حضور الخصم جلسات التحكيم من غير إتفاق تحكيم

حضور الخصم جلسات التحكيم من غير إتفاق تحكيم

اشترط قانون التحكيم اليمني لصحة التحكيم أن يسبق إجراءات التحكيم إتفاق مكتوب بين الخصوم يتضمن تعيين المحكم أو المحكمين وتحديد موضوع النزاع المطلوب من المحكم الفصل فيه، وبناءً على ذلك إذا حضر الخصم جلسات التحكيم مع غير من ان يقوم بالموافقة على إتفاق التحكيم، فان حضوره لايجعله محتكما ، فلا يكون حكم التحكيم في هذه الحالة حجة عليه، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-6-2010م في الطعن رقم (39980)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالثابت من الأوراق أن الطاعن لم يتم تمثيله في حكم التحكيم، ومن ثم فإن القول بأن الأرض محل الدعوى قد دخلت في القسمة التي تمت بين أطراف التحكيم، كما أن حضور الطاعن بعض جلسات التحكيم كل ذلك ليس مبرراً للحكم على الطاعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: إتفاق التحكيم أساس ولاية المحكم

الأصل وفقاً لأحكام الشرع والدستور والقانون أن القضاء هو صاحب الولاية في الفصل في النزاعات والخصومات بين الأفراد، ولذلك فإن ولاية المحكم بنظر الخصومة التحكيمية ولاية استثنائية تتأسس على الرضاء والإتفاق بين الخصوم المحتكمين على تعيين محكم يقوم بالفصل في الخلاف القائم بينهم ، ولذلك ينبغي لإنعقاد ولاية المحكم أن يتفق الخصوم المحتكمون على تعيين المحكم وتحديد موضوع النزاع في إتفاق مكتوب يتم قبل بدء إجراءات التحكيم ولو بوقتٍ قصير جداً، وفي هذا الشأن نصت المادة (15) من قانون التحكيم اليمني على أنه (لا يجوز الإتفاق على التحكيم إلا بالكتابة سواءً قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك وحتى لو كان طرفا التحكيم قد اقاما الدعوى أمام المحكمة، ويكون الإتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الإتصال الحديثة ذات الطابع التوثيقي)، وفي السياق ذاته نصت المادة (4) تحكيم في نهايتها على أنه (لا يجوز إثبات التحكيم إلا بالكتابة).

ومن خلال ما سبق يظهر أن التحكيم لا ينعقد إلا بالكتابة ولا يثبت إلا كتابة غير انه لا يشترط أن يكون إتفاق التحكيم في وثيقة واحدة ، فيجوز أن يكون في عدة وثائق كالرسائل والخطابات الصادرة من الخصوم، فالمهم أن تتضمن هذه الخطابات أو المذكرات أو الرسائل إفصاح الخصم عن إرادته في تعيين المحكم وتحديد موضوع النزاع الذي سوف يفصل فيه المحكم.

الوجه الثاني: دلالة حضور الخصم إجراءات التحكيم وجلساته

لاشك أن حضور المحكم إجراءات التحكيم وجلسات التحكيم يعد رضاءً فعليا ضمنيا من الخصم بالتحكيم والمحكمين، غير أنه لا مجال للقول بالرضا أو القبول الضمني بالتحكيم في هذه الحالة ، لأن قانون التحكيم قد أوجب صراحة في المادتين (4 و 15) أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً وصرح أنه لا يجوز إثبات إتفاق التحكيم إلا عن طريق الكتابة حسبما سبق بيانه.

وبناءً على ما تقدم فإن حضور الخصم جلسات التحكيم أو إجراءات التحكيم من غير أن يصرح كتابة بتعيين المحكم وتحديد موضوع النزاع لايعد قبولا بالتحكيم ولاينطبق عليه الوصف القانوني للخصم المحتكم ، فمجرد حضور الخصم في هذه الحالة لا يدل على انه قد صدر منه إتفاق التحكيم .

بيد أنه إذا قام الخصم بمطالبة المحكم أو لجنة التحكيم بالفصل في النزاع وحدد في طلبه اسماء المحكمين وموضوع النزاع فأن هذا يعد إتفاق تحكيم سواءً قدم الخصم طلبه كتابة بوثيقة مستقلة قبل الجلسة أو تم إثباته طلبه في محضر جلسة التحكيم، وقام الخصم بالتوقيع على المحضر المثبت فيه طلب الخصم. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الاول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٢م، ص٣٠١).

الوجه الثالث: مجرد حضور الخصم جلسات التحكيم أو إجراءاته لا يمنح المحكم ولاية نظر النزاع

سبق القول: أن قانون التحكيم قد حدد طريقة منح المحكم أو المحكمين ولاية نظر النزاع وهو إتفاق التحكيم المكتوب الذي يتضمن تحديد اسم المحكم وتحديد موضوع الخلاف، ويترتب على مخالفة هذا الأمر بطلان حكم التحكيم ، ولذلك فقد نصت المادة (53) تحكيم على أن الحالة الأولى من حالات بطلان حكم التحكيم هي: (-أ- إذا لم يوجد إتفاق تحكيم أو انتهت مدته أو كان باطلاً وفقاً للقانون) ، فلا يجدي حضور الخصم جلسات التحكيم أو إجراءاته طالما أنه ليس هناك إتفاق تحكيم صدر منه.

الوجه الرابع: إمكانية تضمين إتفاق التحكيم في مذكرة الدعوى أو الإجابة المقدمة أمام المحكم

ذكرنا فيما سبق أن المادة (15) تحكيم قد اشترطت أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً متضمناً اسم المحكم وتحديد موضوع النزاع، بيد أن النص المشار إليه لم يشترط شكلاً معيناً لإتفاق التحكيم ، فقد اجاز ذلك النص أن يكون إتفاق التحكيم في مذكرات منفصلة يقدمها الخصوم في مذكرات منفردة وفي أوقات مختلفة ، فلم يشترط النص المشار إليه أن يتم الإتفاق في مجلس واحد أو في وثيقة واحدة.

وعلى هذا الأساس فأنه يجوز للخصم أن يصرح بقبوله للتحكيم كتابة في العريضة المقدمة منه الى المحكم المتضمنة الدعوى أو الإجابة المقدمة منه أمام المحكم شريطة أن تتضمن موافقة الخصم الكتابية على تحديد اسم المحكم وموضوع النزاع. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، صـ271)، والله اعلم.