تتشابه دعوى التزوير الفرعية المرفوعة من الخصم مع إنكار الخصم لتوقيعه أو إنكاره صدور المستند منه ، غير ان هناك اوجه خلاف بينهما ، فالإنكار سلوك سلبي من الخصم المنكر فلايلزم المنكر بالإثبات وانما يحق للمتمسك بالمستند ان يثبت صدور التوقيع أو المستند من المنكر أو من سلفه بخلاف دعوى التزوير الفرعية فهي سلوك إيجابي من الخصم، فهي دعوى مثل غيرها من الدعاوى ، ولذلك يلزم المدعي إثباتها ، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-6-2010م في الطعن رقم (40372)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالمعلوم أن دعوى التزوير أو الدفع بالتزوير دعوى يتعين على المدعي أو الدافع بيان وقائعه وأسانيده، فلا يقبل الإدعاء المجرد من الدليل، الأمر الذي يتعين معه رفض السبب الثالث من أسباب الطعن، فما ذكره الطاعن في هذا السبب كلام مرسل مجهول، يتعين الإلتفات عنه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
![]() |
دعوى التزوير الفرعية و إنكار المستند في القانون |
الوجه الأول: المقصود بإنكار الخصم المحرر العرفي
إذا احتج الخصم بمحرر مكتوب بخط خصمه أو بمحرر عليه توقيع خصمه أو بصمته ، فانكر الخصم المنسوب له المحرر العرفي انكر خطه أو توقيعه أو بصمته ، فعندئذ يجب أن يقع الإنكار بلفظ صريح أو بلفظ يفهم منه أن الخصم يجحد صدور المحرر منه أو أن الخط الثابت في المحرر خطه أو أن التوقيع أو الإمضاء منسوب له.
أما إذا كان المحرر مكتوبا بخط غير الخصم وليس عليه توقيع الخصم أو بصمته فأن إنكار هذا المحرر من قبل الخصم يقع بأن يجحد الخصم صدور القول أو التصرف المكتوب في المحرر منه أو ينكر موافقته أو قبوله بما ورد في المحرر .
أما إذا كان مضمون المحرر حجة على الخصم غير أنه لم يكن طرفاً في المحرر الذي تم الاحتجاج به عليه كأن يكون المحرر صادراً من سلف الخصم أو مورثه فأن الإنكار يكون برفض الإستدال بالمحرر وإنكار نسبة التوقيع أو البصمة أو الخط إلى سلفه أو مورثه.
الوجه الثاني: وقت إنكار المحرر العرفي
من خلال تطبيق القواعد العامة فان وقت إنكار الخصم للمحرر العرفي الذي تم الإحتجاج به عليه هو وقت الإستدلال أو الإحتجاج بالمحرر عليه أو بعد إستلام الخصم للمحرر وقيامه بالرجوع أو إستشارة أهل الخبرة والإختصاص، وعلى كل حال فأن تراخي الخصم عن إنكار المحرر وقت إبرازه بأكثر من المدة المقبولة فان ذلك يحمل على أنه رضاء من الخصم وموافقة وقبول بالمحرر ، لأن السكوت في معرض البيان قبول، فالمقام عند التقاضي مقام بيان وإستدلال ، ولذلك فأن سكوت الخصم على المحرر العرفي المحتج به عليه يعد قبولاً.
كما يجب على الخصم أن يبدي إنكاره للمحرر قبل مناقشته لما ورد في المحرر ، وعلى ذلك إذا قام الخصم بمناقشة محتوى أو مضمون المحرر العرفي سقط حقه في إنكاره ، فلا يحق له بعد ذلك أن ينكر المحرر.
الوجه الثالث: إنكار الخصم للمحرر العرفي الصادر عنه أو المنسوب إليه في قانون الإثبات اليمني
فرق قانون الإثبات اليمني بين إنكار الخصم المحرر العرفي المنسوب له أي المحرر المكتوب بخطه أو عليه توقيعه وبصمته ، وبين المحرر العرفي الذي ليس بخط الخصم وليس عليه توقيع الخصم .
