الحكم ، ولذلك فان الشخص الذي اعد نسخة الحكم لايدرك الأخطاء الطباعية الحاصلة في الوثيقة، كما ينبغي أن تتم المراجعة لنسخة الحكم أكثر من مرة.
الوجه الخامس: إستغلال الخصوم المكايدين للأخطاء الطباعية والكتابية في الحكم للطعن في الاحكام والإستشكال في تنفيذها:
مع أن قانون المرافعات قد حدد الوسيلة القانونية المناسبة لتصحيح الأخطاء الطباعية والكتابية بإعتبارها من الأخطاء المادية، إلا أن الخصوم المكايدين يتجاهلوا هذه الطريقة القانونية وبدلاً من ذلك يتعمد هؤلاء الطعن الأحكام والتشكيك في سلامة الحكم، وكذلك الحال عند تنفيذ الأحكام يتعمد الخصوم إثارة الأخطاء الطباعية والكتابية في الإستشكالات لعرقلة إجراءات تنفيذ الحكم، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥، ص١١٥)، والله اعلم.