مناقشة الدافع لأدلة الدعوى

إذا قام الدافع بمناقشة أدلة الدعوى سواءً في عريضة دفعه أو أثناء إنعقاد جلسة المحكمة فإن مناقشته تجعل دفعه بمثابة رد على الدعوى التي ناقش الدافع أدلتها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-10-2010م في الطعن رقم (40881)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (بعد الإطلاع على عريضة الطعن وسائر الأوراق مشتملات الملف فقد تبين: أن أهم ما جاء في أسباب الطعن تتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه ومعه الحكم الابتدائي بطلانهما لإهدارهما حق الطاعن في الدفاع ، حيث اعتبرت المحكمتان الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق ما يكذبها محضاً اعتبرته بمثابة رد على الدعوى ، ولم تفصل المحكمتان في دفع الطاعن على وجه الإستقلال وفقا للقانون، والدائرة تجد: أن هذا النعي غير سديد، فقد ذكرت المحكمتان أن تكييف العرائض العبرة فيه ليس بالمسميات التي يطلقها الخصوم على العريضة وإنما العبرة بما تستشفه المحكمة من الوقائع والأسانيد التي بنيت عليها العريضة، وهذا التعليل يوافق صحيح القانون ويدل على حرص محكمة الموضوع على حُسن سير العدالة ومراقبة الخصوم في ممارستهم لإجراءات التقاضي وفقاً للقانون تفادياً منها لتقطيع أوصال القضية وإطالة أمد التقاضي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

مناقشة الدافع لأدلة الدعوى
الدافع لأدلة الدعوى

الوجه الأول: معنى مناقشة الخصم لأدلة الدعوى

أدلة الدعوى هي شهادات الشهود والإقرار والمعاينة والمحررات الرسمية والعرفية وغيرها، ومناقشة الخصوم لها هي إبداء الخصم لوجهة نظره بشأن ادلة الدعوى كإنكار الدليل أو الإقرار به أو القول بأن الدليل مزوّر أو الشهادة شهادة زور أو القول بأن المستند صورة وليس أصلاً أو القول: أن الدليل يناقض الدعوى أو لا علاقة له بها أو أن الأدلة لا تكفي لإقامة الدعوى أو القول أن المدعي اصطنع الدليل لنفسه أو أن الدليل قد صدر خلافاً للقانون...إلخ. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص337).

الوجه الثاني: مناقشة الدافع لأدلة الدعوى خوض في موضوع الدعوى

الدعوى لا قيمة لها في ميزان الشرع والقانون إذا لم تكن هناك أدلة تؤيد صحة الدعوى، وفي هذا المعنى جاء الحديث الذي اخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه)، ولذلك فأن أدلة الدعوى هي سند الدعوى وأساسها، ومن هذا المنطلق فإن قيام الدافع بمناقشة أدلة الدعوى على النحو السابق يعد خوضاً في الدعوى أي أن الدافع قد قام بالفعل بالرد على الدعوى وحاول دحض وتفنيد الأدلة التي قامت عليها الدعوى،لان عريضة الدعوى عبارة عن شرح للادلة المؤيدة لها ، ولذلك فإن مناقشة الدافع لأدلة الدعوى تكون في حقيقتها بمثابة رد على عريضة الدعوى وليس دفعاً لها إلا إذا كان الدفع موضوعياً وليس شكليا، كما لو طلب المدعي في دعواه إلزام المدعى عليه بسداد دين واستدل على صحة دعواه بأدلة فدفع المدعى عليه الدعوى بإنقضاء الدين بالوفاء وقدم الدافع الدليل على الوفاء بالدين، فطبيعة الدفع الموضوعي تجعل عريضته كعريضة الرد. على الدعوى ، (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الدعاوى والطلبات والدفوع، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص127).

الوجه الثالث: العبرة في العرائض والمذكرات بالفحوى وليس بالمسمى

من النادر في اليمن أن يقوم المدعى عليه بتقديم رد على الدعوى أو يقدم دفعاً موضوعياً، وإنما يبادر في الغالب إلى تقديم دفع شكلي من غير وجه لمنع المحكمة من سماع دعوى خصمه المدعي، ولا يكتفي الدافع بتسمية الدفع دفعاً شكلياً بل أنه يسميه أيضاً دفعاً متعلقاً بالنظام العام وبناء على ذلك يطلب الدافع من المحكمة الفصل في ذلك الدفع إبتداءً بحكم مستقل.

ولكن من المعلوم أن العبرة بفحوى العريضة او المذكرة المقدمة من الخصم وليس بالمسمى الذي يطلقه الخصم على عريضته أو مذكرته، ولذلك يقوم القاضي بدراسة فحوى المذكرة أو العريضة في ضوء أحكام الشرع والقانون للتحقق من التطابق بين مسمى العريضة ومضمونها والوصف او التسمية القانونية لما ورد في العريضة او المذكرة.

الوجه الرابع: التسمية القانونية لمذكرات الخصوم من إختصاص القاضي وليس الخصوم

التكييف القانوني للوقائع والتصرفات : هو البحث أولاً عن التسمية القانونية للواقعة أو الفعل أو التصرف حتى يمكن بعد ذلك تطبيق الأحكام الشرعية والقانونية المقررة في القانون على الفعل أو التصرف أو الواقعة المذكورة في المذكرة، فالغرض من التكييف هو الوصول إلى الحكم الشرعي والقانوني الصحيح على الواقعة أو التصرف.

وبناءً على ذلك فإن التكييف القانوني لمذكرات الخصوم من إختصاص القاضي ، لأنه الحاكم في القضية الذي يتولى تطبيق الحكم الشرعي والقانوني على الواقعة أو التصرف، فالقاضي لا يتقيد بالمسميات التي يطلقها الخصوم على مذكراتهم. (النظرية العامة لتكييف القانون للدعوى في قانون المرافعات، د. محمد محمود إبراهيم، دار الفكر العربي القاهرة 1982م، ص522).

ومن مقتضيات التكييف القانوني للمذكرة اوالعريضة أن القاضي يتحقق مما إذا كانت أحكام الشرع والقانون تنطبق على الاسم الذي أطلقه الخصم على مذكرته فإذا اطلق الخصم على مذكرته اسم دعوى فأنه ينبغي على القاضي دراسة مضمون العريضة للتحقق من نوع التصرف المذكور في العريضة ومدى تحقق إركانه وشروطه ومن ذلك عريضة الدعوى وعريضة الدفع، والله أعلم.