حجية الحكم غير المنهي للخصومة

حجية الحكم غير المنهي للخصومة

تصدر المحكمة عدة قرارات أثناء نظرها في الخصومة، بيد أن هذه القرارات لا تكون فاصلة في الخصومة أو منهية للخصومة، لذلك فالحكم غير المنهي للخصومة لا يتمتع بحجية الأمر المقضي به، ومؤدى ذلك أن صدور الحكم المنهي للخصومة لا يمنع المحكمة التي اصدرته من مخالفته أو القضاء بخلافه، فلاتكون للاحكام أو القرارات غير منهية للخصومة حجية في مواجهة الحكم الفاصل في النزاع المنهي للخصومة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-4-2010م في الطعن رقم (38223)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ولما كان حكم المحكمة العليا السابق الإشارة إليه قد انتهى إلى أن حكم الشعبة الآنف ذكره غير منه للخصومة فلا وجه للتمسك بحجية حكم الشعبة السابق أو البناء عليه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تعريف الحكم غير المنهي للخصومة

الحكم غير المنهي للخصومة هو الحكم الذي يصدره القاضي أثناء سير إجراءات نظر الدعوى، ولا يؤدي إلى إنتهاء الخصومة بشكل كامل بل يتعلق بمسألة إجرائية أو جزئية في الدعوى، مثل تكليف أحد الأطراف بتقديم مستندات أو تكليفه بالرد على الدعوى أو قرار إجراء المعاينة أو رفض طلب إجراء المعاينة أو تكليف شاهد بالإدلاء بشهادته ، وكذا قرار المحكمة رفض دفع غير متعلق بالنظام العام أو قرار تكليف خبير أو قرار إحالة مستندات إلى المعمل الجنائي أو قرار ضم الدفع غير المتعلق بالنظام العام إلى الموضوع...إلخ.

فمن خلال ذلك يظهر ان الحكم غير المنهي للخصومة لا ينهي الخصومة فهو عبارة عن قرار تحضيري أو تمهيدي أو اولي لصدور الحكم المنهي للخصومة لاحقا ، فالحكم غير المنهي للخصومة يترك الفصل في النزاع للحكم النهائي الذي يصدر في نهاية إجراءات نظر القضية.

ولأن الاحكام غير المنهية للخصومة كذلك فانه لايجوز الطعن فيها إستقلالاً وإنما يجوز الطعن فيها مع الطعن في الحكم النهائي، إضافة إلى أن الحكم غير المنهي للخصومة لا يمنع المحكمة من الفصل في القضية بشكل نهائي على خلاف ماورد في الحكم غير المنهي للخصومة. (نظرية الاحكام ، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، منشأة الإسكندرية 2007م، ص93).

وهناك عدة تسميات للأحكام غير المنهية للخصومة منها: القرارات الأولية أو التحضيرية أو التمهيدية ، فهذه القرارات بكل تسمياتها هي عبارة عن قرارات غير حاسمة للخصومة المدنية. (الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع في التشريع المصري والقانون المقارن، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، مكتبة الوفاء القانونية القاهرة 2015م، ص26).

الوجه الثاني: حجية الحكم المنهي للخصومة

نصت المادة (233) من قانون المرافعات اليمني على أن (تحوز الأحكام القطعية الفاصلة في الموضوع حجية الأمر المقضي به بمجرد صدورها وفقاً للشرع والقانون) ، ودلالة مفهوم هذا النص أن الحكم غير المنهي للخصومة ليس له حجية دائمة لأنه غير قطعي وغير فاصل في النزاع.

فالحكم غير المنهي للخصومة لا يتمتع بحجية الأمر المقضي به، ومؤدى ذلك أن صدور الحكم المنهي للخصومة لا يمنع المحكمة التي اصدرته من مخالفته أو القضاء بخلافه.

الوجه الثالث: الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة يقع خلافاً للقانون

ينص قانون المرافعات اليمني صراحة على منع الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة ، وانه عمل مخالف للقانون ، وفي هذا الشأن نصت المادة (274) مرافعات على أنه (لا يجوز الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها عدا ما يلي: -1- ما أصدرته المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو بعدم الإختصاص أو بالإحالة على محكمة أخرى للإرتباط ، فيجوز الطعن في هذه الأحوال إستقلالاً خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، وعلى محكمة الاستئناف الفصل فيها على وجه الإستعجال –ب- في الاحكام المستعجلة أو القابلة للتنفيذ الجبري يطعن فيها وفقاً للمواعيد المنصوص عليها في هذا القانون).