فإذا كان المحرر العرفي بخط الخصم أو عليه توقيع الخصم ، فقد نصت المادة (104) إثبات على أنه (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقم المدعي البرهان على الخط حلف المدعي عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فأنه يحلف على نفي العلم).
ووفقاً لهذا النص فأن الخصم إذا انكر المحرر العرفي المكتوب بخطه او عليه توقيعه أو ختمه أو بصمته ففي هذه الحالة يحق للمدعي الذي احتج بالمحرر يحق له أولاً أن يقدم الأدلة والبراهين التي تدل على أن الخط أو التوقيع أو البصمة أو الختم صحيح النسبة إلى خصمه المنكر، وللمدعي إثبات ذلك بأية طريقة من طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات كالإقرار السابق أو الشهادة أو القرائن أو الخبرة (الأدلة الجنائية ومضاهاة الخطوط) وغير ذلك.
والغالب في اليمن أن الخصم في حالة إنكار خصمه للمحرر الذي احتج به يلجأ إلى طلب إحالة المحرر العرفي الذي أنكره خصمه إلى المعمل الجنائي ، ويحق للخصم في هذه الحالة إثبات نسبة الخط أو التوقيع أو البصمة إلى خصمه المنكر بوسائل الإثبات الاخرى ، لأن النص القانوني السابق ذكره لم يقيد المدعي بوسيلة إثبات محددة.
إضافة إلى أن حق الخصم المتمسك بالمستند في إثبات نسبة الخط و التوقيع لخصمه المنكر متقدم على يمين النفي والعلم التي تصدر من المدعي عليه، حسبما ورد في النص القانوني السابق ، لأن مركز الخصم الذي استدل بالمحرر هو مركز المدعي بصحة المحرر فهو الذي يحق له إثبات صحة المحرر الذي استدل به، لانه المدعي بصحة المحرر.
الوجه الرابع: إنكار الخصم للمحرر العرفي المكتوب بخط الغير والذي لم يقم بالتوقيع عليه
نصت المادة (106) من قانون الإثبات على أنه (إذا كان المحرر العرفي مكتوب بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب الاشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه غير انه اذا كان كاتب المحرر معروفاً بالعدالة والإمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان أقر امامه أنه كاتب المحرر وشهد أنه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فإنه يجوز الأخذ بما جاء منه في المحرر كشاهد بصحته مع التتميم).
وهذا النص أكثر عمومية من نص المادة (104) إثبات السابق ذكره في الوجه السابق ، لأن ذلك النص خاص بالمحرر المنسوب خطه الى الخصم أو المنسوب له التوقيع او الختم أو البصمة عليه، في حين نص المادة (106) عام يشمل المحررات العرفية التي قد يكون الخصم قد أملى على كاتبها كتابة ماورد فيها أو كان الخصم قد طلب من الكاتب كتابتها أو كان الخصم قابلاً أو موافقاً على ما ورد فيها، بل أن العمومية في هذا النص تشمل المحررات التي قد تكون صادرة من أسلاف خصمه أو غيرهم
فإذا أنكر الخصم هذا النوع من المحررات وكان كاتب المحرر لازال على قيد الحياة فأنه ينبغي إحضار كاتب المحرر، فأذا أقر كاتب المحرر بصحة المحرر الذي انكره الخصم فيحق المدعي الذي ابرز المحرر إتمام شهادة كاتب المحرر بشاهد أخر، أما اذا كان كاتب المحرر وشهوده قد ماتوا فيتم التعريف بالخط والتوقيع الوارد في المحرر عن طريق الشهود العارفين بالخطوط والتوقيعات الشائعة في المنطقة الذين يقوموا بالتعريف بالخط والتوقيع الوارد بالمحرر، وكذا يمكن الإستعانة بالخبرة الفنية لتحديد عمر الخط والورق التي كتب عليها المحرر.
الوجه الخامس: دعوى التزوير الفرعية
دعوى التزوير الفرعية هي: إدعاء احد الخصوم اثناء نظر القضية إدعاءه تزوير المستند أو المستندات المقدمة في القضية المنظورة التي استدل بها خصمه.
