إدخال الضامن في الخصومة

إدخال الضامن في الخصومة
في القانون اليمني

الضمانة أو الكفالة هي ضم الذمة المالية للكفيل أو الضامن إلى الذمة المالية للمدين المكفول عليه، وبموجبها يحق للمكفول له أن يرجع على الكفيل والمكفول له متضامنين أو منفردين حسبما هو مقرر في الشرع والقانون.

 وحتى يكون الحكم على المدين حجة على الضامن (الكفيل) فقد أوجب قانون المرافعات اليمني على المحكمة أن تقوم بإدخال من يلزم إدخاله لمصلحة العدالة أو لإظهار الحقيقة، ومن ذلك: -1- من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن أو إلتزام لا يقبل التجزئة-2- الضامن بأداء ما قضى به على الخصم...إلخ، حسبما هو منصوص عليه في المادة (190) من قانون المرافعات اليمني.

 وقد أهتم قانون المرافعات بإدخال الضامن الخصومة التي يكون المضمون عليه أو المكفول عليه طرفاً فيها، ومن مظاهر هذا الإهتمام أن القانون افرد لإدخال الضامن أو الكفيل عدة نصوص، ونجد انه من المناسب الإشارة إلى هذه المسألة في سياق التعليق على الحكم الصادرعن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-11-2015م في الطعن رقم (56895)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد استند في حيثياته إلى المادة (538) مدني التي نصت على أن البائع يضمن إستحقاق المبيع لغيره إذا انكشف أن المبيع ملك غير البائع بحكم شرعي عليه وعلى المشتري أن يدخل البائع في دعوى إستحقاق المبيع التي ترفع عليه من الغير، فإذا ثبت الإستحقاق للغير فللمشتري الرجوع على البائع بالثمن، وحيث أن المطعون ضدهما وكذا الطاعنين مشترون بعقود تضمنت الدرك الشرعي في حال إختلال المبيع الصائر لهم، لذلك فقد كان من اللازم على المحكمة الابتدائية إدخال البائعين للمذكورين في النزاع والسير في إجراءات نظر الدعوى في مواجهتهم جميعاً ، حتى تتمكن المحكمة من إلزامهم في حالة إستحقاق المبيع للغير إلزامهم بدفع قيمة الرقبة المدفوعة وضمان الغلة وضمان ما غرمه المشتري ، ويدخل في ذلك فارق العملة في غير الربويات المنصوص عليها فيما يتعلق بالعملة، حسبما ورد في المادة (545) مدني، وحيث أن المحكمة الابتدائية لم تقم بذلك، وبسبب ذلك قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي وإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية للفصل فيها في مواجهة البائعين ، لأن الإدخال لا يجوز أمام محكمة الاستئناف حتى لا تفوت درجة على من يتم إدخالهم)،

الوجه الأول : ماهية الضمانة والضامن

الضمانة أو الكفالة: هي ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عليه لصالح المكفول له الذي يجوز له بموجب الكفالة أن يرجع على الكفيل والمكفول عليه معاً أو على كل منهما على حدة لإقتضاء الشيء محل الكفالة ، و محل الكفالة قد يكون مالاً نقداً أو عيناً أو عملاً أو التزاماً.

والضمانة قد تكون ضمانة أو كفالة تجارية ، وقد عرف القانون التجاري اليمني الكفالة التجارية في المادة (230) بأنها: (الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ إلتزام وتنعقد بإيجاب وقبول من الكفيل والدائن)، وتكون الكفالة تجارية إذا كان الكفيل يضمن ديناً تجارياً، حسبما ورد في المادة (231) تجاري التي نصت على أن (تكون الكفالة تجارية إذا كان الكفيل يضمن ديناً تجارياً بالنسبة للمدين)، وعرف القانون المدني الكفالة في المادة (1026) بأنها (ضم ذمة هي ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عليه للإستيثاق فيما كفل به وتتم بلفظها ونحوه ، ولا تتوقف على رضاء المكفول عليه).

 وقد تكون الضمانة مستقبلية هي عبارة:عن ضمان الكفيل للأعمال التي سوف تصدر عن المكفول عليه في المستقبل مثل الضمانة على العامل بأية مبالغ قد يختلسها أو يتلفها أو يبددها في المستقبل أو ضمان قيام المكفول عليه في المستقبل بأعمال معينة ، وقد اجاز القانون المدني صراحة هذه الضمانة، فقد نصت المادة (1039) على أنه (تصح الكفالة بما سيثبت مستقبلاً وللكفيل الرجوع فيما سيثبت بالمعاملة قبل ثبوته واذا ثبت قبل الرجوع لزمت الكفالة).

