وجوب تحديد الخطأ في الحساب المصرفي أو التجاري

ذكرنا في عدة تعليقات سابقة أن من أسباب إطالة الفصل في القضايا المصرفية والتجارية أن المدعي لا يحدد العمليات أو الصفقات أو القيود المحاسبية التي وقع فيها الخطأ، وبدلاً من ذلك يطلب من المحكمة تعيين محاسب أو مراجع أو مدقق لمراجعة كل العمليات والقيود المحاسبية بين المدعي والمدعى عليه لإكتشاف هذه الأخطاء وبيان الدائن من المدين مثلما يقع في كثير من الدعاوى المرفوعة بالفعل أمام المحاكم، ويتسبب هذا الأمر في إطالة إجراءات التقاضي بسبب طبيعة العمليات المصرفية والتجارية وكثرتها، في حين أنه من المقرر في الشريعة الإسلامية والقانون أن الأصل في المعاملات الصحة وعلى المدعي خلاف هذا الأصل أن يقدم الدليل على عدم صحة تلك المعاملات، ومؤدى ذلك أنه يجب على المدعي أن يحدد بدقة الأخطاء الواردة في الحساب التجاري أو المصرفي الذي يتضمن القيود المحاسبية للمعاملات بين اطرافه أو يحدد العمليات أو المعاملات أو القيود المحاسبية التي وقع فيها الخطأ ، حتى تكون وقائع القضية محددة ، وحتى يسهل الوقوف عليها وإثباتها ، وحتى يسهل للقاضي الإحاطة والإلمام بها ، والنظر والفصل فيها بيسر وسهولة وسرعة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-4-2010م في الطعن رقم (39791)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (لذلك وتقيداً بالمادة: (104) مرافعات فقرة (6) فأنه يجب على المدعي تحديد طلباته مبيناً نوعها وصفتها، لأن الدعوى وطلباتها مناط الحكم، وذلك لأن عبء الإثبات ملقي على المدعي، على أن يراعي في الطلبات ما جاء بالقانون التجاري والعمل المصرفي بشأن تحديد الغلطات والأخطاء المدعى بها في تعامل المطعون ضده مع البنك الطاعن.)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

وجوب تحديد الخطأ في الحساب المصرفي أو التجاري
وجوب تحديد الخطأ في الحساب المصرفي أو التجاري

الوجه الأول: طبيعة الحسابات المصرفية والتجارية:

نظم القانون التجاري اليمني العمليات المصرفية والتجارية، وفي سياق هذا التنظيم نظم القانون الحسابات المصرفية والتجارية، التي يتم فيها قيد وإثبات كافة العمليات أو المعاملات فور وقوعها.

 حيث تبين هذه الحسابات المبالغ المدفوعة من طرفي الحساب والغرض من دفع المبالغ وتاريخ دفع المبالغ، وتبين هذه الحسابات الدائن والمدين ، ويتم الإحتفاظ بالمستندات المؤيدة لصحة القيود المحاسبية في كشوفات الحساب.

ومن المعلوم والمؤكد أن المتعاملين مع التاجر أو المصرف قد يصلوا إلى ملايين الأشخاص ، ومن المعلوم أن التاجر أو المصرف يقوم بقيد هذه المعاملات وحفظها على النحو السابق بيانه.

وتمتد العلاقة والمعاملات بين التجار انفسهم أو بينهم وبين عملائهم أو بين الافراد والبنك تمتد هذه العلاقات لسنوات طويلة تتم خلالها ملايين العمليات والتعاملات ، وتتكون كشوفات الحساب من عشرات آلاف الصفحات، وتتراكم مستندات القيود المحاسبية إلى عشرات الأطنان من الأوراق.

الوجه الثاني: كشوفات الحساب المصرفي والحساب الجاري للتاجر:

سبق القول: أن كشوفات الحساب المشار إليها عبارة عن مرآة للمعاملات التي تتم بين أطراف الحساب، ومن خلال هذه الكشوفات تظهر نتيجة التعامل بين طرفي الحساب ويظهر الدائن والمدين ومقدار مبلغ الدين، فكشف الحساب المشار إليه يكشف نتيجة الحساب بين طرفيه ، ولذلك يطلق عليه اسم (الكشف) لأنه يكشف نتيجة الحساب ويكشف الدائن والمدين.

