الفرق بين الفساد في الإستدلال وغيره

الفرق بين الفساد في الإستدلال وغيره
الفرق بين الفساد في الإستدلال وغيره

من خلال المطالعة المستمرة للأحكام والمذكرات القضائية نلاحظ كثرة ورود جملة الفساد في الإستدلال، وفي بعض الأحيان يتم إستعمال هذه الجملة في غير موضعها الصحيح، في حين أن المقصود بالفساد في الإستدلال يعني أن الحكم قد قام على إستنتاجات غير صحيحة أو توصل إلى نتيجة غير منطقية، أو أخطأ الحكم في استنباطه للواقعة أو في إستناده الى الأدلة أو في تفسيره للقانون، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-10-2010م في الطعن رقم (38191)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ومما جاء في سياق الحكم المطعون فيه يتبين القصور في التسبيب والفساد في الإستدلال، إذ قضى الحكم المطعون فيه بفسخ العقد إستناداً إلى قرائن ضعيفة، إذ كان من الواجب على الشعبة إستجواب طرفي العقد لمعرفة الطرف الذي لم يقم بالوفاء بإلتزامه وإلزام المدعي بتقديم أدلة دعواه فإن عجز عن ذلك فليس له سوى اليمين)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: معنى الفساد في الإستدلال في الحكم بصفة عامة

الإستدلال في علم المنطق هو عملية إستنتاج معرفة جديدة (النتيجة) من معرفة سابقة (مقدمات) بإستخدام قواعد منطقية، أو أن الإستدلال: الإنتقال من شيء نعرفه إلى شيء آخر نصل إليه بناءً على علاقات منطقية بينها .

وبحسب هذا المفهوم فان الفساد في الإستدلال: هو عيب يشوب أسباب الحكم يجعل الإستدلال غير سليم، ويتحقق ذلك عندما تستند المحكمة في حكمها إلى أدلة غير صالحة للإقتناع بها أو الى فهم خاطئ للوقائع أو على أدلة متناقضة.

فالفساد في الإستدلال مصطلح قانوني يشير إلى وجود خطأ في إستنتاج المحكمة للأسباب التي بنت المحكمة عليها حكمها.

الوجه الثاني: معنى فساد الإستدلال في الحكم في قضاء محكمة النقض المصرية

قضت محكمة النقض المصرية بأنه: (تعتبر أسباب الحكم مشوبة بالفساد في الإستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الإستنباط أو ابتناء الحكم على فهم حصيلة المحكمة مخالفاً لما هو ثابت بأوراق الدعوى – وإن ذلك يتحقق إذا استندت المحكمة في إقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للإقتناع بها أو إلى عدم فهم العناصر الواقعية التي تثبت لديها أو وقوع تناقض بين هذه العناصر كما هو في حالة عدم اللزوم المنطقي للنتيجة التي انتهت إليها المحكمة بناءً على تلك العناصر التي ثبتت لديها). (جلسة 16/6/2022م، دوائر الإيجارات).

الوجه الثالث: اسباب فساد الإستدلال في الحكم

يمكن تلخيص هذه الأسباب على النحو الآتي:

1- إستخدام أدلة غير صالحة: كما لو استند الحكم إلى أدلة لا تصلح قانوناً لإثبات الواقعة أو استند الحكم إلى أدلة غير منطقية أو غير كافية لإثبات الواقعة أو التصرف.

2- الفهم الخاطئ للوقائع: فقد تفهم المحكمة الوقائع بشكلٍ خاطئ مما يؤدي إلى إستنتاج غير صحيح للواقعة.

 تناقض الأدلة: فقد يستند الحكم إلى أدلة متناقضة مما يجعل الأدلة السليمة غير كافية لحمل الحكم. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٣م، ص198).

الوجه الرابع: الفرق بين فساد الإستدلال والقصور في تسبيب الحكم

القصور في التسبيب: يعني عدم كفاية الأسباب التي تسوقها المحكمة لتبرير الحكم او عدم توضيح الأسباب التي استند إليها الحكم بشكلٍ كافٍ.

اما الفساد في الإستدلال فمعناه: وجود خطأ في إستنتاج المحكمة للأسباب التي بنت عليها حكمها.

