الحكم جهد بشري يعتريه الخطأ والنقص والقصور ، فالكمال لله وحده سبحانه تعالى، ولكن الأخطاء التي تشوب الحكم تكون على ضربين: الأول: مؤثرة في النتيجة التي توصل إليها الحكم وهي منطوق الحكم، فهذا الخطأ يؤدي إلى بطلان الحكم، والضرب الثاني من الأخطاء التي تقع في الحكم: أخطاء غير مؤثرة في النتيجة التي توصل إليها، فهذه الأخطاء لاتؤدي إلى بطلان الحكم ، فمع وجود هذه الاخطاء فان الحكم يكون صحيحاً ،مع مراعاة انه من الواجب على القاضي ان يبذل العناية الفائقة في صياغة ومراجعة الحكم وتنقيحه قبل توقيع حتى يكون الحكم عنوانا للحقيقة خاليا من الأخطاء المؤثرة وغير المؤثرة في النتيجة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-7-2010م في الطعن رقم (40120)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ومن ثم يظهر أن الخطأ الذي اثاره الطاعن وهو كشفه عن خطأ الشعبة في تحصيل الوقائع ، إلا إن الشعبة لم ترتب على ذلك الخطأ أي أثر يغير في النتيجة التي انتهى إليها الحكم الابتدائي، ، ومن ثم فإن ما نعاه الطاعن غير منتج، إلا أنه في الوقت ذاته يثبت الخطأ من جانب الشعبة الذي يعيب حكمها فيكون الطعن بهذا القدر مقبولاً، إذ كان على الشعبة أن تراعي إتساق حيثيات حكمها مع الوقائع)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
 |
خطأ الحكم |
الوجه الأول: المفهوم العام للخطأ في الحكم:
الخطأ في اللغة: هو العدول عن جهة الصواب، فيقال: أخطأ يخطئُ: إذ سلك سبيل الخطأ سهوًا أو من غير قصد ، والخطأ في المفهوم القانوني: قد يقع نتيجة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيق القانون أو إتخاذ إجراءات مخالفة للقانون أو أوراق القضية، بل أن الإغفال والتجاهل للأدلة أو الإجراءات يكون خطًأ.
بالإضافة إلى الأخطاء التي تقع بالمخالفة للقانون أو في تطبيقه أو تأويله ، فهناك الأخطاء المادية وهي: الأخطاء الطباعية والأخطاء الكتابية في كتابة الأرقام والكلمات والجمل الواردة في الحكم.
وقد تكون الأخطاء الواردة في الحكم جوهرية أو مؤثرة تتسبب في بطلان الحكم كله أو تعديله، كما أن هناك أخطاء غير جوهرية لا تؤدي إلى إلغاء الحكم أو نقضه وهي: الأخطاء غير المؤثرة.
الوجه الثاني: الخطأ المؤثر في الحكم:
هو أي خطأ يقع في الحكم يكون من شأنه أن يؤدي إلى تغيير جوهري في النتيجة التي توصل إليها الحكم سواءً كان هذا الخطأ في تطبيق القانون أو في فهم الوقائع أو في تقدير الأدلة، فالخطأ المؤثر هو الذي يمس جوهر الحكم ويؤثر في النتيجة التي توصلت إليها الحكم.
وتتكون الأخطاء المؤثرة في الحكم من عدة أنواع منها:
1- الخطأ في تطبيق القانون: ويقع هذا الخطأ عندما يطبق القاضي النص القانوني على حالة لا ينطبق عليها النص القانوني أو يفسر النص القانوني بشكل مخالف لمعناه الصحيح ، مما يؤدي إلى حكم غير صحيح.
2- الخطأ عند مخالفة الحكم للقانون: ويقع عندما يقوم القاضي أو المحكم بمخالفة النص القانوني في اجراءات المحاكمة أو في تسبيب الحكم أو منطوقه.
3- الخطا عند إغفال الحكم وتجاهله اوجه الدفاع التي اوجب القانون التعرض لها ومناقشتها في الحكم.
4- الخطأ في فهم الوقائع: ويقع عندما يخطئ القاضي في فهم وقائع القضية مما يؤثر على إستنتاجاته القانونية في الحكم.
5- الخطأ في تقدير الأدلة: ويقع عندما يخطئ القاضي في تقدير قيمة الأدلة المقدمة في القضية، ويستند إلى أدلة غير صحيحة أو يغفل أدلة مهمة.
6- الخطأ الجوهري في الإجراءات: ويقع عندما يقع من القاضي خطأ جوهري في الإجراءات القضائية مثل عدم السماح لأحد الخصوم بإبداء أوجه دفاعه أو عدم إستدعاء شهود استشهد بهم الخصم، مما يؤثر في نتيجة الحكم.
