المحاسبة في عقد المرابحة المصرفية

يطلق على عقد المرابحة في المصارف الإسلامية مصطلح المرابحة المنظمة أو المرابحة المصرفية تمييزاً لعقد المرابحة المصرفية عن عقود المرابحة التي تنشأ بين الأفراد خارج المصارف الإسلامية- أي أن عقد المرابحة المصرفية يخضع لإجراءات وتنظيمات سابقة لتوقيعه ومصاحبة لتنفيذه ولاحقة لتنفيذه عن طريق هيئة الرقابة الشرعية للمصرف الاسلامي، إضافة إلى التنظيمات المالية والإدارية والمحاسبية التي يتبعها المصرف الاسلامي في عملياته المصرفية بما فيها عملية المرابحة المصرفية.

ومن مقتضيات التنظيم لعقد المرابحة المصرفية في المصارف والبنوك الاسلامية أن صيغة أو نموذج عقد المرابحة يخضع لإجراءات ومراجعات ورقابة من قبل هيئة الرقابة الشرعية في المصرف الإسلامي للتحقق من موافقة صيغة عقد المرابحة مع أحكام الشريعة الإسلامية والقرارات والمعايير الشرعية في هذا الشأن، وبعد إقرار هيئة الرقابة الشرعية لنموذج عقد المرابحة المصرفية فإن المراقب الشرعي في المصرف الاسلامي يتولى الرقابة والمتابعة للتأكد من إلتزام الإدارات المختصة في المصرف الإسلامي بصيغة عقد المرابحة وعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية عند تنفيذ وتطبيق عقد المرابحة.

ويتضمن عقد المرابحة المصرفية البنود اللازمة التي تحدد تفصيلاً مواعيد شراء البنك للبضاعة ووقت قيام البنك بإعادة بيعها بعد قبضها إلى زبون البنك كما يتضمن عقد المرابحة إجمالي ثمن البضاعة وهامش الربح الذي يجب على الزبون سداده إلى المصرف أو البنك وطريقة دفع هذا المبلغ (دفعة واحدة أو بالتقسيط) وإذا قام المصرف ببيع البضاعة إلى الزبون بالتقسيط فإن الأقساط تكون عبارة عن توزيع لإجمالي ثمن البضاعة المستحق للمصرف توزيعه على أقساط محدودة معدودة مبينة في عقد المرابحة،حيث يتضمن عقد المرابحة بيان مقدار كل قسط وتاريخ سداده.

 إضافة إلى ان المصرف الإسلامي أو غيره من المصارف لديه نظام محاسبي إلكتروني محايد يتم فيه قيد كافة المبالغ التي يسحبها الزبون من المصرف أو تلك التي يودعها في المصرف في حساب عقد المرابحة سيما أن لكل عقد مرابحة مصرفية له حسابه الخاص الذي يبين المبالغ المسحوبة من قبل الزبون والمبالغ التي قام الزبون بإيداعها، فالمصرف الإسلامي والزبون على علم مسبق بكافة مفردات وقيود حساب عقد المرابحة المصرفية ، فضلاً عن أن المصرف الإسلامي وفقاً للقانون يقوم بموافاة الزبون بكشوفات تبين مفردات وقيود حساب عقد المرابحة المصرفية بصفة دورية ومتى ماطلب الزبون ذلك، سيما ان عمليات أو قيود عقد المرابحة المصرفية محصورة.

 وبناءً على ما تقدم فإن حساب عقد المرابحة المصرفية ليس مسألة فنية دقيقة. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2019م، ص331).

وبما أن حساب المرابحة المصرفية ليس مسألة فنية دقيقة فأنه لا يلزم تعيين محاسب قانوني لمراجعة حساب المرابحة المصرفية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-2-2010م في الطعن رقم (38490)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبشأن طلب الطاعن تعيين محاسب قانوني، فبرجوع هذه الدائرة إلى حيثيات حكم المحكمة المطعون فيه فقد وجدت الدائرة: أن الشعبة أوضحت في أسباب الحكم الاستئنافي السبب في عدم إستجابتها لطلب الطاعن قائلة: أنه لا تلزم الإستجابة لطلب المستأنف تعيين محاسب قانوني لإجراء الحساب بين الطرفين لثبوت أن المدعى به عقد مرابحة محدد وثبوت عدم إلتزام الطاعن المدعى عليه بالوفاء بما نص عليه ذلك العقد، وبذلك يظهر أن الخلاف بين الطرفين ليس على حساب جارٍ حتى لو تعددت عقود المرابحة المبرمة بينهما ، لأن كل عقد يبرمانه يعتبر مستقلاً عن الآخر بالإضافة إلى أن طلب الطاعن أمام محكمة الاستئناف كان طلباً جديداً، ولذلك تم رفض هذا الطلب)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