والأصل في الضمانة أن تكون مطلقة تتضمن إلتزام الكفيل بسداد المبالغ التي بذمة المكفول عليه أو تنفيذ الإلتزام المحدد على المكفول عليه حيث تنصرف الكفالة إلى التزام الكفيل بالقيام بالإلتزام كاملاً الملقى على عاتق المكفول عليه بحسب شروط واوصاف الإلتزام المقرر على المكفول عليه وبحسب المدد المتفق عليها للسداد أو الوفاء فيما بين المكفول عليه والمكفول له، فهذا هو مفهوم ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عليه، لان الضمانة إلتزام تابع لالتزام المكفول عليه.

وقد تكون الضمانة أو الكفالة مقيدة وهي التي تتضمن شروطا يشترطها الضامن أو الكفيل ، ومن ذلك ان يشترط الضامن أو الكفيل ان تكون كفالته بحدود مبلغ معين أو لفترة معينة أو على عمل معين، ففي هذه الأحوال لا تضم ذمة الضامن إلى ذمة المكفول عليه إلا في حدود الشروط التي اشترطها الكفيل أو الضامن، والأولى أن يتم ذكر الشروط أو القيود التي ترد على الضمانة أو الكفالة في وثيقة الضمانة ذاتها . (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الدعاوى والطلبات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٣م، س ١٥٨)

الوجه الثاني: إدخال الضامن في الخصومة وفقاً للمادة (190) من قانون المرافعات اليمني والغرض من إدخال الضامن

من ضمن أحكام الضمان والكفال بصفة عامة أن يكون الكفيل أو الضامن مسئولاً عن الوفاء بما ضمنه أو ألتزم به أو كفل به ، وأنه قد قبل مسبقا بالرجوع عليه ومطالبته بالوفاء بما ضمنه سواءً بالطريقة الودية أو القضائية، ومؤدى ذلك أن الضامن قد قبل مسبقا بأن توجه الدعوى عليه وأن يتم إختصامه للوفاء بما ضمنه، هذا إذا كان الضمان أو الكفال مقرراً بموجب عقد التزم بموجبه الضامن أو الكفيل بذلك، وكذلك الحال إذا كان الشرع والقانون قد اوجبا الضمان مثلما اوجبا ضمان البائع للمبيع أو إستحقاق المبيع.

وفي هذا الشان نصت المادة (190) مرافعات على أنه: (على المحكمة أن تدخل في الخصومة من يلزم إدخاله لمصلحة العدالة أو لإظهار الحقيقة ومن ذلك: -1- من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن أو إلتزام لا يقبل التجزئة. -2- الضامن بأداء ما قضى به على الخصم...إلخ).

ومن خلال الإطلاع على النص السابق يظهر أن الإدخال وجوبي للمحكمة، فذلك ظاهر من صيغة (على المحكمة) الواردة في بداية النص، والغرض من الإدخال الوجوبي في هذه الحالة، هو مصلحة العدالة وإظهار الحقيقة حسبما ورد في النص السابق ، لأنه يترتب على عدم إدخال الضامن أن لا يكون الحكم الصادر في الخصومة حجة على الضامن، ومؤدى ذلك أنه يحق للدائن رفع دعوى أخرى ضد الضامن ، وذلك يستغرق الكثير من الجهد والوقت والمال، وهذا الأمر يؤدي إلى تراكم القضايا وتعثرها أمام القضاء.

 كما يندرج ضمن أهداف الإدخال الوجوبي للضامن منع تجزئة القضية الواحدة وصدور أحكام متناقضة، إضافة الى ان إدخال الضامن يساعد في تحقيق العدالة من خلال ضمان أن جميع أطراف النزاع المعنيين بالقضية ممثلون أمام المحكمة التي تنظر النزاع، وأن ذلك يمكن المحكمة من الحكم في القضية كلها بناءً على جميع الحقائق والظروف المتعلقة بالقضية، فقد يكون لدى الضامن معلومات أو مستندات غير متوفرة لدى المضمون عليه أو الكفيل، إضافة إلى أن إدخال الضامن يكفل حقوق الضامن، لأن الإدخال يوفر للضامن فرصة الدفاع عن حقوقه ومصالحه في القضية بدلاً من أن يفاجأ بحكم ضده من غير أن يتمكن من إبداء أوجه دفاعه.

ولذلك فأنه يجب على القاضي حينما يظهر له أن هناك ضامن يضمن الخصم أن يبادر إلى إدخال الضامن في الخصومة عملاً بالنص القانوني السابق ذكره

الوجه الثالث: إجراءات إدخال الضامن في الخصومة من قبل المحكمة

أشارت المادة (190) مرافعات في نهايتها إلى هذه الإجراءات، حيث نصت على انه: (... وعلى المحكمة إعلان المدخل بقرارها وبصورة من ملف القضية للإطلاع وإعداد رده وتكليفه بالحضور أمامها خلال ميعاد تحدده مع مراعاة المواعيد القانونية للحضور والمسافات).

