تقوم المحلات والمؤسسات التجارية بطباعة سندات تحصيل أو قبض المبالغ التي يدفعها الزبائن سداداً لديون أو قيمة بضاعة ، وقد تكون السندات على هيئة دفاتر ورقية يتم تعبئة بياناتها ، وقد تكون مستخرجة من الحاسوب ، وتحمل هذه السندات اسم المحل أو المؤسسة التجارية وبعض بيانات المحل، ففي هذه الحالة تكون هذه السندات حجة قاطعة على التاجر أو المحل الذي تحمل اسمه، فلا يجوز له التنصل مما ورد فيها بالقول : أن الذي قام بالتحصيل أو القبض أو الإستلام ليس مخولاً بالتحصيل أو أنه غير مختص أو أن الغير قد استعمل تلك السندات بطريقة غير مشروعة عن طريق إختلاس نماذج السندات أو كانت مفقودة فاستعملها الشخص الذي عثر عليها أو القول انه قد تم إستخراجها من الحاسوب خلسة أو بطريقة غير مشروعة ، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-1-2010م في الطعن رقم (37971)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فنعي الطاعن ليس في محله ، لأن النتيجة التي توصل إليها الحكم المطعون فيه سائغة ومقبولة ، لتظافر المستندات المؤيدة ومنها: -1- سندات القبض للمبالغ المثبت فيها اسم...... وعلامته التجارية وتحتها اسم الطاعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية سندات القبض (التحصيل) أو الإستلام
هي عبارة عن دفاتر إلكترونية مطبوعة أو دفاتر ورقية متسلسلة تحمل اسم المحل أو المؤسسة التجارية التي تصدر عنها، وتتضمن هذه السندات بيانات معينة منها: رقم السند وتاريخه واسم المحل الصادر عنه السند والمبلغ الذي تم تحصيله بموجب السند واسم الشخص الذي قام بدفع المبلغ المذكور في السند مع الإشارة إلى مقابل المبلغ المذكور في السند أي الغرض من دفع المبلغ، وفي ذيل السند يقوم الموظف الذي استلم المبلغ بالتوقيع على السند، ويتم تحرير سند القبض أو التحصيل من نسختين نسخة أصلية يتم تسليمها كإيصال إلى الشخص الذي دفع المبلغ والنسخة الأخرى يتم حفظها لدى الجهة التي استلمت المبلغ المذكور في السند لإجراء القيود المحاسبية اللازمة.
ويقوم الموظف المختص بالتحصيل في الجهة التي تقوم بالاستلام يقوم الموظف بتدوين أو كتابة كافة بيانات سند القبض أو التحصيل أو الإيصال أو الإستلام. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المحررات، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، س ١٦٨).
الوجه الثاني: الغرض من تحرير سند القبض أو الاستلام
ذكرنا أن الجهة القابضة للمبلغ هي التي تقوم بتحرير القبض أو الإستلام حتى يكون هذا السند وسيلة إثبات بيد الشخص الذي قام بدفع المبلغ أو تسليم الشئ، حتى لاتتم مطالبة دافع المبلغ بدفع المبلغ مرة أخرى ، فيتم تسليم اصل السند الى الشخص الدافع حتى يتمكن من التمسك بالسند في مواجهة أية مطالبات أو إدعاءات بشأن المبلغ المذكور في السند.
الوجه الثالث: الطبيعة القانونية لسند القبض أو الإستلام
يعد سند إستلام النقود أو الأموال أو الأشياء إقرار من الشخص أو الجهة التي استلمت النقود او المال يعد إقرارا منها بإستلام المبلغ اوالمال، وعلى هذا الأساس فأن سند القبض أو الإستلام يكون إقرارا مكتوبا، ويكون لسند القبض حجية المحرر الموقع عليه من الخصم وفقاً للمادة (104) من قانون الإثبات اليمني التي نصت على ان: (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة فإذا لم يقيم المدعي البرهان على الخط حلف المدعى عليه البت والقطع اما الوارث أو خلفه فأنه يحلف على نفي العلم) .
وبناءً على هذا النص فأن سند القبض أو الإستلام يعد محرراً عرفياً يتضمن إقرار المستلم بإستلامه للمبلغ أو المال أو الشيء المذكور في السند، وقد جرى العرف التجاري في اليمن وغيرها على أن سند القبض أو الإستلام أو الإيصال حجة قاطعة في إثبات واقعة دفع أو تسليم الشيء المذكور في السند.
الوجه الرابع: مسئولية المحل التجاري أو المؤسسة عن المال الذي تم تحصيله المذكور في سند القبض
ألمح الحكم محل تعليقنا إلى مسئولية المحل الذي يحمل سند الإستلام المطبوع يحمل اسم المحل التجاري وشعاره وعنوانه، بإعتبار أن وجود نظام التحصيل الإلكتروني أو دفتر سندات الإستلام لدى الموظف دليل على أن صاحب المحل التجاري قد قام بتوكيل أو تكليف الموظف المختص بتحصيل الاموال اوالأشياء المستحقة للمحل ، وللتأكيد على ذلك فقد وضع صاحب المحل نظام التحصيل الإلكتروني أو دفتر السندات لدى الموظف المختص بتحصيل الاموال أو الأشياء التابعة للمحل، فالدافع للمبلغ أو المال المذكور في السند عند قيامه بالدفع إنما تعامل مع المحل وليس مع الشخص الذي قام بتحصيل المبلغ أو المال.
ولذلك فأن المحلات عندما يفقد منها دفتر سندات القبض أو التحصيل تقوم بالإعلان عنه في الصحف الرسمية الواسعة الإنتشار، إذ يتضمن الإعلان فقدان الدفتر وبيان أرقام السندات الموجودة في الدفتر والإعلان كذلك بإلغاء هذه السندات وعدم صلاحيتها للتحصيل ويتضمن الإعلان أن الجهة لا تتحمل مسئولية التحصيل بموجب تلك السندات المفقودة، وبعد الاعلان تبطل حجية السندات المفقودة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل المحررات، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، س ١٧٠).
الوجه الخامس: يجب على حامل سند القبض أن يسلك طريق إستصدارأمر الأداء وليس الدعوى اذا كان المبلغ المدفوع دينا
نصت المادة (٢٦٣) مرافعات على انه (إستثناء من القواعد العامة يجب إتباع الأحكام الواردة في هذا الباب إذا كان حق الدائن ثابتا بالكتابة وحال الاداء وكان المطالب به دينا من النقود معين المقدار أو منقولا معينا بنوعه ومقداره ...الخ،).
فهذا النص ورد بصيغة الوجوب لإعتبارات حسن سير القضاء والعدالة حتى لاتتراكم القضايا الموضوعية أمام المحاكم ، لأن المبلغ المذكور في السند خال من النزاع فلايحتاج إلى دعوى وإجابة، إضافة الى ان شروط أمر الأداء المذكورة في النص القانوني السابق تنطبق تماما على سند القبض ، والله اعلم.