المحاسبة في عقد المرابحة المصرفية

الوجه الأول: المسألة الفنية في الحسابات

نصت المادة (165) من قانون الإثبات اليمني على أنه: (على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والحساب وغيرها مما يدق فهمه أن تعين خبيرا عدلاً أو أكثر من المؤهلين علمياً وفنياً أو ممن لهم خبرة خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه المسائل مما يفيد في إثبات الواقعة...إلخ).

ويفهم من هذا النص أن تعيين الخبير المحاسب أو بمعنى أصح المراجع يكون في الحالة التي تكون فيها المسألة المحاسبية دقيقة يتعذر على القاضي فهمها أو الإحاطة بها، وعلى هذا المعنى فأن المسألة الفنية المحاسبية التي تستدعي تعيين مراجع حسابات أو مدقق أو محاسب هي تحليل الحسابات المعقدة ومراجعة السجلات المحاسبية ومراجعة القيود المحاسبية في السجلات والتأكد من المستندات المؤيدة لصحة القيود المحاسبية. وهذا الامر لاينطبق على حساب عقد المرابحة المصرفية.

الوجه الثاني: المسائل المحاسبية في عقد المرابحة المصرفية:

تتولى هيئة الرقابة الشرعية في المصرف الإسلامي إعداد ومراجعة نموذج عقد المرابحة المصرفية الذي يتم العمل به في المصرف في ضوء نماذج عقود المرابحة المصرفية المعمول بها في المصارف الإسلامية داخل اليمن وخارجها، ولذلك فإن عقد المرابحة المصرفية شبه نمطي أو موحد ، إذ تستعمله المصارف والبنوك الإسلامية داخل اليمن وخارجها.

وبالنسبة للمسائل المحاسبية فإن عقد المرابحة المصرفية يشتمل على تحديد ثمن البضاعة التي يشتريها البنك ويقبضها أولاً ثم يعيد البنك بيعها إلى الزبون المتعاقد معه ، ويحدد عقد المرابحة أيضاً الثمن وهامش الربح المستحق للمصرف بعد إعادة بيعه للبضاعة إلى الزبون المتعاقد معه ،وبموجب عقد المرابحة يقوم الزبون بدفع قيمة البضاعة إلى المصرف (دفعة واحدة أم أقساط) ، وإذا كانت طريقة الدفع بالأقساط فأن العقد يبين توزيع إجمالي الثمن على الأقساط ، فيحدد العقد مقدار كل قسط وتاريخ سداده وإجراءات وكيفية السداد.

وبناءً على ذلك فإن عقد المرابحة المصرفية يتضمن كافة المسائل المحاسبية بشأن عقد المرابحة المبرم فيما بين البنك وزبونه، وهذه المسائل محدودة ومعينة وبسيطة وواضحة، فليست من المسائل الفنية المعقدة أو المركبة التي يدق فهمها.

الوجه الثالث: النظام المحاسبي للمصرف الإسلامي:

أشار الحكم محل تعليقنا إلى عدم لزوم تعيين محاسب قانوني لمراجعة حسابات عقد المرابحة ، لأن الحسابات الناشئة عن هذا العقد ليست من المسائل الفنية الدقيقة التي يدق على القاضي فهمها.

