![]() |
القانون اليمني |
عقد المضاربة يعني أن صاحب المال يدفع المال إلى العامل (المضارب) لتشغيل وإستثمار المال مقابل نسبة شائعة من الربح لكل طرف ، ويتم الإتفاق على تحديد وقت تقاسم الربح فيما بين المضارب وصاحب المال، وأن لم يتم الإتفاق فان وقت تقاسم ريح المضاربة هو وقت تصفية عملية أو عمليات المضاربة.
ومن مقتضيات عقد المضاربة أنه لايجوز للمضارب ان يتصرف بالربح المحقق من المضاربة من غير رجوع الى صاحب المال ،وانه يجب أن يقوم المضارب بتسليم نسبة الربح المستحقة لصاحب المال في الاوقات المحددة في عقد المضاربة أو عند تصفية عمليات المضاربة التي قد تكون سنوية أو ربع سنوية أو غيرها بحسب الإتفاق بين الطرفين فإذا لم يتم الإتفاق على تحديد الاوقات التي يلتزم المضارب فيها بدفع نسبة ربح صاحب المال فان وهو وقت تصفية عملية أو عمليات المضاربة، فإذا امتنع المضارب عن سداد نسبة الربح المحدد لصاحب المال في وقتها فان هذه النسبة تضاف الى راس المال أي الى حصة صاحب المال ،واذا قام المضارب بإكتساب الأموال العقارية أو المنقولة من ربح المضاربة فإن صاحب المال تكون له نسبة من الأموال المكتسبة من عائدات المضاربة بقدر نسبته من ربح المضاربة ، إضافة الى أن المضارب يكون ضامنا سلامة التصرفات التي إذا لم ياذن بها صاحب المال باعتبار فعل المضارب في هذه الحالة من افعال التعدي ، واذا انكر المضارب أو جحد نسبة صاحب المال في الاموال التي اكتسبها من ربح المضاربة فان ذلك خيانة للامانة اي تعدي ، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بانه إذا ثبت أنه ليس للمضارب مالاً غير الربح العائد من المضاربة فلصاحب المال نسبة من الأموال التي اكتسبها المضارب تعادل نسبة صاحب المال في ربح المضاربة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-3-2010م في الطعن رقم (37442)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه: (أما بشأن الأموال المكتسبة بعد تاريخ عقد المضاربة كالمنزل والأراضي والمنقولات التي شراها المدعى عليه (المضارب) فإن المحاسب القانوني لم يستطع نفي دعوى المدعين وترك أمرها للمحكمة، لذلك فقد قررت المحكمة أن على المدعى عليه أن يحلف اليمين على أن الأموال المكتسبة بعد تاريخ عقد المضاربة تم إكتسابها من أمواله الخاصة خصوصاً أن الشهود أكدوا أن المدعى عليه لا يملك مالاً وأن نسبة الأرباح الخاصة به من عقد المضاربة لا يمكن أن تكون كافية لإكتساب تلك الأموال، وهذا الأمر يؤكد شكوك المحكمة عن مصدر ثمن إكتساب تلك الأموال)، وقد أيدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي في قضائه، وعند الطعن بالنقض بالحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة التجارية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (أما نعي الطاعن في السبب الثاني من أسباب طعنه فأنه في غير محله فيما اثاره أنه قد ضارب برأس مال المحل إضافة إلى حوالات أخرى كانت تصله من السعودية، فهذا النعي مردود بأن الإتفاق بين الطرفين بالعمل برأس مال الدكان بالنسبة المحددة 60% من الربح السنوي للطاعن و 40% للورثة أصحاب رأس المال، وقد جرى جرد ما هو مملوك للمطعون ضدهم لرأس مال المحل بحضور الطاعن، ومستند تقرير المحاسب ما قدمه الطاعن حسبما اوضحه المحاسب)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: التعريف الشرعي لعقد المضاربة
عقد المضاربة: هو عقد بين شخصين يقدم أحدهما المال ويسمى صاحب المال وذلك إلى الشخص الآخر الذي يسمى المضارب، ليتجر المضارب في المال على أن يتم تقاسم الربح بينهما بنسبة مشاعة معلومة ويتحمل صاحب المال الخسارة إلا إذا كانت الخسارة بسبب تعدي أو تفريط المضارب.
وأركان عقد المضاربة هي: الركن الأول: الصيغة المتمثلة في الإيجاب والقبول، والركن الثاني: العاقدان: وهما صاحب المال والمضارب، والركن الثالث: المال: وهو رأس المال الذي يدفعه صاحب إلى المضارب، والركن الرابع: العمل: وهو المتاجرة والإستثمار وتشغيل رأس المال من قبل المضارب، والركن الخامس: الربح: وهو الحصة أو النسبة الشائعة التي تم الإتفاق عليها لتقاسم الربح فيما بين صاحب المال والمضارب.