ومن خلال إستقراء النص السابق يظهر أن الطعن في القرارات غير منهية للخصومة عدا الاستثناءات الواردة في النص يظهر أن ذلك يقع خلافاً للقانون أي أن ذلك يعد مخالفاً للقانون الذي ينظم إجراءات التقاضي، وهذا النص آمر واجب التطبيق، ولذلك فهو من النظام العام الذي لاتجوز مخالفته.

الوجه الرابع: الحكمة التي جعلت قانون المرافعات يحظر الطعن في القرارات غير منهية للخصومة

سبق القول في الوجه السابق أن الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة يخالف قانون المرافعات بإعتباره القانون الذي ينظم إجراءات التقاضي، إذ أن ذلك القانون يصرح أن الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة يخالف الغايات التي ابتغاها القانون، فقد افترض القانون ان الطعن في تلك القرارات يحول دون تحقيق العدالة على النحو المطلوب وأن ذلك يطيل إجراءات التقاضي ويتسبب في تناقض الاحكام والقرارات والإجراءات في القضية الواحدة، وأن ذلك يبعثر القضية الواحدة إلى طعون مختلفة في اجراءات القضية الواحدة، وتصدر في تلك الطعون قرارات متناقضة، وأن ذلك يعقد إجراءات التقاضي في القضية ويطيل امد النظر فيها ، فضلاً عن أن ذلك يرهق القضاء والخصوم معاً، إضافة إلى أن الطعن في القرارات غير منهية للخصومة يعطل مبدأ الإقتصاد في إجراءات التقاضي، ويفضي إلى الهدر الإجرائي حينما تتجزأ القضية الواحدة إلى اجزاء منفصلة مع أنها في الاصل متصلة مجتمعة في قضية واحدة ينبغي ان يصدر فيها حكم واحد يتهي النزاع الموضوعي بكل تفاصيله.

الوجه الخامس: الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة إستقلالا مظهر من مظاهر التقاضي الكيدي

لا ريب أن الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة مظهر من أخطر مظاهر التقاضي الكيدي، لأن الطعن في هذه القرارات عمل مخالف للقانون أي أنه غير مشروع وفقاً للنص الصريح الوارد في قانون المرافعات السابق ذكره ، فالتقاضي يكون كيديا عند شراح المرافعات حينما يكون الطاعن غير محقاً في طعنه ، فالشرع والقانون هو الذي يحدد المحق من غيره، وقد سبق ان ذكرنا في الوجه الأول النص القانوني الذي يصرح بعدم شرعية الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة الموضوعية.

الوجه السادس: الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة سبب من أهم أسباب إطالة إجراءات التقاضي

من المؤكد أن الطعن إستقلالا في القرارات غير منهية للخصومة سبب من أهم اسباب ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي في اليمن، لأن محكمة الموضوع أثناء نظرها للخصومة الموضوعية تتخذ قرارات ذات طابع إجرائي بحت لا تمس موضوع النزاع المنظور أمامها، ولا يترتب عليها إنهاء الخصومة الموضوعية ،. والقرارات غير المنهية للخصومة مثل: أن تقرر المحكمة الزام المدعى عليه الدافع بالرد على الدعوى أو ضم الدفع الى الموضوع أو تقرر المحكمة رفض طلب إجراء معاينة أو تكليف شاهد أو رفض دفع أو تقرر المحكمة إحالة مستند إلى المعمل الجنائي أو ترفض طلباً بذلك أو تقرر المحكمة الإنتقال للمعاينة أو تقرر تكليف خبير بدراسة مسألة فنية جزئية وغير ذلك من القرارات الإجرائية التي لا تمس الحق أو الموضوع محل النزاع ، التي لايترتب عليها إنهاء الخصومة، ومع أن هذه القرارات لا تمس محل النزاع الموضوعي ولا تنهي الخصومة الموضوعية التي لازالت منظورة لدى محكمة الموضوع، مع ذلك فإن بعض الخصوم الألداء يتعمد الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة أمام محكمة الاستئناف، فإذا أيدت محكمة الاستئناف قرار المحكمة الابتدائية غير المنهي للخصومة فإن الخصم يقوم بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي أمام المحكمة العليا ويحدث هذا بالفعل في حالات كثيرة، وتستغرق رحلة الطعن في القرار غير المنهي للخصومة رحلة طويلة شاقة ومكلفة للخصوم تستغرق ثمان سنوات يتكبد خلالها الخصوم نفقات باهظة بالإضافة إلى إهدار الوقت والجهد، ولا شك أن ذلك يلحق الضرر بالعدالة ويؤخر الوصول إلى الحقوق، ويجعل الحق والعدل بعيد المنال، والله أعلم.