فعقد المرابحة كما سبق بيانه عقد نمطي ينظم العلاقة بين البنك والزبون تنظيما شاملا ودقيقا وواضحا، إضافة الى انه عند تنفيذ عقد المرابحة يتم قيد كافة الإجراءات التنفيذية للعقد في النظام المحاسبي للمصرف الإسلامي مثل ثمن البضاعة التي دفعها المصرف لصاحبها وهامش ربح المصرف ثم ثمن البضاعة عند بيع المصرف لها إلى زبونه المتعاقد معه، كما يتم قيد كافة المبالغ التي دفعها البنك إلى الزبون على ذمة عقد المرابحة ، وكذا المبالغ التي قام الزبون بدفعها إلى البنك سدادا لقيمة البضاعة وتواريخ السحب والإيداع ومقدار المبالغ المسحوبة أو المودعة، ويتم القيد في النظام المحاسبي للمصرف الإسلامي بموجب الوثائق والمستندات التي تؤيد صحة القيود المحاسبية في النظام المحاسبي للمصرف، كما يحتفظ المصرف الإسلامي بالوثائق والمستندات المؤيدة لصحة القيود المحاسبية الواردة في النظام المحاسبي الإلكتروني للمصرف.

ومن المعلوم أن النظام المحاسبي الإلكتروني للمصرف الإسلامي أو غيره من البنوك والمصارف والشركات والمؤسسات التجارية نظام محايد وصادق لأنه نظام إلكتروني وليس يدوي ، فيتعذر التلاعب ببيانات النظام المحاسبي الإلكتروني ، ويتم إستخراج كشوفات حساب المرابحة من هذا النظام.

فضلاً عن أن القيود المحاسبية في عقد المرابحة تكون محدودة ومعدودة ومعينة ومعروفة للمصرف الإسلامي وزبونه، ولذلك فهي ليست من المسائل الفنية التي يدق فهمها والإحاطة بها.

الوجه الرابع: من مظاهر اللدد وإطالة إجراءات التقاضي المطالبة بتعيين محاسب لمراجعة العمليات الحسابية الناتجة عن عقد المرابحة المصرفية:

سبق القول: أن حسابات عقد المرابحة محدودة ومعدودة يستطيع القاضي الوقوف عليها ومعرفتها والإحاطة بها من غير حاجة إلى تعيين خبراء محاسبة عدول ، فهي ليست من المسائل الفنية الدقيقة.

ومع ذلك يصر كثير من الخصوم على طلب تعيين محاسب لمراجعة الحسابات الناتجة عن عقد المرابحة بقصد التملص من دفع المبالغ التي بذممهم للمصرف الإسلامي، لأن إجراءات تعيين المحاسب وقيامه بعمله طويلة جداً، إذ يسبق اجراءات تعيين المحاسب الخلاف بين الخصوم بشأن جدوى التعيين من عدمه ثم يحدث الخلاف بين الخصوم بشأن أسماء الخبراء العدول المختارين، ثم يقع الخلاف بشأن مهمة الخبير، ثم يقع الخلاف بشأن التقرير الأولي الذي يحدد فيه الخبير طبيعة عمله والمدة اللازمة لإنجاز عمله، وبعد ذلك يدخل الخصوم في جولة أخرى بشأن طلبات الخبير المحاسب من المستندات وغيرها، وبعد أن يقدم الخبير المحاسب تقريره يحدث الخلاف بين الخصوم بشأن النتائج التي توصل إليها الخبير، فيقدم الخصوم إعتراضاتهم وملاحظاتهم على تقرير الخبير، وربما أن المحكمة قد تحتاج إلى تكليف المحاسب الخبير بإستيفاء مهمته في ضوء إعتراضات وملاحظات الخصوم ، ووفقاً لقانون الإثبات فقد تقرر المحكمة تكليف محاسب آخر للقيام بالمهمة بدلاً عن المحاسب السابق، وهذا بدوره يؤدي إلى إطالة إجراءات التقاضي، وهذا هو مقصود الخصم حينما يطلب تعيين خبير أو محاسب في المسائل الواضحة المحددة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل إطالة إجراءات التقاضي، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص417).

فالحسابات المتعلقة بعقد المرابحة المصرفية حسابات وعمليات بسيطة تتمثل في قيد عملية شراء المصرف الإسلامي للسلعة ثم بيعها إلى الزبون وتحديد هامش الربح المتفق عليه وكلفة شراء البنك للسلعة اوالبضاعة والمصروفات المباشرة وغير المباشرة التي دفعها البنك في سبيل شراء البضاعة قبل إعادة بيعها للعميل وحساب دفع الأقساط، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل إطالة إجراءات التقاضي، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص١٥٣) ، والله أعلم.