7- الخطأ في الأسباب: ويقع عندما تكون أسباب الحكم غير كافية لإقامة الحكم أو غير واضحة أو متناقضة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص141).
الوجه الثالث: الخطأ غير المؤثر في الحكم:
الأخطاء غير المؤثرة في الحكم: هي الأخطاء التي لايترتب على وقوعها في الحكم التأثير على النتيجة التي توصل إليها الحكم، فسواء كان الخطأ موجوداً أم غير موجود فأنه لا يؤثر في النتيجة التي توصل إليها الحكم،
والأخطاء غير المؤثرة كثيرة جداً منها:
1- الأخطاء المادية في الحكم: وهي أخطاء القلم كالأخطاء الطباعية والخطا في كتابة بعض الكلمات أو الارقام أو التواريخ ، فهذه الأخطاء غير مقصودة مثل الخطأ في اسم الخصم والخطأ في رقم المادة القانونية أو الخطأ في تاريخ الواقعة أو التصرف أو الأخطاء الحسابية والكتابية، وهذه الأخطاء حدد قانون المرافعات طريقة وكيفية تصحيحها،
2- إغفال الحكم لواقعة أو دليل غير جوهري: فإذا كانت الواقعة أو الدليل أو الإجراء غير جوهري وأغفلته المحكمة فأنه غير مؤثر في النتيجة، فحتى لو لم يغفله الحكم وتمت مناقشته في الحكم فأنه لن يكون مؤثراً.
3- الأخطاء غير الجوهرية: مثل الخطأ في صياغة أسباب الحكم أو الخطأ في ترتيب اسباب الحكم ، والخطأ في فهم واقعة لم يبن عليها الحكم.
4- الخطأ في تقدير دليل زائد أو لم يبن عليه الحكم أو الخطأ في الأسباب الزائدة للحكم وهي الأسباب التي يقوم الحكم من غيرها.
الوجه الرابع: معنى تغيير نتيجة الحكم للخطأ:
ذكرنا في الأوجه السابقة الأخطاء المؤثرة في نتيجة الحكم، وكذا الأخطاء غير المؤثرة في نتيجة الحكم، ولم يبق إلا بيان المقصود بتغيير نتيجة الحكم.
فتغيير نتيجة الحكم يعني: تعديل أو إلغاء النتيجة التي توصل إليها الحكم، ومن المعروف أن نتيجة الحكم هي منطوق الحكم، لأن المنطوق هو النتيجة التي تؤدي إليها أسباب الحكم ، فاسباب الحكم هي مقدمات منطقية لنتيجة وهي منطوق الحكم.
وبحسب هذا المفهوم فإن المقصود بالأخطاء المؤثرة في النتيجة هي الأخطاء التي يترتب عليها تغيير منطوق الحكم كلياً أو جزئياً، فإذا افترضنا أن الأخطاء في الحكم لم تقع وكان الحكم خاليا منها فإن منطوق الحكم لن يتغير في هذه الحالة، وتبعا لذلك فان وجود هذه الاخطاء في الحكم وعدمها سواء. (تسبيب الأحكام القضائية بين النص القانوني والإجتهاد القضائي، د. عبد الستار ناهي عبد عون، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع بيروت 2024م، ص89) .
الوجه الخامس: مضار وجود الأخطاء غير المؤثرة في الحكم : وتوصيتنا:
ذكرنا في الأوجه السابقة مفهوم الأخطاء غير المؤثرة في الحكم وذكرنا انها لاتؤدي إلى بطلان الحكم، وذكرنا انواعها ومن بينها الأخطاء المادية التي تلقي على القضاء والخصوم اعباء إضافية في قرارات تصحيح الأخطاء المادية وإستئناف قرارات التصحيح في بعض الحالات ، وفي حالات كثيرة يتساهل البعض في صياغة الحكم ومراجعته لتنقيحه وتصحيحه من الاخطاء غير المؤثرة بذريعة انها غير مؤثرة في قضاء الحكم.
وكثرة الاخطاء غير المؤثرة وأن كانت غير مؤثرة في قضاء الحكم إلا تؤثر في مكانة الحكم القضائي وإعتباره عنوانا للحقيقة ، ولذلك فأننا نوصي الجهة المختصة بتوجيه تعميم بضرورة بذل العناية القصوى في مراجعة الحكم وتنقيحه قبل التوقيع عليه للحد من الاخطاء المؤثرة وغير المؤثرة ،(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص١٤٣). والله أعلم.