والإدعاء بتزوير المستندات المبرزة في القضية حق للخصوم أطراف القضية، وفي هذا المعنى نصت المادة (258) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على أنه : (للنيابة العامة وسائر الخصوم وفي أية حالة كانت عليها الدعوى ان يطعنوا بالتزوير في أية ورقة من أوراق القضية مقدمة فيها)، في حين بينت المادة (259) إجراءات رفع دعوى التزوير الفرعية، حيث نصت هذه المادة على أن (يحصل الطعن في قلم كتاب المحكمة المنظورة أمامها الدعوى ويجب ان تعين فيه الورقة المطعون فيها بالتزوير والأدلة على تزويرها)، وهذا النص صريح في انه ينبغي على المدعي بدعوى التزوير الفرعية ان يقدم الادلة على ذلك.
اما المادة (260) إجراءات فقد تضمنت بعض آثار رفع دعوى التزوير الفرعية، إذ نصت هذه المادة على أنه : ( ان رأت الجهة المنظورة أمامها الدعوى وجها للسير في تحقيق التزوير تحيل الأوراق إلى النيابة العامة ، ولها ان توقف الدعوى إلى ان يفصل في التزوير من الجهة المختصة إذا كان الفصل في الدعوى المنظورة أمامها يتوقف على الورقة المطعون فيها)، ومعنى ذلك ان المحكمة التي تم الادعاء بتزوير المحرر امامها تقوم بالتحقق من ادلة التزويرالمقدمة من المدعي بالتزوير فاذا ترجح لديها ان تلك المحررات مزورة ، ففي الحالة فالمحكمة تحيل دعوى التزوير الفرعية الى النيابة العامة كي تتولى النيابة العامة إجراء التحقيق في التزوير وتحريك الدعوى الجزائية في مواجهة المتهم بالتزوير.
واذا قضى الحكم الصادر في دعوى التزوير الفرعية قضى بعدم صحة دعوى التزوير الفرعية فيجب في الوقت ذاته الحكم بالغرامة على المدعي بالتزوير، وفي هذا المعنى نصت المادة (261) إجراءات على أنه (في حالة إيقاف الدعوى يقضي في الحكم أو القرار الصادر بعدم وجود التزوير بإلزام مدعي التزوير بغرامة لا تجاوز (5000) خمسة آلاف ريالا).
إضافة الى انه يترتب على الحكم بثبوت التزوير بموجب دعوى التزوير الفرعية يترتب على هذا الحكم أيضا الحكم بالغاء المحرر المزور أو تصحيحه ، وفي هذا الشان نصت المادة (262) إجراءات على أنه (إذا حكم بتزوير ورقة رسمية كلها أو بعضها تأمر المحكمة التي حكمت بالتزوير بإلغائها أو تصحيحها حسب الأحوال ويحرر بذلك محضر يؤشر على الورقة بمقتضاه). (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ . د . عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص٢٧٣).
الوجه السادس: أوجه الشبه بين إنكار المستند ودعوى التزوير
تتشابه دعوى التزوير الفرعية مع إنكار المستند من عدة وجوه من أهمها: أن محل كلاهما المستند المكتوب، كما انهما يتضمنا تكذيب ما ورد في المحرر وعدم القبول الإحتجاج به في مواجهة الخصم المدعي بالتزوير أو المنكر للمستند، كما أنه يترتب على ثبوت دعوى التزوير وعجز المدعي عن إثبات صحة المحرر الذي تم إنكاره يترتب على ذلك إبطال المحرر في مواجهة الخصم الذي انكر أو أدعى بتزويره، وكذا فان كلاهما أي دعوى التزوير وإنكار المستند يصدرا من أحد الخصمين أي من المدعي والمدعى عليه بحسب الخصم الذي يتم الإحتجاج بالمستند في مواجهته وذلك أثناء سير إجراءات نظر القضية.
