من أهم الإشكاليات الواقعية في اليمن أن بعض القرارات التنفيذية التي يصدرها بعض قضاة التنفيذ تأتي مخالفة للحكم سند التنفيذ الذي فصل في اصل النزاع او موضوعه، وهذه المشكلة يترتب عليها اطالة اجراءات التنفيذ للاحكام وتعقيدها مع ان تنفيذ الاحكام هو ثمرة التقاضي العادل الذي يعطي كل ذي حق حقه ، وقد صدرت من ... المحكمة العليا في اليمن احكام كثيرة حاولت معالجة هذه المسألة ومنها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2007/3/20م في الطعن المدني رقم (27461) لسنة 1427هـ وخلاصة أسباب هذا الحكم : أن ما اثاره الطاعن في طعنه بالنقض بشأن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وذلك لمساسه حجية الحكم سند التنفيذ ، فمن خلال قيام الدائرة بدراسة اوراق ملف القضية فقد وجدت الدائرة ان اساس المنازعة ان الطاعن بالنقض قام بحفر حفرة في السايلة حتى يتجمع فيها الماء ثم يقوم بشفطه الى مزرعته وتقع هذه الحفرة مقابل غيل ماء جاري ينتفع به المطعون ضده بالنقض وكان هناك حكم قد صدر في خلاف سابق بين الطرفين بشأن هذه المسألة فقام المطعون ضده بالنقض حينذاك بتقديم طلب تنفيذ الحكم الموضوعي الذي فصل في النزاع وفي مواجهة ذلك قام المنفذ ضده بتقديم استشكال مفاده ان الحكم الموضوعي لم يتناول الحفرة التي احدثها في السايلة لانها تبعد عن عين الغيل بمسافة مختلفة عن المسافة المحددة في الحكم سند التنفيذ الذي منعه من الحفر في السائلة وقد قضت محكمة التنفيذ محكمة أول درجة بقبول الاستشكال ورفض طلب التنفيذ وقد جاء في حيثيات ذلك القرار انه : تبين ان الحكم سند التنفيذ سكت عن الحفرة المحدثة محل النزاع فلم يفصل فيها بنفي أو إثبات وانما قضى في منطوقه بأنه يجب على المطلوب التنفيذ ضده عدم احداث حفرة للماء تكون داخلة في حمى الغيل الذي ينتفع به طالب التنفيذ ، وحيث ان الثابت من الحكم سند التنفيذ ان الحفرة المحدثة تبعد عن الغيل المشار اليه مائة متر فان الحفرة تكون خارجة عن الحمى المقرر للغيل وهي مائة وخمسة وعشرين ذراعاً وقد قام طالب التنفيذ حينها باستئناف القرار التنفيذي السابق ذكره فقضت محكمة الاستئناف بالغاء القرار التنفيذي وقنوع المستأنف ضده عن معارضة المستأنف وشركائه في الغيل المتنازع عليه وقد جاء في حيثيات الحكم الاستئنافي ان الحكم الابتدائي سند التنفيذ يتناقض في حيثياته ومنطوقه لان الحفرة وعين الغيل يخالف احدهما الآخر فأصل الخلاف هو شط ماء الغيل المتنازع عليه وهو ماء جاري وهو المجاور والقريب من اموال المستأنف ومن اليه فليس النزاع فيما سماه الحكم الابتدائي سند التنفيذ الحفرة وبالتالي فان احداث الحفرة او بئر في مجرى الغيل لغرض تجمع ماء الغيل وشفطه الى اموال بعيدة ومرتفعة عن السائلة لا يجوز مطلقا .... الخ ، والدائرة تجد انه من البين ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه لم يقتصر في نظره على القرار التنفيذي الذي تم استئنافه وبيان مدى موافقته للحكم سند التنفيذ من عدمه حيث ان الحكم الاستئنافي قد تجاوز ذلك الى المساس بالحكم الابتدائي سند التنفيذ بما استظهره الحكم الاستئنافي من عيوب في الحكم سند التنفيذ وما انتهى اليه الحكم الاستئنافي في منطوقه مع ان طالب التنفيذ المستأنف تقدم امام المحكمة الابتدائية بطلب تنفيذ الحكم سند التنفيذ وذلك يجعل الحكم الاستئنافي المطعون فيه مخالفا للقانون يترتب عليه البطلان مما يستوجب قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
![]() |
مخالفة القرار التنفيذي للسند التنفيذي في القانون اليمني |
الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا في عدم جواز مخالفة القرار التنفيذي للسند التنفيذي
من المبادئ القانونية المستقرة انه عند تنفيذ الاحكام والنظر في منازعات التنفيذ لا يجوز المساس بأصل الحق المحكوم فيه بموجب الحكم سند التنفيذ وبمعنى آخر لا يجوز للقرار او المنازعة التنفيذية ان تمس او تتعارض مع السند التنقيذي حيث المادة (498) مرافعات على أن جميع المنازعات المتعلقة بأصل الحق المحكوم فيه أو بحجية السند التنفيذي لا تعتبر من منازعات التنفيذ التي يختص بالفصل فيها قاض التنفيذ فهذا النص صريح في عدم جواز النظر من قبل قاض التنفيذ لأي منازعة تتعلق اوتمس بأصل الحق المحكوم فيه أو بصحة السند التنفيذي ، وعند تطبيق هذا المفهوم على الحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم الاستئنافي الذي نقضه الحكم محل تعليقنا قد تعرض لأصل الشيء المحكوم فيه وهو الحفرة الواقعة في مجرى سيل الغيل وهذه المسألة كان قد سبق الفصل فيها في الحكم سند التنفيذ ، كما ان الحكم الاستئنافي المنقوض قد تعرض لتصحيحالحكم الابتدائي سند التنفيذ عندما ورد في حيثيات الحكم الاستئنافي المشار اليه ان الحكم سند التنفيذ متناقض، وعلى هذا الأساس فإن نقض الحكم محل تعليقنا للحكم الاستئنافي سديد يوافق النص القانوني السابق ذكره فايس من اختصاص محكمة الاستئناف في هذه الحالة تصحيح الحكم سند التنفيذ ولوكان معيبا او متناقضا.