الوجه الخامس: الفرق بين فساد الإستدلال والخطأ في تطبيق القانون

الخطأ في تطبيق القانون: هو تطبيق نص قانوني على واقعة لا ينطبق عليها ذلك النص أو عدم تطبيق النص القانوني على واقعة ينطبق عليها ذلك النص، أو تفسير النص القانوني بشكلٍ مخالف لتفسيره الصحيح.

اما الفساد في الإستدلال: فهو عيب في أسباب الحكم حينما تستند إلى أدلة غير صالحة أو لا تتفق مع الواقع مثل استناد الحكم إلى شهادة زور أو مستند مزور أو قرائن ضعيفة. (تسبيب الأحكام القضائية في المسائل المدنية، سيليا بن سالم وصبرينة حميدوش – رسالة ماجستير – جامعة بجاية الجزائر 2023م، ص127).

الوجه السادس: آثار الفساد في الإستدلال على الحكم

تترتب على ذلك آثار عدة من أهمها ما يأتي:

1- بطلان الحكم: فالفساد في الإستدلال يؤدي إلى فساد الحكم ذاته مما يجعله عرضة للإبطال من قبل محكمة الطعن.

2- عدم عدالة الحكم: فالحكم الذي يشوبه فساد الإستدلال يكون غير عادل ولا يحقق الغاية من الحكم، لأنه غير مطابق للوقائع أو الأدلة أو أوراق القضية.

3- الإضرار بالحقوق القضائية للخصوم والإضرار بالعدالة: لأن فساد الإستدلال يهدر بعض الأدلة ويعتمد على أدلة ضعيفة أو باطلة، وذلك يؤدي إلى عدم إمتثال المحكوم عليه للحكم ومبادرته بالطعن في الحكم وإطالة أمد النزاع بين الخصوم ومن ثم عدم ثقة المواطنين بأحكام القضاء، ولذلك فإن فساد الإستدلال يؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بالعدالة ذاتها.

الوجه السابع: فساد الإستدلال وأسباب الطعن في الحكم

ذكرنا في الأوجه السابقة مظاهر الفساد في الإستدلال في الحكم وخلاصتها أنها عبارة عن إستناد الحكم على أدلة غير صحيحة أو ضعيفة أو غير كافية أو فهم غير صحيح للوقائع أو عدم التلازم المنطقي بين الأسباب والنتيجة (المنطوق)، أو مخالفة الحكم لأوراق القضية.

 وصفوة القول: أن القانون يمنع كل مظاهر الفساد في الإستدلال ، ولذلك فإن مظاهر فساد الإستدلال تكون أسباب مقبولة للطعن في الحكم المشتمل على فساد الإستدلال سواءً أمام محكمة الإستئناف أو امام المحكمة العليا. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص152).

الوجه الثامن: فساد الإستدلال قد يقع في مذكرات الخصوم

الإستدلال في علم المنطق هو عملية إستنتاج معرفة جديدة (النتيجة) من معرفة سابقة (مقدمات) بإستخدام قواعد منطقية، أو أن الإستدلال: الإنتقال من شيء نعرفه إلى شيء آخر نصل إليه بناءً على علاقات منطقية بينها، ومن المعلوم أن الإستدلال المنطقي يساعد القاضي والمحامي في تقييم الأدلة والحجج والبراهين، ويساعد القاضي والمحامي على إتخاذ قرارات منطقية بناءً على الأدلة المتاحة ، ولذلك فقد كان من ضمن عدة القضاة المتقدمين في اليمن تحصيل علم المنطق سيما مايسمى علم الايساغوجي.

وعلى هذا الأساس فإن الإستدلال ليس حكراً على الحكم القضائي وإنما الإستدلال منهج يتبعه المحامون في صياغة مذكراتهم كالطعون والدفوع والردود، ولذلك فقد يقع فساد الإستدلال في مذكرات الخصوم.

كما أن مذكرات الخصوم المتبادلة تكشف فساد الإستدلال في تلك المذكرات، إضافة إلى ان صحف الطعن في الأحكام التي يقدمها المحامون المهرة تكشف فساد الإستدلال في الأحكام المطعون فيها، بإعتبار فساد الإستدلال من أخطر المطاعن التي تعتور الحكم. (مهارات الصياغة القانونية – مهارات صياغة المذكرات القانونية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2016م، ص92)، والله اعلم.