فطالما أن إدخال الضامن في الخصومة وجوبي على النحو السابق بيانه في الوجه السابق، لذلك فقد أوجب النص القانوني السابق على المحكمة أن تقوم بإعلان الضامن إلى موطنه القانوني من تلقاء ذاتها ، على أن ترفق المحكمة بالإعلان ملف القضية المطلوب إدخال الضامن فيها ، حتى يتمكن الضامن من دراسة ملف القضية والوقوف على الإجراءات التي تمت فيها وتحديد موقفه القانوني من القضية عن بصيرة وعلم، وحتى يتمكن الضامن من إعداد رده بشأن إدخاله في القضية كضامن.

وينبغي أن يتضمن الإعلان المشار إليه تكليف الضامن بإعداد رده بالإضافة إلى تكليفه بالحضور في جلسة المحاكمة المقررة لنظر القضية التي ادخلته المحكمة فيها، وبعد ذلك تتم إجراءات نظر الخصومة في مواجهة الضامن حتى يكون الحكم في القضية حجة للضامن وعليه.

وبعد أن تفرغ المحكمة من نظر القضية يتم الفصل في القضية كلها بحكمٍ واحدٍ في مواجهة كلٍ من الضامن الكفيل والمكفول عليه.

الوجه الرابع: طلب الخصم تاجيل الجلسة لإدخال الضامن من قبل المكفول عليه

نصت المادة (193) مرافعات على أنه: (يجب على المحكمة إجابة طلب الخصم بتأجيل الدعوى لإدخال ضامن فيها إذا كان قد كلف بالحضور خلال ثمانية أيام من تاريخ إعلانه بالدعوى أو قيام السبب الموجب للضامن أو كانت الثمانية الأيام المذكورة لم تنقض وفيما عدا ذلك يكون للمحكمة التأجيل لإدخال ضامن).

وهذا النص يقرر حق المكفول له في طلب تاجيل جلسة لإدخال الضامن ، ويقرر النص على انه على المحكمة إجابة طلب إدخال الضامن على سبيل الوجوب.

الوجه الخامس: الفصل في طلب الضمان والدعوى الأصلية بحكم واحد

إذا تم إدخال الضامن فيجب على المحكمة أن تفصل في الدعوى الأصلية وطلب الضمان بحكمٍ واحدٍ (حتى لا تتجزأ القضية الواحدة)، وفي هذا المعنى نصت المادة (194) مرافعات على أنه (يقضى في طلب الضامن وفي الدعوى الأصلية بحكمٍ واحدٍ كلما امكن ذلك وإلا فصلت المحكمة في طلب الضمان بعد الحكم في الدعوى الأصلية) .

فالأصل وفقاً لهذا النص أن يتم الفصل في طلب الضمان والدعوى الأصلية بحكمٍ واحدٍ، غير أنه قد تكون الدعوى الأصلية صالحة للفصل فيها ولا يؤثر الحكم فيها على الحكم الذي سيصدر لاحقاً في طلب الضمان، ففي هذه الحالة يجوز الفصل أولاً في الدعوى الأصلية بحكمٍ مستقلٍ ثم الفصل بعد ذلك في طلب الضمان بحكم آخر.

الوجه السادس: آثار ضم المحكمة طلب الضمان إلى الدعوى الأصلية نتيجة إدخال الضامن

في هذا الشأن نصت المادة (195) مرافعات على أنه (إذا أمرت المحكمة بضم طلب الضمان إلى الدعوى الأصلية يكون الحكم الصادر على الضامن عند الإقتضاء حكماً للمدعي الأصلي ولو لم يكن قد وجه إليه طلبات، ويجوز لطالب الضمان أن يطلب إخراجه من الدعوى بموافقة الخصم إذا لم يكن مطالباً بإلتزامِ شخصي).

وإذا قررت المحكمة أن طلب الضمان لا أساس له جاز لها الحكم على مدعي الضمان بالتعويض حسبما هو مقرر في المادة (196) مرافعات.

الوجه السابع: النظام العام في الإدخال الوجوبي للضامن

سبق القول أن الإدخال الوجوبي من قبل القاضي يحقق مبدأ الإقتصاد في إجراءات التقاضي ويحوّل دون تجزئة القضية الواحدة وصدور أحكام وقرارات متناقضة فيها وأنه يحد من تراكم القضايا، كما أنه يساعد للغاية في إكتمال الحقائق والوقائع الخاصة بالقضية الواحدة، ولذلك فإن هدف القاضي من الإدخال الوجوبي هو تحقيق العدالة وإظهار الحقيقة وليس تحقيق مصلحة الخصوم في القضية، وفي هذا المعنى نصت المادة (190) مرافعات نصت في بدايتها على أنه (على المحكمة أن تدخل في الخصومة من يلزم إدخاله لمصلحة العدالة أو لإظهار الحقيقة).

وعلى هذا الأساس فإن الإدخال الوجوبي للضامن من النظام العام، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قضى ببطلان الحكم الابتدائي الذي فصل في دعوى إستحقاق المبيع دون أن تقوم محكمة أول درجة بإدخال الضامن، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الدعاوى والطلبات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٣م، س ١٥٨)، والله اعلم.