قبض البضاعة في عقد المرابحة بموجب الفواتير

من أهم الشروط الشرعية لصحة عقد المرابحة المصرفية أن يقبض البنك الإسلامي البضاعة قبل إعادة بيعها لعميل البنك.

 والبنك الإسلامي يستلم البضاعة من المنتج أو المورد بموجب فاتورة شراء ،وكذلك يقوم البنك بإعادة بيع البضاعة إلى العميل مقابل هامش ربح بموجب فاتورة أخرى.

 وقد استقر العرف التجاري على ان يتم البيع والشراء بموجب فواتير صادرة من البائع للبضاعة بغرض إثبات إستلام المشتري للبضاعة، فالفاتورة بمثابة وثيقة لإثبات عقد البيع الذي تم فيما بين البائع والمشتري .

 وتتضمن الفاتورة عدة بيانات من اهمها : اسم البائع والمشتري ووصف البضاعة وثمنها، والاهم من هذا وذاك ان الفاتورة دليل على إستلام البائع لثمن البضاعة ودليل على إستلام المشتري للبضاعة، وعلى هذا الاساس فالفاتورة الصادرة من البائع الأول دليل على قبض البنك للبضاعة ، كما ان الفاتورة الصادرة عن البنك دليل على قبض المشتري للبضاعة من البنك ، فالفواتير لها دور كبير في إثبات الإستلام والقبض في عقد المرابحة المصرفية، حسبما أشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-10-2010م في الطعن رقم (41063)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما بشأن الطعن بالنقض من جانب عميل البنك في عقد المرابحة فقد نعى على الحكم المطعون فيه أنه أهمل الدفوع والمستندات المقدمة من قبله، فذلك النعي غير صحيح ، حيث ذكرت الشعبة في أسباب الحكم أنه قد تبين لها أن محكمة أول درجة قد ناقشت مستندات الشركة الطاعنة فيما يخص أنها لم تستلم كامل البضاعة، وقد لاحظ المحاسب القانوني المكلف من المحكمة أنه قد ذكر في تقريره عدم مطابقة بعض فواتير البضاعة المقدمة من الطاعنة، وأشار إلى عدم صحة دعوى الطاعنة بأنها لم تستلم كامل البضاعة محل عقد المرابحة التي قامت بإستيرادها بتحويل من البنك ، كما أن مستندات البنك لم تكن محل إعتراض أو قدح في صحتها من قبل الطاعنة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

قبض البضاعة في عقد المرابحة بموجب الفواتير
البضاعة في عقد المرابحة بموجب الفواتير

الوجه الأول: المقصود بقبض البضاعة في عقد المرابحة المصرفية

المقصود بالقبض قيام البنك الإسلامي بإستلام البضاعة التي اشتراها من المنتج أو المورد ودخولها في حوزة البنك، قبل قيام البنك بإعادة بيع البضاعة إلى عميله مقابل هامش ربح يحصل عليه البنك.

 ووفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية يجب أن يكون قبض البضاعة فعلياً أو حكمياً قبل قيام البنك ببيعها لعميله بموجب عقد المرابحة المصرفية.

 ويتحقق القبض الحقيقي أو الحسي بقيام البنك بالإستلام الفعلي للبضاعة مثل قيام مندوب البنك بأخذ البضاعة بيده أو نقلها من مخزن البائع إلى مخزن البنك، أما القبض الحكمي اوالإعتباري للبضاعة فهو الذي يكون في حكم الإستلام ، ويطلق عليه مصطلح الإستلام الحكمي، فيعد حكماً بمثابة قبض حتى لو لم يكن هناك إستلام فعلي للبضاعة، ومن أمثلة الإستلام الحكمي للبضاعة إستلام البنك لمستندات شحن البضاعة لأن مستندات الشحن تقوم مقام البضاعة ذاتها حيث يتم تسليم البضاعة حقيقية بموجب سندات الشحن، ومن أمثلة القبض الحكمي إستلام البنك شهادات تخزين البضاعة وأمر الصرف المخزني أو فرز البضاعة وتميزها في مخازن البائع مع إمكانية التصرف بها أو تسليم مفتاح السيارة ومستنداتها . (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2018م، ص370). 

الوجه الثاني: ماهية فواتير البضاعة ودلالتها بصفة عامة:

الفواتير هي عبارة عن سندات يقوم البائع بإصدارها عند قيامه ببيع البضاعة وتسليمها المشتري ، وتحمل الفاتورة اسم وعنوان التاجر البائع ، وتدون فيها بيانات عدة من أهمها: اسم البائع والمشتري ورقم الفاتورة وتاريخ إصدارها وأوصاف البضاعة المبيعة وكمياتها وثمن كل صنف منها على حدة والثمن الإجمالي للبضاعة كلها ، ويقوم البائع بتسليم المشتري نسخة من الفاتورة ويحتفظ البائع بنسخة أخرى منها، ويقوم المشتري بقبض أو إستلام البضاعة بموجب الفاتورة، وتكون الفاتورة دليل قاطع على ملكية المشتري للبضاعة بالثمن المحدد فيها.

وفاتورة البيع عبارة عن عقد بيع، إذ تتضمن الفاتورة البيانات الواجب توفرها في عقد البيع، وقد جرى العرف في دول العالم المختلفة على إعتبار الفاتورة عقد بيع، وقد سبق لنا تناول هذه المسألة في أكثر من تعليق. 

ومن المؤكد أن الفاتورة النقدية يتم تحريرها في العرف التجاري لإثبات إستلام المشتري للبضاعة المذكورة فيها وكذا إثبات إستلام البائع للثمن ونفاذ البيع، فالبائع لايصدر الفاتورة النقدية إلا إذا كان قد قبض ثمن البضاعة، والمشتري لايدفع الثمن المذكور في الفاتورة النقدية إلا اذا كان قد قبض البضاعة. 

الوجه الثالث: دلالة الفواتير على قبض البنك للبضاعة:

سبق القول في الوجه السابق أن فاتورة البيع تدل على أن المشتري قد استلم من البائع البضاعة الموصوفة في الفاتورة، وبحسب هذا المفهوم فإن فاتورة شراء البنك للبضاعة من المنتج أو من المورد تدل على إستلام البنك للبضاعة، لأن الفاتورة لا تصدر إلا للتدليل على إستلام البائع للثمن وإستلام المشتري للبضاعة المذكورة في الفاتورة.

 ومن جانب آخر فإن الفاتورة الصادرة من البنك كبائع إلى عميل البنك تكون دليلاً على إستلام العميل للبضاعة المذكورة في الفاتورة الصادرة من البنك، وتكون دليلا على إستلام البنك لثمن البضاعة إذا كانت الفاتورة نقدية ، اما إذا كانت الفاتورة بيع بثمن ٱجل فانها تدل على إستلام المشتري للبضاعة وعدم إستلام المشتري للثمن ، لان هذه الفاتورة تثبت ان الثمن ٱجل وليس حالا. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل البنوك والمصارف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص)، والله أعلم.