حدود الإقرار

تختلف حدود الإقرار بإختلاف أنواع الإقرار ، فهناك الإقرار الجزئي والإقرار الكلي والإقرار الصريح والإقرار الضمني والإقرار البسيط والإقرار الموصوف والإقرار المركب والإقرار المفسر والإقرار المجمل والإقرار المستوفي والإقرار المقصر ، والإقرار العام والإقرار الخاص، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-3-2010م في الطعن رقم (37051)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن ما ذكره الطاعن واستندت إليه محكمة أول درجة، هو قول الطاعن: أنا لا أنكر أنه اعطاني كمية من البضاعة ولكن ذلك كان من ضمن الحساب بيني وبينه، فهذا الإقرار لا يعني أن الطاعن قد أقر بقيمة البضاعة كما حسبها المطعون ضده لاحقا وادعى بها المطعون ضده، فالدائرة: تجد أن هذا الإقرار يدل على إستلام الطاعن لكمية البضاعة ولكن هذا الإقرار لا يدل على مبلغ قيمة البضاعة التي استلمها الطاعن، ولذلك يتعين نقض الحكم وإعادة القضية لتوجيه اليمين من المحكمة إلى المدعي المطعون ضده بشأن قيمة البضاعة التي أدعى بها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية الإقرار

الإقرار: هو إخبار شخص بواقعة معينة تفيد ثبوت الحق عليه، والإقرار من أهم أدلة الإثبات في القانون اليمني، إذ أن الإقرار يعفي الطرف الآخر من إثبات صحة الواقعة، ويشترط في المقر أن يكون عاقلاً بالغاً غير محجور عليه، ويجب أن يكون الاقرار جازماً لا تردد فيه ولا شك.

الوجه الثاني: الواقعة محل الإقرار

مفهوم الواقعة التي يتناولها الإقرار مفهوم واسع : فقد تكون الواقعة تصرفا معينا كهبة أو بيع أو وكالة أو إجارة...إلخ، كما قد تكون الواقعة محل الإقرار فعلا من الأفعال كقتل أو ضرب أو سب أو حضور أو غياب أو دخول أو خروج، بل أن مفهوم الواقعة محل الإقرار قد يكون إمتناعاً عن فعل أو تصرف كالإمتناع عن العمل الواجب أو الامتناع عن إستلام شئ ، كما يشمل مفهوم الواقعة محل الإقرار يشمل الإقرار بما في نفس المقر كالإقرار بالرضاء بالفعل أو التصرف أو الإقرار على قصد المقر من إتيانه الفعل.

والاقرار حتى يكون دليلا كاملا فانه يجب على المقر أن يشمل في إقراره الواقعة أو الوقائع المدعى بها كاملة ، فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بعدم كفاية اقرار الطاعن بإستلامه للبضاعة على موافقته على قيمة البضاعة كما حددها المطعون ضده في دعواه، فالاقرار بإستلام البضاعة في هذه الحالة لايكون دليلا على قيمة البضاعة، لان ثمن البضاعة واقعة أخرى لم يتناولها إقرار الطاعن.

الوجه الثالث: الإقرار الكلي والإقرار الجزئي

ينقسم الإقرار بالنظر إلى شموله إلى: إقرار كلي وإقرار جزئي، فالإقرار الكلي: هو ما شمل جميع الإدعاء، والإقرار الجزئي: هو ما اقتصر على البعض من الإدعاء، فلو أدعى شخص على آخر بمليون ريالا، فأقر المدعى عليه بهذا المبلغ فإن هذا الإقرار قد شمل جميع الإدعاء ، فهذا الإقرار كلي.

 أما إذا اجاب المدعى عليه على دعوى المدعي بأنه ليس للمدعي بذمته إلا خمسمائة الف ريالا فيكون إقرار المدعى عليه في هذه الحالة جزئياً، ولا يكون الإقرار بالجزء إقراراً بالكل إلا إذا كان هناك عرف أو قرينة تجعل الإقرار بالجزء إقرار بالكل.

الوجه الرابع: الإقرار الصريح والإقرار الضمني

الإقرار الصريح أو الاقرار المباشر: هو الذي ينصب بصورة واضحة صريحة على الحق موضوع الدعوى بلفظ يدل على ثبوت الحق المقر به للمدعي.