ووفقاً للقانون فإن المصرف أو التاجر يقوم بموافاة عميله أو زبونه بكشف الحساب بصفة منتظمة ، فإذا استلم العميل كشف حسابه ولم يعترض عليه خلال مدة معقولة فإن ما ورد في كشف الحساب يكون صحيحاً ، فلا يجوز للعميل بعد ذلك الإدعاء بوجود خطأ في كشف الحساب. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل البنوك والمصارف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025، ص271).

الوجه الثالث: الأصل في المعاملات الصحة وعلى من يدعي وجود أخطاء أن يثبت ذلك:

نصت المادة (13) من القانون المدني اليمني على أن الأصل في العقود الصحة ،وهذه القاعدة تسري على المعاملات التجارية ، بمعنى أن الأصل أن المعاملات التجارية تمت صحيحة موافقة لأحكام الشرع والقانون ، وأنها تمت برضاء وموافقة أطرافها وأنها صحيحة، ومقتضى ذلك أنه يجب على من يدعي وجود اخطاء في المعاملات التجارية أو حساباتها أن يثبت ذلك.

الوجه الرابع: الإدعاء بوجود اخطاء في المعاملات أو الحسابات دون تحديد نوع ومكانه ووصفه وزمانه جهالة فاحشة في الدعوى:

من خلال المطالعة لكثير من الأحكام القضائية يظهر أن المدين أمام القضاء يدعي أن كشوفات الحساب غلط ، وأن التاجر أو البنك اصطنعها لنفسه للإستدلال بها على مطالبته بالدين، ويخلص المدين في رده على مطالبة الدائن بمطالبة المحكمة بتعيين محاسب للمحاسبة والمراجعة بين الدائن والمدين خلال فترة العلاقة التجارية القائمة بين الطرفين حتى يظهر المحاسب المعين من قبل المحكمة الدائن من المدين ومقدار الدين...إلخ، ويطلب المدين أن يقوم الحساب بالرجوع إلى كافة المستندات المؤيدة للقيود المحاسبية للتأكد من سلامة تلك القيود ومطابقتها للمستندات.

وفي بعض الحالات تستجيب المحكمة للطلب فتطول إجراءات التقاضي وتتراكم القضايا.

ولاريب أن الإدعاء بأن كل المعاملات أو التعاملات أو الحسابات التي تمت بين الطرفين خلال فترة التعامل بين الطرفين إدعاء تشوبه الجهالة الفاحشة، إذ أن الأصل في العقود والتصرفات والمعاملات الصحة حسبما سبق بيانه، ولذلك فإن على من يدعي خلاف الأصل أن يبين عدم صحة تلك العقود أو المعاملات وأن يقدم الأدلة على ذلك.

 وبالطبع فأنه يتعذر على المدين أن يقدم الأدلة على عدم صحة كل التصرفات والتعاملات التي تمت بين الطرفين سيما إذا كان المدين يقوم دورياً بالمصادقة على كشوفات الحساب، ولذلك فإن القاضي يكلف المدعي بعدم صحة الحسابات والمعاملات بإثبات عدم صحتها.

 إضافة إلى أن الإدعاء بعدم صحة المعاملات أو التصرفات أو الحسابات يقتضي من المدعي بذلك أن يبين الواقعة المدعى بها من حيث تاريخ وقوعها وعلاقة المدعى عليه بها أو نسبتها الى المدعى عليه وان يقدم الأدلة على الواقعة ونسبتها إلى المدعى عليه حتى تكون الوقائع المدعى بها واضحة لا تعتريها الجهالة.

 كما ينبغي أن يبين على المدعي أن يبين أوجه الواقعة، لأن الدعوى مناط الحكم ، فإذا أفلح في إثبات ذلك قضى الحكم بموجب إدعائه من غير حاجة إلى تكليف محاسب، وأن وجد القاضي من خلال ما قدمه المدعي أن هناك مسائل محاسبية فنية تحتاج إلى تعيين محاسب فأن المحكمة تقرر الإستعانة بخبير محاسب.

وفي هذا المعنى نصت الفقرة (٦) من قانون المرافعات اليمني على انه يجب على المدعي أن يبين في دعواه: (-٦- بيانا وافيا مختصرا عن موضوع الدعوى وادلتها إجمالا وطلبات المدعي محددة نوعها وصفتها وهل يطلبها بصفة مستعجلة ام عادية ، وترفق بها المستندات بحافظة ) ، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل البنوك والمصارف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025، ص271)، والله اعلم.