المقصود بالتاجر في هذا التعليق هو الشخص الطبيعي حينما يكون مورثا، وقد نظم القانون المدني اليمني قسمة الأموال الشائعة بما فيها قسمة التركات بإعتبار أموال التركة شائعة بين الورثة بقدر النصيب الشرعي لكل وارث ، وضمن هذا التنظيم وردت أنواع القسمة الثلاثة : قسمة التراضي بين الورثة انفسهم والقسمة إلاختيارية عن طريق القسام المختار من الورثة والقسمة الجبرية التي تتم بنظر القضاء، كما حدد القانون المدني اجراءات القسمة.
وبالمقابل تضمن قانون الأحوال الشخصية اليمني أحكام الميراث ومسائله والأنصبة الشرعية للورثة ، وصرح هذا القانون بان أحكام المواريث تنطبق على الورثة جميعاً ، فلا فرق بين مورث ومورث أو بين وارث ووارث، فأحكام المواريث المقررة في قانون الأحوال الشخصية اليمني تكون واجبة التطبيق عند قسمة تركة التاجر ولو كانت تركة التاجر لها طبيعة خاصة بإعتبار بعضها انشطة واعمال تجارية كالمحلات التجارية والمؤسسات التجارية والأسهم في الشركات المختلفة والبضائع المعدة للتجارة بها والمواد الخام، ووفقا لقانون الأحوال الشخصية فان الطبيعة التجارية لأموال تركة التاجر لا تخرج قسمة تركة التاجر من دائرة إختصاص قضاء الأحوال الشخصية، وإن كان القسام أو القاضي عند قسمة تركة التاجر ملزم بمراعاة الطبيعة الخاصة للاموال ذات الطابع التجاري الداخلة ضمن أموال تركة التاجر مثل مراعاة أحكام الشركات المقررة في قانون الشركات التجارية عند قسمة المؤسسات التجارية الفردية والمحلات التجارية وأسهم الشركات ، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-12-2010م في الطعن رقم (40718)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبإطلاع الدائرة على حكم الشعبة تجد أن الشعبة لم تنتبه إلى أن ما خاضت به ومن قبلها المحكمة التجارية الابتدائية لم يكن من إختصاص القضاء التجاري، لأن الغالب في النزاع يتعلق بتركة المتوفي.... واخيه.....، فالإختصاص في هذا النزاع ينعقد لقاضي الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة المختصة مكانياً وفقاً للقانون، وحيث أن الإختصاص النوعي من النظام العام وفقاً للمادة (90) مرافعات مما يقتضي التصدي والحكم بنقض الحكم الصادر عن القضاء التجاري في هذا النزاع، وعلى الشعبة إحالة النزاع برمته إلى قاضي الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة المختصة مكانياً وفقاً للقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
![]() |
قسمة تركة التاجر |
الوجه الأول: قسمة التركات وقسمة الشركات والمحكمة المختصة بذلك:
القاسم المشترك بين التركات والشركات هو شيوع الأموال، فأموال التركات شائعة بين الورثة بحسب النصيب الشرعي لكل وارث، وأموال الشركات شائعة بين الشركاء كل شريك بقدر حصته أو مساهمته في الشركة.
ولكن قسمة الشركات تختلف عن قسمة التركات من حيث المحكمة المختصة بكل منهما ومن حيث الإجراءات الشرعية والقانونية في كلٍ منهما، فقسمة الشركات تكون نتيجة لتصفية الشركات أو بعد تصفية الشركة ومعرفة الموجودات بعد إجراء التصفية ،وقد حدد قانون الشركات اليمني إجراءات وطريقة تصفية الشركات إضافة إلى أن القانون ذاته قد حدد أسباب تصفية الشركات، وعلى هذا الأساس فإذا تحقق أي من أسباب تصفية الشركة واختلف الشركاء في هذا الشأن فإن الإختصاص ينعقد للمحكمة التجارية بإعتبار تصفية الشركات من المسائل التجارية ، هذا عندما يتم تصفية الشركة وحدها من غير أن تكون الشركة ضمن أموال شركة التاجر.
في حين أن قسمة التركة تختلف عن قسمة الشركة من حيث إجراءاتها وأنصبة الورثة في التركة تختلف عن حصص الشركاء، إضافة إلى أن أحكام المواريث الشرعية من ضمن مسائل الأحوال الشخصية التي يختص بها قاضي الأحوال الشخصية. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القسمة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2024م، ص359).
الوجه الثاني: مكونات تركة التاجر وحصرها وتثمينها:
سبق القول: أن المقصود بالتاجر في هذا التعليق هو الشخص الطبيعي (المورث) وليس الشخص الإعتباري أو المعنوي كالشركة.
وبناءً على ذلك فإن تركة المورث التاجر تتكون من عقارات وأموال نقدية كانت تحت يده عند وفاته ، وأرصدة في البنوك والمصارف وأسهم في الشركات وكذا محلات ومؤسسات تجارية مسجلة باسم التاجر المورث، بالإضافة إلى المنقولات الاخرى كالسيارات والمعدات والأجهزة والبضائع والمواد الخام والسندات المالية.
ومن المعلوم أن إجراءات القسمة الشرعية للتركات بصفة عامة تستدعي التحقق أولاً من وفاة المورث ثم التحقق من مكونات تركة المتوفي عن طريق حصرها كاملة والتحقق من ملكية المورث لها وتثمينها، ويتعذر إجراء القسمة الشرعية من غير حصر كل مكونات التركة وتثمينها وإلقيام باجراءات القسمة الشرعية المعروفة وتحرير وثائق القسمة اللازمة ، ومؤدى ذلك أن قسمة تركة التاجر تستدعي حصر كافة الأموال التي تركها التاجر بكافة أنواعها وتثمينها وبيان نصيب كل وارث في تلك الأموال وتحرير وثائق القسمة اللازمة التي تحدد النصيب الشرعي لكل وارث في كل موجودات التركة.
الوجه الثالث: قسمة تركة التاجر مسألة من مسائل الأحوال الشخصية:
سبق القول: أن قسمة التركات بصفة عامة مسألة من مسائل الأحوال الشخصية وأن وردت أحكام قسمة التركات ضمن احكام قسمة الأموال الشائعة المنصوص عليها في القانون المدني اليمني ، لأن أحكام المواريث ومسائلها قد تناولها قانون الأحوال الشخصية اليمني وليس القانون المدني أو القانون التجاري.
الوجه الرابع: قاضي الأحوال الشخصية هو المختص بقسمة تركة التاجر:
في الوجه السابق ذكرنا أن قسمة التركات بصفة عامة هي من مسائل الأحوال الشخصية بما في ذلك قسمة تركة التاجر، ولذلك فإن القضاء الشخصي هو المختص بإجراء قسمة تركة التاجر إذا اختلف ورثته وطلبوا من المحكمة إجراء القسمة الجبرية أو القضائية.
الوجه الخامس: المبالغة في اجور القسامين سبب في تعطيل اجراءات القسمة الجبرية وإطالتها:
لأسباب خاصة جدًا تطول إجراءات القسمة في بعض قضايا القسمة الجبرية حتى يضطر الورثة الى سحب هذه القضايا من المحاكم إلى خارجها إلى عند حمران العيون للحصول على اجور قسمة تصل في كثير من الاحيان الى مايعادل نصيب احد الورثة أو اكثر عن طريق المبالغة في اجور القسام، والله اعلم.