![]() |
في القانون اليمني |
الشخص الإعتباري: شخصية قانونية إفتراضية كالشركة أو المؤسسة أو المحل التجاري أو المصلحة أو الوزارة أو الجامعة....إلخ، ولكل شخص إعتباري ممثل قانوني يتولى تمثيله في إبرام العقود والتصرفات وتمثيله أمام كافة الجهات والشخصيات، ويحدث في الواقع العملي في قضايا كثيرة أن يطلب بعض الأشخاص من الشخص الإعتباري أو المعنوي أن يحلف اليمين .
ومن المعلوم أن اليمين تتعلق بواقعة أو تصرف أو قول أو إمتناع يعلم به الشخص المطلوب منه حلف اليمين، وبناءً على ذلك لا يجوز توجيه اليمين إلى الشخص إلا إذا تعلقت بشخصه الواقعة أو التصرف المطلوب حلف اليمين عليه او كان الشخص يعلم يقيناً بالواقعة المطلوب منه أن يحلف اليمين عليها، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-4-2010م في الطعن رقم (39841)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ونعي الطاعن مردود ، لأن الحكم الاستئنافي في قوله أنه تبين للشعبة أن الملتزم بالمبلغ المحكوم به هو المستأنف لم يؤسس فقط على الشهادات وإنما تأسس أيضاً على ما سبق للحكم أن بينه في أسبابه من مستندات موقع عليها من الطاعن بالإضافة إلى اليمين التي مضى فيها ممثل المطعون ضده بناءً على طلب من الطاعن نفسه ، والثابتة في محضر جلسة تاريخ....)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الخلاف الفقهي بشان جواز توجيه اليمين إلى الشخص الإعتباري
هذه المسألة من المسائل الخلافية ، فقد اختلف بشانها الفقه القانوني على قولين:
القول الأول: يذهب إلى عدم جواز توجيه اليمين إلى الشخص الإعتباري أو المعنوي ، لأن توجيه اليمين إلى الخصم يعني إحتكام الخصم إلى دين وضمير الخصم المطلوب منه حلف اليمين، وهذا الأمر غير متحقق في الشخص الإعتباري ، لأنه شخصية إفتراضية وليست حقيقية، كما ان الشخص الاعتباري ليس له ديانه معينة او نفس داخلية أو ضمير داخلي ، كما أن الممثل القانوني للشخص الاعتباري كرئيس مجلس الادارة أو المدير العام نائب عن الشخص الاعتباري يدير الشخص الاعتباري والمدير لايجوز له أن يتصرف باي من التصرفات المضرة بالشخص الاعتباري ضررا محضا مثل الصلح أو التنازل أو الابراء أو طلب اليمين أو ردها، فضلا عن ان الوكالة في اليمين غير جائزة ، بمعنى انه لايجوز للشخص الذي طلبت منه اليمين ان يوكل غيره في حلف اليمين ، ومقتضى ذلك انه لا يجوز للممثل القانوني أن يحلف اليمين نيابة أو وكالة عن الشخص الإعتباري ،لأن الوكيل لا يجوز له أن يحلف نيابة عمن قام بتوكيله بحلف اليمين، إضافة إلى أن الشخص الإعتباري لا دين له أو ضمير يتم الإحتكام إليه، فاذا كانت هناك افعال أو تصرفات أو وقائع تحتاج إلى اثباتها أو نفيها عن طريق اليمين فانه يتم توجيه اليمين إلى الاشخاص التابعين للشخص الاعتباري الذين وقفوا على تلك الافعال والتصرفات، اذ يتم توجيه اليمين الى هولاء بصفتهم الشخصية وليس بصفتهم ممثلين للشخص الاعتباري، ونحن نميل إلى إختيار هذا القول.
القول الثاني: يذهب إلى جواز توجيه اليمين إلى الممثل القانوني للشخص الإعتباري، لان هذا الشخص له شخصية إعتبارية وذمة مالية ويباشر التصرفات وتقع منه الوقائع والافعال مثله في ذلك مثل الشخص الطبيعي ، إضافة إلى ان اليمين وسيلة من اهم وسائل الاثبات المقررة في الشرع والقانون ، ولافرق بشانها بين الشخص الطبيعي والشخص الإعتباري، ولذلك يجوز طلب اليمين أو توجيهها الى الشخص الاعتباري وعندئذ يقوم الممثل القانوني بحلف اليمين نيابة عن الشخص الاعتباري.(توجيه اليمين للشخص المعنوي، د. نبيل مهدي زوين، مجلة العلوم الإنسانية – كلية صفي الدين الحلي، العدد الأول المجلد الأول ، كلية القانون الكوفة العراق 2009م، صـ138).
الوجه الثاني: اليمين تكون على واقعة معينة يعلم بها الشخص المطلوب منه حلف اليمين
نصت المادة (129) من قانون الإثبات اليمني على أن: (اليمين حلف لإثبات الواقعة المتنازع عليها أو نفيها تؤدى من الخصم الذي وجهت إليه بالصيغة التي تقرها المحكمة).
ومن خلال إستقراء النص السابق يظهر أن اليمين يجب أن تكون متعلقة بواقعة معينة كتصرف معين كبيع اوهبة أو توقيع على محرر أو واقعة ضرب أو سرقة أو سب، سواءً كان هدف طالب اليمين (المستحلف) إثبات الواقعة المدعى بها أو نفي وقوعها، ومقتضى ذلك أن يكون الشخص الذي توجه اليه اليمين حاضراً أثناء وقوع الواقعة أو عالماً بها. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، صـ375).
الوجه الثالث: تعلق الواقعة المراد الحلف عليها بشخص الحالف أي الشخص المطلوب منه أن يحلف اليمين
في هذا الشأن نصت المادة (128) إثبات على أنه: (يجب أن تكون الواقعة المراد الحلف عليها متعلقة بشخص الحالف وإلا انصبت على مجرد علمه بها....)، ومعنى ذلك أنه لا يصح توجيه اليمين إلا إلى الشخص الذي تعلقت به الواقعة كأن يكون هو المتصرف أو المتصرف اليه كالبائع والمشتري أو المتنازل أو يكون هو الذي صدر منه الفعل أو وقع الفعل عليه...إلخ، أو كان الشخص عالماً بالواقعة المطلوب منه ان يحلف عليها وتكون يمينه على العلم فقط، وبناءً على ذلك فأن توجيه اليمين إلى ممثل الشخص الإعتباري لا يكون إلا في هذه الحدود.
الوجه الرابع: الغرض من توجيه اليمين إلى الشخص الإعتباري
من خلال المطالعة لأحكام كثيرة يظهر أن غرض بعض الخصوم من توجيه اليمين إلى الشخص الإعتباري هو نكول الممثل القانوني للشخص الإعتباري عن حلف اليمين، لأن الواقعة المطلوب حلف اليمين على وقوعها أو نفي وقوعها غير متعلقة بالممثل القانوني شخصياً أو لا يعلم بها، وإذا تعلقت بشخصه بإعتباره يمثل الشخص الإعتباري أو كان عالماً بها فأنه في الغالب يرفض حلف اليمين خشية الإضرار بالشخص الإعتباري الذي يمثله، وبناءً على ذلك فإن إمتناع الممثل القانوني للشخص الإعتباري عن أداء اليمين في هذه الحالة يعد نكولاً عن اليمين فيحكم القاضي لطالب اليمين، وهذا هو الغرض الحقيقي لطالب اليمين من الشخص الاعتباري ، والله أعلم.