ملخص الوقائع في حكم التحكيم

ملخص الوقائع في حكم التحكيم
في القانون اليمني

من المسائل التي يثور النقاش بشأنها مسألة تلخيص أو ملخص وقائع إجراءات الخصومة التحكيمية الذي يتم ذكره في مدونة حكم التحكيم قبل أسباب الحكم ومنطوقه ، إذا يتضمن الملخص المشار اليه اجراءات المحاكمة التي تمت أمام المحكم ومنها: ملخص عن دعاوى الخصوم وردودهم ودفوعهم وأدلتهم وجلسات التحكيم التي عقدتها هيئة التحكيم لنظر الخصومة التحكيمية والفصل فيها.

ولاشك أن المحكم في تلخيصه لإجراءات نظر الخصومة التحكيمية في متن حكم التحكيم لا يجب عليه حتماً أن يعرض في مدونة الحكم جميع إجراءات التحكيم التي تمت في الخصومة التحكيمية قبل فصله في النزاع، لان المادة (٤٨) من قانون التحكيم اليمني قد صرحت بان المقصود هو مجرد ملخص لإجراءات الخصومة التحكيمية وليس جميع تفاصيلها ، بيد ان المحكم ملزم بموجب المادة (48) من قانون التحكيم اليمني أن يستهل حكمه بعرض ملخص لوقائع سير إجراءات الخصومة التحكيمية التي تمت أمامه، فإذا جاء حكم التحكيم خالياً من الملخص المتضمن خلاصة الدعوى والإجابة عليها والأدلة وجلسات التحكيم فإن حكم التحكيم يكون عرضة للإبطال إن ادعى الخصم ذلك، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-6-2010م في الطعن رقم (40260)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالظاهر من حكم التحكيم مخالفته أحكام المادة (48) تحكيم من حيث عدم إشتماله على خلاصة واضحة لوقائع الدعويين وطلبات المدعين فيهما وعدم إشتمال الحكم على الرد من كل طرف على دعوى الآخر ومستنداته، أضف إلى ذلك عدم وجود تسبيب كافٍ ومقنع يبين الوقائع والأدلة التي استند إليها الحكم مما يصمه بالبطلان عملاً بأحكام المادة (53) فقرة (و) تحكيم ، الأمر الذي يترتب عليه رفض الطعن لعدم قيام سببه وتأييد الحكم المطعون فيه لقيامه على أسباب كافية لحمله)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: بيانات حكم التحكيم المقررة في المادة (48) تحكيم

نصت المادة (48) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم ماعدا في حالة صدور الحكم بالأغلبية فانه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الاسباب ، ويجب أن يصدر الحكم مسببا وإلا اعتبر ناقصا إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك ، ويجب أن يشتمل حكم لجنة التحكيم على البيانات الآتية: ((أسماء أطراف التحكيم وعناوينهم وجنسياتهم وملخص الطلبات ودفوعات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه وتاريخ ومكان إصداره ، ويكون حكم التحكيم نهائيا وباتا في حالة اتفاق أطراف التحكيم عليه وكذا في حالة انتهاء التحكيم بالصلح وفي الحالات التي ينص عليها هذا القانون، وعلى لجنة التحكيم أن تقوم بإرسال صور من الحكم موقعة من المحكمين إلى أطراف التحكيم)).

ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر أنه قد جاء بصيغة الوجوب ، ومعنى ذلك أنه يجب أن يتضمن حكم التحكيم البيانات المذكورة في النص السابق ذكره بإعتبار أن تلك البيانات تمثل الحد الأدنى من البيانات التي يجب ان تتحقق في حكم التحكيم حتى تجعل حكم التحكيم معلوماً ومفهوماً وحاسماً للنزاع وقابلاً للتنفيذ.

فبيانات حكم التحكيم أقل بكثير من البيانات التي اشترطها قانون المرافعات في حكم القاضي حسبما هو مبين في المادة (229) مرافعات. (التحكيم الإختياري والإجباري ، لاستاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور احمد ابو الوفاء ، منشأة المعارف الاسكندرية ١٩٩٥م ، ص١٤٤).

الوجه الثاني: المقصود بتضمين حكم التحكيم (ملخص الطلبات والدفوع)

وردت في المادة (48) تحكيم السابق ذكرها عبارة (ملخص الطلبات ودفوعات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه وتاريخه ومكان إصداره)، ومصطلح (ملخص) الوارد في النص لا ينصرف إلى منطوق الحكم وأسبابه وتاريخه ومكانه وإنما ينصرف مصطلح (ملخص) وتلخيص إلى طلبات الخصوم ودفوعهم وأقوالهم ومستنداتهم.

ومعنى (ملخص) : خلاصة لطلبات الخصوم ودفوعهم وأقوالهم ومستنداتهم، إذ لا يلزم أن يعرض المحكم في مدوّنة الحكم طلبات الخصوم كما وردت في مذكرات الخصوم وكذا أقوالهم وإنما ملخص لها.

الوجه الثالث: جزاء عدم تضمين حكم التحكيم ملخص الوقائع واسباب الحكم

قضى الحكم محل تعليقنا بقبول دعوى بطلان حكم التحكيم التي قامت على أساس أن حكم التحكيم المدعى ببطلانه كانت الجهالة تعتريه من كل ناحية بسبب عدم إشتماله على خلاصة تبين دعاوى الخصوم المحتكمين وردودهم والأدلة المقدمة منهم وعدم تسبيب الحكم ، وقد سبق أن عرضنا المادة (48) تحكيم التي اشترطت على سبيل الوجوب أن يشتمل حكم التحكيم على ملخص لطلبات الخصوم ودفوعهم وردودهم وأدلتهم واسباب الحكم، ولذلك فإن حكم التحكيم إذا جاء خالياً من الملخص المشار إليه وخالياً من التسبيب فإن دعوى بطلانه تكون مقبولة ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم، الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، صـ322)، والله اعلم.