الوجه السابع: أوجه الخلاف بين دعوى التزوير الفرعية وإنكار المحرر
مع وجود أوجه شبه بين إنكار المحرر وبين دعوى تزوير المحرر إلا أن أوجه الإختلاف بينهما أكثر من أوجه الخلاف، ومن أوجه الخلاف بينهما: أن إنكار المحرر أو إنكار التوقيع على المحرر ليس دعوى في حين أن دعوى التزوير من اسمها دعوى تصدر من الخصم وقد يتم إحالتها إلى النيابة العامة بإعتبارها دعوى جزائية، ولذلك يجب على المدعي بدعوى التزوير أن يقدم الأدلة اللازمة على التزوير الذي أدعى به ، عملاً بالمادة (125) من قانون الإثبات اليمني التي نصت على أنه (إذا أدعى الخصم المنسوب صدور المستند إليه أو وارثه أو خلفه أن السند الكتابي مزور كلفته المحكمة بإثبات التزوير بالطرق المبينة في المادة (122) ) ، كما يختلف إنكار المستند عن دعوى التزوير الفرعية في أن دعوى التزوير تتضمن الإتهام بتزوير المحرر في حين إنكار السند لا يتضمن إتهام بالتزوير وإنما نفي الخصم نسبة المحرر أو التوقيع له أو لخلفه.
الوجه الثامن: إثبات نسبة المحرر للخصم الذي انكره
نصت المادة (١٢٢) إثبات على انه ( إذا انكر الخصم صدور السند منه وانكر توقيعه عليه أو انكر ذلك وارثه أو خلفه على الوجه المبين في المادة (١٠٤) كان للخصم المتمسك بالسند ان يثبت صدوره من خصمه بالبينة الشرعية ويجوز إثبات صدور السند من الخصم عن طريق تحقيق الخطوط بشهادة خبيرين فنيين عدلين أو اكثر) ، في حين نصت المادة (١٠٤) المشار إليها في النص السابق نصت على انه ( يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقم المدعي البرهان على الخط حلف المدعي عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فأنه يحلف على نفي العلم ).
فالمتمسك بالمحرر الذي انكره خصمه ملتزم بإثبات نسبة المحرر أو التوقيع إلى الخصم الذي أنكره بإعتبار الخصم المتمسك بالمحرر الذي أنكره خصمه يكون في هذه الحالة في مركز المدعي بنسبة المحرر أو التوقيع إلى خصمه المنكر ، لذلك فهو ملزم بإثبات نسبة المحرر أو التوقيع إلى خصمه المنكر إذا اراد الاستدلال بالمحرر الذي انكره خصمه.
الوجه التاسع: إثبات المدعي بتزوير المحرر التزوير المدعى به
وفي هذا الشان نصت المادة (125) من قانون الإثبات اليمني على أنه (إذا أدعى الخصم المنسوب صدور المستند إليه أو وارثه أو خلفه أن السند الكتابي مزور كلفته المحكمة بإثبات التزوير بالطرق المبينة في المادة (122)).
ومعنى ذلك انه يجب على المدعي بتزوير المحرر في دعوى التزويرالفرعية يجب عليه إثبات التزوير الذي ادعى به بالطريقة ذاتها المقررة في حالة إنكار المستند السابق الإشارة إليها في الوجه السابق وبحسب ماهو مقرر في المادتين (١٢٢و١٠٤) إثبات السابق عرضهما في الوجه السابق، ولاحاجة لإعادة ذكر ذلك في هذا الوجه خشية الاطالة والتكرار.
فالمدعي بتزوير المحرر أو التوقيع يكون في مركز المدعي بأن المحرر الذي قدمه خصمه مزور ، ولذلك يلزمه إثبات دعواه باية طريقة من طرق الإثبات المحددة في المادة (122)والمادة (١٠٤) إثبات السابق ذكرهما في الوجه السابق.
فطرق الإثبات المحددة في المادة (122) إثبات واحدة في حالة إنكار المحرر ، وفي حالة الإدعاء بتزويره ، ويبرر هذه المساواة مبدأ المساواة الإجرائية بين الخصوم. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ. د . عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص٢٥٦)، والله اعلم.