![]() |
في القانون اليمني |
في حالات كثيرة يشترط المشتري للعقار على البائع إخلاء العين المبيعة من المستأجر الذي يشغلها، وعندئذٍ يقع النقاش بشأن مدى شرعية هذا الشرط ، ومدى صفة البائع في مطالبة المستأجر بإخلاء العين المبيعة المؤجرة، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن صفة البائع متحققة في مطالبته للمستأجر بإخلاء العين المؤجرة وتسليمها إلى المشتري وهو المالك الجديد، لان البائع ملتزم بإخلاء العين المبيعة عملا بالشرط الوارد في عقد بيع العين المؤجرة ،وبناء على ذلك فان للمشتري صفة ومصلحة في رفع دعوى إخلاء العين المبيعة المؤجرة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-4-2010م في الطعن رقم (39639)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعن مردود عليه : بأنه كان يتعين على الطاعن منذ قيام المالك الجديد بشراء العقار أن يحدد وضعه مع المالك الجديد والسعي لإبرام عقد إيجار معه، أما القول بأن عقد البيع لا يخول المطعون ضده طلب الإخلاء، فإن طلب الإخلاء مشروط في عقد البيع ، وذلك بأن يقوم البائع المطعون ضده بإخلاء العين من المستأجرين للعين المبيعة، لذلك فإن نعي الطاعن غير سديد، فلا حجية له لمجافاته للمنطق والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: مدى شرعية وقانونية شرط المشتري على البائع إخلاء العين من المستأجر الشاغل لها
هذه المسألة من المسائل الخلافية في الفقه الإسلامي، وإساسها الخلاف في هذه المسالة هو النهي عن عقد وشرط ، والنقاش فيها مبسوط في كتب الفقه الإسلامي، والمختار من أقوال الفقهاء في هذه المسألة: أن الشرط جائز إذا لم يخالف نصاً شرعياً ولم يتنافى مع المقصود من العقد، وكان في الشرط صفة ومصلحة للمشترط ،وتم النص على هذا الشرط عند ابرام عقد البيع، وتم التراضي عليه عند البيع والشراء.
فإذا اشترط المشتري عند التلفظ بصيغة الإيجاب والقبول اشترط على البائع للعقار أن يتولى البائع نفسه مطالبة المستأجر بإخلاء العين المبيعة المؤجرة سواءً كانت المطالبة ودية أو قضائية فهذا الشرط شرط جائز لا يخالف الكتاب أو السنة ولاينافي المقصود من العقد، إضافة إلى أن في هذا الشرط مصلحة مشروعة يقرها الشرع تعود على المشتري ، فهذا الشرط لا يتنافى مع المقصود من عقد البيع بل أنه يحقق المقصود من عقد البيع وهو إستلام المشتري للمبيع وإنتفاعه به أو إستغلاله لحسابه. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2021م، ص144).
الوجه الثاني: صفة البائع في مطالبة المستأجر بإخلاء العين المبيعة ورفع الدعوى بإخلاء العين
سبق القول: أن شرط قيام البائع بإخلاء العين المبيعة من المستأجرين يتم ذكره في عقد البيع أو في وقت إبرام عقد البيع، ومعنى ذلك أن إرادة البائع والمشتري قد انصرفت إلى التراضي على قيام البائع بالمطالبة الودية والقضائية للمستأجر بإخلاء العين، ومؤدى ذلك أن هذا الشرط قد صار بنداً أو إلتزاماً من إلتزامات عقد البيع، وأنه يجب على البائع القيام بهذا الإلتزام والوفاء به عملاً بقاعدة: العقد شريعة المتعاقدين، وعلى هذا الأساس فقد تحققت الصفة والمصلحة في البائع إذا تقدم بدعواه أمام القضاء طالباً من القضاء إلزام المستأجر بإخلاء العين، وتبعاً لذلك فللبائع صفة ومصلحة ، حسبما هو مقرر في المادة (75) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أنه : (لا تقبل أي دعوى أو طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون...).
صحيح أن البائع للعين المؤجرة لم يعد مالكاً للعين المؤجرة بعد بيعه لها ، فلم تعد له صفة ومصلحة كمالك للعين ولكن له صفة ومصلحة كمتعاقد ملتزم بالمطالبة بإخلاء العين المؤجرة من المستأجر حتى يتمكن من تسليمها إلى المشتري للعين المبيعة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإيجار، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، صـ216).
الوجه الثالث: إستقلال عقد إيجار العين عن عقد بيعها
من مبادئ العقود إستقلال كل عقد عن غيره، فعقد الإيجارله شروطه وإلتزاماته واطرافه ، ويجب على أطرافه الوفاء بالإلتزامات المقررة في عقد الإيجار وإحترامها وتنفيذها عملاً بقاعدة (العقد شريعة المتعاقدين).
وكذلك الحال بالنسبة لعقد بيع العين المؤجرة ، فهو عقد آخر مستقل عن عقد الإيجار يجب الوفاء والإلتزام به وتنفيذه بحسن نية.
وعلى هذا الأساس فإن قيام المالك المؤجر ببيع العين المؤجرة لغير المستأجر لها لا يؤثر على عقد الإيجار السابق إبرامه بين المالك البائع والمستاجر، فتنتقل العين المؤجرة المبيعة إلى ملك المشتري ولكنها تكون مثقلة بعقد الإيجار السابق إبرامه ، بمعنى أن عقد الإيجار يظل قائماً ونافذاً في مواجهة المالك الجديد للعين المؤجرة بالشروط ذاتها الواردة في عقد الإيجار.
وفي هذا الشأن نصت المادة (72) من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين اليمني على أنه: (إذا انتقلت العين المؤجرة من مالك إلى آخر بما في ذلك الورثة تظل عقود الإيجار التي ابرمها المورث أو المالك الأول سارية في مواجهة المالك الجديد أو الورثة، وتنتقل ضمانات المؤجر وإلتزاماته إليهم، ولا يجوز لهم الإنتقاص منها طوال فترة سريان العقد، وعلى البائع إعلام المشتري بمدة الإيجار وإلا فللمشتري حق فسخ عقد البيع). (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢١، صـ١٤٧)، والله أعلم.