عدول القاضي عن تنحيه للحرج

اجازت المادة (134) من قانون المرافعات اليمني اجازت للقاضي أن يطلب تنحيه عن نظر القضية للحرج ، وصرحت المادة المشار إليها بأن تنحي القاضي للحرج لا يكون نافذاً إلا إذا أقر التنحي رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس الإستئناف بحسب المحكمة التي يعمل بها القاضي المتنحي.

 ومفاد النص القانوني المشار اليه: أنه يجوز للقاضي العدول عن تنحيه طالما أن رئيس المحكمة لم يقر تنحيه بعد، لأن تنحي القاضي للحرج متعلق بشخص القاضي ولاعلاقة للخصوم بهذا النوع من التنحي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-3-2010م في الطعن رقم (39529)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث ان المادة (134) مرافعات قد اشترطت إقرار رئيس المحكمة الإبتدائية أو رئيس الإستئناف لتنحي القاضي للحرج ، وحيث أن رئيس المحكمة لم يقر تنحي القاضي، ولأن تنحي القاضي في هذه الحالة متعلق بشخص القاضي ولا مصلحة للخصوم فيه، ولذلك يجوز للقاضي الذي تنحى عن نظر القضية أن يستمر في نظر القضية، لأنه يجوز له أن يرجع عن قراره لعدم إتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها طبقاً للمادة (134) مرافعات وعدم توفر الشروط القانونية المقررة في تلك المادة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

عدول القاضي عن تنحيه للحرج
عدول القاضي عن تنحيه للحرج

الوجه الأول: أسباب تنحي القاضي للحرج وفقاً للمادة (134) مرافعات

يقع تنحي القاضي للحرج في غير حالات الإمتناع الوجوبي المذكورة في المادة (128) مرافعات ، وكذا في غير حالات الإمتناع الجوازي المحددة في المادة (132) مرافعات.

وهذا الممفهوم ظاهر مما ورد في المادة (134) مرافعات التي نصت على أنه (يجوز للقاضي إذا استشعر الحرج في نظر الدعوى لأي سبب آخر أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الإبتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف على حسب الأحوال لإقـراره على التنحي عن نظرها إذا كان السبب واضحاً ومعقولاً أو أمره بالإستمرار في نظرها ، ويثبت ذلك في محضر الجلسة على النحو المبين في المادة السابقة)، ووفقا لهذا النص فأن أسباب التنحي للحرج ليست محددة أو محصورة في القانون .

 ومن الأسباب التي قد تجعل القاضي يستشعر بالحرج : الزمالة بين القاضي والخصم أو الجوار فيما بين القاضي والخصم أو وجود ثأر بين قبيلة القاضي والخصم أو وجود معرفة سابقة بين القاضي والخصم أو إذا كان بين القاضي واقارب الخصم عداوة أو مودة أو صداقة...إلخ. (دعاوى تنحي ورد القضاة، نزيه نعيم شلالا، منشورات الحلبي الحقوقية ٢٠١٣ بيروت، ص٦٩) .

 الوجه الثاني: أسباب تنحي القاضي للحرج غير محصورة وتتسم بالطابع الشخصي

الاسباب التي تجعل القاضي يشعر بالحرج هي أي سبب يجعل القاضي غير قادر على الفصل في القضية بحيادية ونزاهة ، فالأسباب التي قد تجعل القاضي يشعر بالحرج من الاستمرار في نظر القضية كثيرة ومختلفة ويتفاوت تأثيرها بتفاوت هذه الأسباب ، ويختلف تأثيرها بإختلاف شخصيات القضاة ونفسياتهم، ولذلك فإن تسببها في حرج القاضي يختلف من قاضي إلى آخر، فالمعيار في أسباب تنحي القاضي للحرج معيار شخصي.

وقد سبق القول أن أسباب تنحي القاضي للحرج غير محددة أو غيرمحصورة في قانون المرافعات ، ولذلك فانها تختلف عن أسباب أو حالات الإمتناع الوجوبي أو حالات الإمتناع الجوازي التي ذكرها القانون على سبيل الحصر والتي قررها القانون لمصلحة للخصوم ، بخلاف الأسباب التي تجعل القاضي يشعر بالحرج فهي أسباب شخصية تخص القاضي الذي ينظر القضية فلاتخص الخصوم.

فأسباب تنحي القاضي للحرج شخصية تختلف بإختلاف نفسيات وشخصيات القضاة ، فاسباب التنحي للحرج تختلف عن حالات الامتناع الوجوبي أو الجوازي ، ولذلك فقد صرحت المادة (١٣٤) مرافعات على أن أسباب التنحي للحرج أسباب أخرى أي أنها تختلف عن الإمتناع الوجوبي والجوازي، حسبما هو ظاهر في المادة (١٣٤) مرافعات التي نصت على أنه (يجوز للقاضي إذا استشعر الحرج في نظر الدعوى لأي سبب آخر أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الإبتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف على حسب الأحوال لإقـراره على التنحي عن نظرها إذا كان السبب واضحاً ومعقولاً أو أمره بالإستمرار في نظرها، ويثبت ذلك في محضر الجلسة على النحو المبين في المادة السابقة).

