الفاتورة ليست دليلاً من صنع من اصدرها

القاعدة العامة أنه لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلاً لنفسه يحتج به في مواجهة خصمه، بيد أن الفاتورة التي يصدرها البائع تكون حجة له وعليه رغم انها صادرة من الخصم البائع، لأن العرف التجاري قد جرى على أن البائع هو الذي يقوم بإصدار الفاتورة التي تكون بمثابة إثبات عقد البيع والشراء، اذ تثبت الفاتورة إستلام البائع للثمن المحدد فيها وكذا إستلام المشتري للبضاعة المذكورة فيها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-12-2009م في الطعن رقم (37785)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وفيما يخص نعي الطاعنين بأن الفواتير صادرة من المطعون ضده فإنه من الطبيعي أن يصدر بائع البضاعة فواتير لما يبيعه ، وهو عرف تجاري لا غبار عليه، ولذلك يرفض هذا السبب)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الفاتورة ليست دليلاً من صنع من اصدرها

الوجه الأول: قاعدة : لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلاً لنفسه

معنى قاعدة عدم جواز أن يصطنع الإنسان دليلاً لنفسه، معنى ذلك أنه لايجوز للإنسان أن يثبت حقه أو يدفع عن نفسه إدعاء بدليل من صنعه، فيجب أن لا يكون الدليل الذي يحتج به الخصم صادرا عن الخصم نفسه، لأن الدليل الصادر عن الخصم نفسه الذي يحتج به الخصم يتسرب إليه الشك لفطرة الإنسان المجبول على الانانية والحرص على رعاية حقوقه ومصالحه، فقد يدفعه هذا الوضع الى تحوير الحقائق الواردة في الادلة التي يصطنعها ، فمنلطق هذه القاعدة هو الحرص على سلامة الدليل من الشبهات وحياديته.

الوجه الثاني: الوضعية القانونية للفاتورة الصادرة من البائع

المعتاد أن البائع عند قيامه ببيع البضاعة للمشترين هو الذي يقوم بإصدار الفاتورة التي تحمل اسم محله التجاري ويتم التوقيع عليها من قبله فقط إذا كان المشتري قد دفع القيمة نقداً ، وتتضمن الفاتورة اسم المشتري واسم البائع وتاريخ البيع وأوصاف البضاعة محل البيع وثمنها، وإذا كانت الفاتورة نقدية أي قام المشتري بدفع القيمة نقداً عند الشراء فإن الفاتورة تتضمن اسم المشتري غير أنها لا تتضمن توقيع المشتري، ومن المعروف أن الذي يقوم بكتابة البيانات في الفاتورة هو البائع وليس المشتري ، فلايكون اسم المشتري المذكور في الفاتورة توقيعاً من قبل المشتري على الفاتورة.

 وبناءً على ذلك فأن فاتورة البيع النقدية الصادرة من البائع تهدف إلى إثبات بيع البضاعة المذكورة في الفاتورة وإستلام المشتري للبضاعة وتمام البيع والشراء بالثمن المحدد في الفاتورة، وتثبت الفاتورة إتفاق البائع والمشتري على البيانات الواردة في الفاتورة، ولهذا فان الفاتورة عبارة عن عقد بيع، بيد أنها لا تحمل إلا توقيع البائع فقط. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المحررات ، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص١٧٤).

الوجه الثالث: حجية الفاتورة النقدية الصادرة من البائع التي لا يقوم بالتوقيع عليها المشتري

ذكرنا فيما سبق أن الفاتورة بمثابة عقد بيع مكتوب بالنظر إلى البيانات الواردة في الفاتورة إلا أنه ينقصها عدم وجود توقيع للمشتري عليها، غير أن العرف التجاري قد أستقر في العالم كله أن المحلات التجارية حينما تقوم ببيع السلع لزبائنها نقداً تقوم بإصدار فواتير باسم المحل ، فلا تحمل فاتورة البيع النقدية إلا اسم وتوقيع البائع فقط،، والعرف في المعاملات التجارية محل إعتبار في القانون التجاري اليمني وفقاً للمادة (6) التي نصت على أنه: (إذا لم يوجد نص قانوني يمكن تطبيقه حكم القاضي بموجب أحكام الشريعة الإسلامية فإن لم يوجد حكم بموجب العرف ويقدم العرف الخاص أو العرف المحلي على العرف العام وإن لم يوجد عرف طبقت مبادئ وقواعد العدالة، على أنه بالنسبة لوسائل الإثبات تطبق القواعد المتعارف عليها في المعاملات التجارية)، فهذا النص يصرح بأنه بالنسبة لإثبات المعاملات التجارية يتم العمل بالعرف السائد، ومن المعروف أن العرف قد جرى على إعتبار الفاتورة وسيلة إثبات معاملة تجارية وهي البيع والشراء، (التعليق على احكام المحكمة العليا في المحررات ، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص١٧٢)، والله اعلم.