الوجه الثاني: الفرق بين المنازعة الموضوعية والمنازعة التنفيذية
عند التأمل في الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي في المنازعة التنفيذية اللذين أشار اليهما الحكم محل تعليقنا نجد انهما قد تعرضا لأصل الشيء المحكوم به ، وهذا دليل على ان هناك التباس في الواقع العملي في اليمن بشأن المنازعة الموضوعية والمنازعة التنفيذية، فالمنازعة الموضوعية هي دعوى مبتدأة ترفع لدى قاضي الموضوع يطلب فيها الخصم الفصل في الشيء محل النزاع بحكم حاسم للنزاع يتضمن تحديد الشيء المحكوم فيه والخصم المحكوم عليه اما المنازعة التنفيذية : فهي لا تتعرض الموضوع النزاع الذي سبق لمحكمة الموضوع الفصل فيه ولاتتم اثارة المنازعة التنفيذية الا في مواجهة اجراءات تنفيذ الحكم الموضوعي السابق صدوره على إثارة المنازعة التنفيذية ، ومن خلال ذلك تظهر الفروق الجوهرية فيما بين المنازعة الموضوعية وبين المنازعة التنفيذية ، ويمكن تلخيص ذلك في أن الحكم الموضوعي سابق على المنازعة التنفيذية وان المنازعة التنفيذية تتجه الى اجراءات التنفيذ للحكم الموضوعي الشيء المحكوم فيه محل المنازعة الموضوعية الحق والموضوع محل النزاع ومحل المنازعة التنفيذية مدى قانونية وسلامة اجراءات التنفيذ، كما أن المنازعة الموضوعية سابقة على المنازعة التفنيذية ، المنازعة التنفيذية لا تثار الا عند تنفيذ الحكم الموضوعي الذي يعد سنداً للتنفيذ ، وعند تطبيق هذا المفهوم على الحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم الاستئنافي المنقوض ومن قبله الحكم الابتدائي قد تعرضا للشيء المحكوم فيه بموجب الحكم الموضوعي سند التنفيذ الذي قدمه طالب التنفيذ.
الوجه الثالث: القرار التنفيذي المخالف للسند التنفيذي إهدار لحجية الأحكام الموضوعية
اشار الحكم محل تعليقنا الى ان مخالفة القرار التنفيذي للحكم الموضوعي سند التنفيذ يعد إهدارا لحجية الأحكام ، فالأحكام الموضوعية لاتكون سندات تنفيذية يجوز التنفيذ بمقتضاها الا اذا توفرت فيها شروط كثيرة ذكرها القانون وشراحه ، ولذلك تكون لهذه الأحكام حجيتها القانونية باعتبارها عنوان الحقيقة حيث حازت حجية وقوة الشيء المقضي به فلا يجوز المساس بها عند مباشرة اجراءات تنفيذها ، فتعرض القرارات التنفيذية للحقوق المحكوم بها بموجب الأحكام الموضوعية اهدار لحجية تلك الاحكام فذلك خطيئة كبيرة عندما يصدر من قاض يفترض أن يحرص على حجية الاحكام ويذود عنها ، فاذا كان من المعيب ان يتعمد الخصوم اثارة المسائل المحكوم بها في منازعات التنفيذ واستشكالاته بغرض تعطيل اجراءات تنفيذ الاحكام الموضوعية المحكوم بها عليهم واطالة اجراءات التقاضي حتى تظل الاشياء المحكوم بها في حوزتهم لاستغلالها لأطول فترة ممكنة فإن الخطيئة الأكبر أن يجاري قاض التنفيذ الخصوم في ذلك.
الوجه الرابع : مخالفة القرار التنفيذي للسند التنفيذي إعدام للسند التنفيذي
اشار الحكم محل تعليقنا الى هذه المسألة ، فاجراءات التنفيذ والمنازعة التنفيذية والقرارات التنفيذية تتأسس على السندات التنفيذية حيث تبنى عليها فمن المتعذر قانونا ان تتم اجراءات التنفيذ بدون سند تنفيذي فاذا تم تقويض السند التنفيذي فان ذلك بمثابة اعدام لاجراءات التنفيذ والقرار التنفيذي الصادر في منازعة التنفيذ لاسيما وان قاضي التنفيذ ليس له ولاية في النظر في المنازعة الموضوعية حسبما صرح الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.