جزاء إغفال بيانات الحكم في القانون اليمني

حددت المادة (229) من قانون المرافعات اليمني البيانات التي يجب توفرها في الحكم القضائي، وصرحت المادة (230) من القانون ذاته أن بيانات الحكم تكمل بعضها فيما يتعلق بنفي التجهيل ، ومع أن بيانات الحكم وجوبية وفقا للمادة (٢٢٩) المشار إليها إلا أن إغفال بعض بيانات الحكم لا يؤدي إلى بطلان الحكم طالما أن الإغفال لم يؤدي إلى التجهيل بالبيان الذي تم إغفاله، لأن بيانات الحكم الاخرى تكمله ، حسبما هو مقرر في المادة (٢٣٠) مرافعات، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-6-2010م في الطعن رقم (40372)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة أن الطاعن في السبب الرابع : نعى على الحكم المطعون فيه تأييده للحكم الابتدائي الذي لم يشتمل على البيانات القانونية مخالفاً بذلك للمادتين (229 و 230) مرافعات، والدائرة: تجد أن هذا النعي مردود بالثابت في مدونة الحكم الابتدائي ومنطوقه والأسباب التي بني عليها، فالحكم الابتدائي قد التزم بإيراد البيانات اللازمة بموجب المادتين (229 و 230) مرافعات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

جزاء إغفال بيانات الحكم في القانون اليمني
جزاء إغفال بيانات الحكم في القانون اليمني

الوجه الأول: بيانات الحكم المحددة في المادة (229) مرافعات:

حددت المادة (229) من قانون المرافعات اليمني البيانات الواجب توفرها في الحكم، فقد نصت هذه المادة على أنه (يجب أن يشتمل الحكم على البيانات التالية: -1- اسم المحكمة التي أصدرته وتاريخ الحكم ومكان إصداره. -2- أسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في المداولة. -3- اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية وطلباته ودفوعه إن كان طرفاً فيها. -4- أسماء الخصوم كاملة وصفاتهم وموطن كل منهم أو وكلائهم أو من تعينه المحكمة. -5- حضور الخصوم وغيابهم. -6- نوع القضية ورقمها ووقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفوعهم وكامل أدلتهم وأسانيدهم القانونية والواقعية. -7- منطوق الحكم وأسبابه. -8- توقيع الكاتب وتوقيع هيئة المحكمة).

ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد ورد بصيغة الوجوب، فقد بدأ هذا النص بصيغة الوجوب (يجب أن يشتمل الحكم على البيانات الآتية)، ومن المعلوم أن جزاء مخالفة الوجوب البطلان، بيد أن البطلان لا يتقرر إلا إذا كان محل الإغفال لبيانات الحكم الجوهرية وهي البيانات الضرورية لفهم منطوق الحكم أو للطعن فيه او طلبات الخصوم أو الشئ المحكوم بها أو اسماء الخصوم وصفاتهم أو القاضي والمحكمة التي اصدرت الحكم ...الخ.

 وبناءً على ذلك فهناك بيانات إذا تم إغفالها فإن ذلك لا يؤدي إلى بطلان الحكم كما سنرى لاحقاً. (نظرية الأحكام، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، المكتبة القانونية القاهرة 2006م، ص174).

الوجه الثاني: تكامل بيانات الحكم:

الحكم وحدة واحدة ، ولذلك فإن مبدأ وحدة الحكم من أهم مبادئ الحكم، فالحكم يتكون من مجموع بياناته المحددة في المادة (229) مرافعات السابق ذكرها، فبيانات الحكم هي الأجزاء التي يتكون الحكم منها جميعاً، ولذلك فإن كل بيان من بيانات الحكم يرتبط ويتعلق ويكمل البيانات الأخرى، فالحكم يتكون من مجموع هذه البيانات، وفي هذا المعنى نصت المادة (230) مرافعات على أن: (تعتبر بيانات الحكم مكملة بعضها لبعض وإغفال بيان منها إذا كان يؤدي الى التجهيل بالقضية التي صدر فيها الحكم أو القضاة الذين اشتركوا في سماع المرافعة والمداولة أو بطلبات النيابة أو الخصوم يجعل الحكم باطلاً). (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص133).

الوجه الثالث: مبدأ تكامل بيانات الحكم وعلاقته بالإغفال:

قررت المادة (230) مرافعات مبدأ تكامل بيانات الحكم، وفي الوقت ذاته قرنت المادة ذاتها مبدأ تكامل بيانات الحكم بالتصريح بأن بطلان الحكم لايقع إلا إذا كان من شأن إغفال البيان التجهيل بالحكم، ومعنى ذلك أنه عند التقرير ببطلان الحكم لإغفال بعض بياناته فأنه ينبغي النظر إلى البيانات الأخرى التي لم يتم إغفالها ، فإذا كانت البيانات الموجودة في الحكم والتي لم يتم إغفالها كافية في نفي التجهيل بالحكم فلا يترتب على الإغفال بطلان الحكم.

وقد حدد النص السابق بيانات الحكم التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم وهي البيانات التي تؤدي (الى التجهيل بالقضية التي صدر فيها الحكم أو القضاة الذين اشتركوا في سماع المرافعة والمداولة أو بطلبات النيابة أو الخصوم يجعل الحكم باطلاً).

الوجه الرابع: إغفال بعض البيانات لا يترتب عليه بطلان الحكم إلا إذا أدى ذلك إلى التجهيل بالحكم:

مع أن المادة (229) مرافعات قد صرحت بوجوب إشتمال الحكم على البيانات المحددة في تلك المادة السابق ذكرها إلا أن المادة (230) مرافعات السابق ذكرها قد صرحت بأن إغفال بعض بيانات الحكم لا يؤدي إلى إبطاله إلا إذا كان من شأن البيانات التي تم إغفالها التجهيل بالحكم، واشارت المادة (٢٣٠) إلى البيانات التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم ، وهي البيانات التي تؤدي : (الى التجهيل بالقضية التي صدر فيها الحكم أو القضاة الذين اشتركوا في سماع المرافعة والمداولة أو بطلبات النيابة أو الخصوم يجعل الحكم باطلاً) حسبما ورد في نهاية نص المادة (٢٣٠) مرافعات.

والمقصود بالتجهيل في النص السابق أن تكون القضية التي صدر فيها الحكم مجهولة أو أن يكون اسم الخصم المحكوم له أو المحكوم عليه مجهولاً او اسم القاضي أو القضاة الذين اصدروا الحكم مجهولين، أو أن يترتب على ذلك عدم معرفة المحكمة التي اصدرت الحكم أو القضاة الذين اصدروا الحكم أو عدم معرفة تاريخ صدور الحكم أو طلبات النيابة أو الخصوم...إلخ. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص134)، والله اعلم.