والمضاربة تنقسم إلى نوعين: النوع الأول: المضاربة المطلقة حيث يكون للمضارب حرية التصرف في المال دون قيود، والنوع الثاني: المضاربة المقيدة: حيث يضع صاحب العمل قيوداً على تصرفات المضارب. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة، صنعاء 2018م، صـ352).
الوجه الثاني: المضاربة في القانون المدني اليمني
نظم القانون المدني اليمني المضاربة (القراض) تنظيماً مفصلاً مبيناً تعريف المضاربة وأركانها وشروطها وأحكامها وإنقضائها، وذلك في المواد من (841) حتى نهاية المادة (873)، وهذا التنظيم القانوني لا يختلف كثيرا عن التنظيم الفقهي لعقد المضاربة ، لأن القانون المدني اليمني عبارة عن تقنين للمختار من أقوال الفقهاء، ولذلك فسنكتفي بذكر تعريف المضاربة في القانون والنصوص ذات العلاقة بإكتساب المضارب للأموال من عائدات المضاربة.
وفي هذا الشأن فقد عرّف القانون المضاربة في المادة (841) مدني التي نصت على أن: (المضاربة (القراض) هي أن يدفع شخص هو رب المال أو من يمثله إلى شخص آخر مالاً معلوم القدر والصفة مقابل جزء من الربح معلوم النسبة أو بحسب العرف).
وبشأن الربح الناتج عن المضاربة نصت المادة (856) مدنى على أنه (لا يجوز للعامل أن ينفرد بأخذ حصته من الربح دون شريكه)، وفي هذا السياق نصت المادة (857) مدنى على أن (يملك العامل حصته من الربح منذ ظهوره ولكن لا يستقر ذلك إلا بالقسمة وكل تصرف فبلها أدى إلى خسارة تؤخذ من الربح جبراً لرأس المال وأن انكشف الخسر بعد القسمة).
وقد صرحت المادة (861) مدني بأن الأموال التي يتم إكتسابها تدخل في مال المضاربة ويتم تقسيمها بين صاحب المال والمضارب بحسب النسب المتفق عليها، إذ نصت المادة (861) مدنى على أن (يدخل في مال المضاربة ما اشترى بنيتها أو بمالها ولو بغير نية).
الوجه الثالث: وقت قسمة الربح في المضاربة
الأصل أن يتم تضمين عقد المضاربة تحديد وقت قسمة ربح المضاربة، وقد يتم الإتفاق بين صاحب المال والمضارب لاحقاً على تحديد هذا الوقت، وإذا لم يتم تحديد وقت معين لقسمة ربح المضاربة في العقد، فأنه يجوز للمضارب أن يطلب قسمة الربح بعد إنتهاء العمل أو إنتهاء مدة العقد، ولا تجوز قسمة ربح المضاربة مع بقاء عقد المضاربة إلا بإتفاق الطرفين، لأن الربح يعتبر وقاية لرأس المال، فقد تحدث خسارة لاحقاً فتجبر من الربح. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة، صنعاء 2018م، ص٣٥٥).
الوجه الرابع: عدم جواز إنفراد المضارب بأخذ نسبة ربحه من المضاربة من غير إتفاق مع صاحب المال
نصت المادة (856) مدني على أنه (لا يجوز للعامل أن ينفرد بأخذ حصته من الربح دون شريكه)، فالواجب في الشريعة الإسلامية والقانون اليمني أن يتم الإتفاق بين العامل وصاحب المال على تحديد الربح وطريقة تقسيمه وأن يتم ذلك بعلم الطرفين وموافقتهما، لأن عقد المضاربة يقتضي هذا الأمر.
وبناءً على ما تقدم فأنه يجب على العامل أن يخطر صاحب المال بالربح المحقق وأن يخطر صاحب المال لإستلام نسبته من الربح، فلا يجوز للعامل أن ينفرد بأخذ نسبته من ربح المضاربة من غير علم صاحب المال.
الوجه الخامس: قيام العامل المضارب بإكتساب أموال من ربح المضاربة
نصت المادة (861) مدنى على أن: (يدخل في مال المضاربة ما اشترى بنيتها أو بمالها ولو بغير نية)، ومؤدى هذا النص أن الأموال التي يقوم المضارب بإكتسابها من أرباح المضاربة تدخل في مال المضاربة، وانها تكون مملوكة لصاحب المال والعامل بحسب نسبة كلٍ منهما في الربح حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل البنوك والمصارف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، صـ282)، والله اعلم.