 وعلى هذا الأساس فليس للخصوم صفة او مصلحة في التنحي للحرج ، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القضاء والقضاة الجزء الأول، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠٢٣م، ص١٤١).

الوجه الثالث: إجراءات تقديم طلب تنحي القاضي للحرج

وفقاً للمادة (134) مرافعات السابق ذكرها التي نظمت تنحي القاضي للحرج، فإن القاضي إذا استشعر بالحرج عند نظره في الدعوى فأنه يقوم بعرض الأمر كتابة في مذكرة تتضمن الإفصاح عن رغبته التنحي عن نظر القضية للحرج، ويتم تقديم هذه المذكرة الى رئيس المحكمة التي يعمل فيها القاضي ، وينبغي أن يتضمن طلب القاضي التنحي السبب أو الأسباب التي جعلت القاضي يستشعر الحرج، ويتولى رئيس المحكمة دراسة طلب القاضي للتنحي للحرج ، وكذا يتولى رئيس المحكمة مناقشة القاضي طالب التنحي في الأسباب التي جعلته يشعر بالحرج ، وفي ضوء ذلك قد يقر رئيس المحكمة طلب التنحي ، وقد يرفض رئيس المحكمة ذلك.

 الوجه الرابع: لا صفة أو علاقة للخصوم بتنحي القاضي للحرج

سبق القول أن أسباب تنحي القاضي للحرج غير محددة أو غير محصورة في قانون المرافعات ،كما ان أسباب تنحي القاضي للحرج تختلف عن حالات الإمتناع الوجوبي أو حالات الإمتناع الجوازي التي حصرها القانون وقررها لمصلحة للخصوم كضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة والحكم العادل.

 اما الأسباب التي تجعل القاضي يشعر بالحرج فهي أسباب شخصية تخص القاضي الذي ينظر القضية، وقد سبق القول انها أسباب شخصية تختلف بإختلاف نفسيات وشخصيات القضاة ، فاسباب التنحي للحرج تختلف عن حالات الامتناع الوجوبي أو الجوازي ، ولذلك فقد صرحت المادة (١٣٤) مرافعات على أن أسباب التنحي للحرج هي أسباب أخرى مختلفة عن حالات الامتناع الوجوبي أو الجوازي ، حسبما هو ظاهر في المادة(١٣٤) مرافعات التي نصت على أنه (يجوز للقاضي إذا استشعر الحرج في نظر الدعوى لأي سبب آخر أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الإبتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف على حسب الأحوال لإقـراره على التنحي عن نظرها إذا كان السبب واضحاً ومعقولاً أو أمره بالإستمرار في نظرها ويثبت ذلك في محضر الجلسة على النحو المبين في المادة السابقة).

 وعلى هذا الأساس فليس للخصوم صفة او مصلحة في التنحي للحرج ، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القضاء والقضاة الجزء الأول، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠٢٣ م صنعاء،ص١٤١ ).

الوجه الخامس: تنحي القاضي لا يكون نافذاً إلا إذا أقره رئيس المحكمة المختصة

 سبق القول انه : ان طلب التنحي للحرج يتم تقديمه في مذكرة الى رئيس المحكمة التي يعمل فيها القاضي ، وانه ينبغي أن يتضمن طلب القاضي التنحي السبب أو الأسباب التي جعلت القاضي يستشعر الحرج، ويتولى رئيس المحكمة دراسة طلب القاضي للتنحي للحرج ، وكذا يتولى رئيس المحكمة مناقشة القاضي طالب التنحي في الأسباب التي جعلته يشعر بالحرج ، وفي ضوء ذلك قد يقر رئيس المحكمة طلب التنحي ،وقد يرفض رئيس المحكمة ذلك ويامر القاضي بالاستمرار في نظر القضية التي طلب التنحي عن نظرها.

فمن خلال مطالعة المادة (134) مرافعات السابق ذكرها يظهر أن طلب القاضي التنحي للحرج لا يكون نافذاً مرتباً لآثاره إلا إذا اقره رئيس المحكمة المختص، فاذا اقر رئيس المحكمة طلب التنحي نفذ التنحي للحرج وان لم يقر رئيس المحكمة ذلك فلاينفذ طلب التنحي.

الوجه السادس: جواز عدول القاضي عن طلب تنحيه للحرج

قضى الحكم محل تعليقنا بجواز عدول القاضي عن طلبه التنحي للحرج ، لأن تنحي القاضي للحرج لا يكون نافذاً إلا إذا اقره رئيس المحكمة المختص، وبناءً على ذلك يجوز للقاضي العدول عن تنحيه للحرج طالما أن رئيس المحكمة المختصة لم يقر طلب التنحي المقدم من القاضي، لأن التنحي للحرج متعلق بظروف القاضي الشخصية التي دفعته للتنحي، فأسباب التنحي للحرج مقررة لمصلحة القاضي وليس لمصلحة الخصوم، ولذلك يجوز للقاضي العدول عن تنحيه للحرج ومواصلة نظر القضية، وليس من حق الخصوم الإعتراض أو الطعن في عدول القاضي عن طلب تنحيه،(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القضاء والقضاة الجزء الأول، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠٢٣ م، ص١٤٥)، والله اعلم.