أما الإقرار الضمني أو غير المباشر: فهو ما يفهم الإقرار منه دلالة وإستنتاجاً بلفظ غير صريح وفي موضوع لم يكن له إلا أنه يدل عليه ويستلزمه ، فلو أدعى شخص على آخر بانه اقرضه مبلغا من المال فأقر المدعى عليه بذلك فإقراره هذا صريح مباشر، أما لو أدعى شخص على آخر بانه اقرضه مبلغا من المال فطلب المدعى عليه الصلح مع المدعي أو الإبراء، وكذا لو ادعى المدعي بانه اعار المدعى عليه سيارة أو دراحة ، فاجاب المدعى عليه بانه قد اشترى المال المدعى به وان المدعى به لم يكن عارية أو إجارة ، ففي هذه الحالة يكون ما صدر من المدعى عليه إقراراً ضمنياً بوجود المال المدعى به لديه، فيكون الإقرار في الحالتين حجة على المقر المدعى عليه، ويلزمه أن أراد التحلل من الإلتزام أن يثبت أن المال المدعى به كان بيها او هبة .

الوجه الخامس: الإقرار البسيط والإقرار الموصوف والإقرار المركب

الإقرار البسيط: هو إقرار المدعى عليه بما يدعيه المدعي دون تعديل أو إضافة : مثل أن يدعي المدعي أنه أقرض المدعى عليه مبلغاً معيناً لمدة معينة فيقر المدعى عليه بذلك من غير تعديل أو إضافة وصف.

 أما الإقرار الموصوف: فهو الإقرار بالحق المدعى به موضوع الدعوى مع إضافة وصف متصل بالاقرار إتصالاً كلياً أو جزئياً ، كما لو أدعى شخص على آخر بانه اقرضه مبلغا من المال على أن يسدده في مدة معينة ، فأقر المدعى عليه بالدين وأن مدة سداد الدين عندما يتيسر للمدعى عليه قضاء الدين، أو كما لو أقر المدعى عليه بوصول المال إلى يده ولكن على سبيل الهبة، ففي حالة الإقرار الموصوف تعتبر الواقعة الأصلية ثابتة بالإقرار، وعلى المدعى عليه المقر أن يثبت الوصف الذي يدعيه.

اما الإقرار المركب فهو: إعتراف المدعى عليه بالواقعة المدعى بها مع إضافة واقعة اخرى مرتبطة بها ، غير ان الواقعة الاضافية لاتؤثر على وجود الواقعة الأصلية ، مثل ان يدعي المدعي أنه اقرض المدعى عليه مبلغا من المال فيرد المدعى عليه، بان ذلك صحيح غير انه أي المدعى عليه قد قام بسداد ذلك القرض ، فواقعة سداد الدين لاتوثر على وجود الواقعة الاولى مع انها مرتبطة بها، بيد انه يجب على المدعى عليه ان يثبت الواقعة الثانية وهي سداده للمبلغ ، والاقرار المركب لايتجزا ، اذ لايجوز للقاضي أن ياخذ بالجزء الذي يدين المقر ورفض الجزء الذي يبرئه . (حجية الإقرار في الأحكام القضائية، د. مجيد حميد السماكية 1970م بغداد، ص131).

الوجه السادس: الإقرار المفسر والإقرار المجمل

الإقرار المفسر يكون على نوعين؛ النوع الأول: الاقرار المستوفي، والنوع الثاني: الإقرار المقصر، فالإقرار المستوفي: هو أن يقول المدعى عليه : في ذمتي للمدعي مليون ريالاً يمنياً ورقياً ، فهذا الإقرار مفهوم الجنس والقدر والصفة ، فلا يحتاج إلى سؤال عنه ، ويحكم القاضي به على المدعى عليه، أما الإقرار المقصر: فهو أن يقول المدعى عليه: في ذمتي للمدعي مليون ريالاً ، فيكون الإقرار مفهوم الجنس والقدر مجهول الصفة، هل الريال المقصود الريال اليمني أم الريال السعودي ، ويحكم القاضي بعد تفسير صفة الريال ، فإن كان الدائن والمدين يمنيين ونشأ الدين في اليمن فإن صفة الريال هي الريال اليمني وإن كان الدين نشأ في السعودية فصفة الريال هي الريال السعودي.

أما الإقرار المجمل: فهو أيضاً على نوعين: الأول: إقرار خاص، والثاني: إقرار عام، فالإقرار المجمل الخاص: أن يقول المدعى عليه: بذمتي للمدعي مال ،فهذا الإقرار خاص لإختصاصه بالمال دون غيره، ولكن هذا الإقرار مجمل ، لأن المقر لم يبين في إقراره جنس المال هل هو نقود أم أعيان، والنوع الثاني من الاقرار المجمل : وهو الإقرار المجمل العام مثل أن يقول المدعى عليه: بذمتي للمدعي شيء، فلفظ شئ مجمل ، لأن الشيء يطلق على الموجودات كلها، ولذلك يلزم القاضي أن يسأل المقر لتفسير إقراره المجمل، وفي ضوء ذلك يحكم القاضي، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص318)، والله اعلم.

حدود الإقرار
الإقرار في القانون اليمني