كيفية إفتتاح الخصومة بعريضة الإستئناف

كيفية إفتتاح الخصومة بعريضة الإستئناف

كيفية إفتتاح الخصومة بعريضة الإستئناف

مع أن محكمة الإستئناف محكمة طعن إلا ان لمحكمة الإستئناف خصوصية تميزها عن محكمة النقض وعن المحاكم الإبتدائية، فمحكمة الإستئناف محكمة طعن يتم الطعن أمامها في الأحكام الصادرة من المحاكم الإبتدائية، وفي الوقت ذاته فإن محكمة الإستئناف محكمة موضوع مثلها في ذلك مثل المحكمة الإبتدائية، ولذلك يجب على الطاعن عند صياغة عريضة الإستئناف أن يستحضر خصوصية المحاكم الإستئنافية عند الصياغة، وأن يكتفي بذكر المطاعن أو العيوب التي شابت الحكم الإبتدائي والأسانيد القانونية والواقعية التي تدل على صحة عيوب الحكم التي ساقها في عريضة إستئنافه، فلا ينبغي للمستأنف أن يذكر في عريضة الإستئناف الوقائع وإجراءات المحاكمة ومنطوق الحكم المطعون، فينبغي على المستائف أن يتقيد ويلتزم ببيانات عريضة الطعن المحددة في المادة (279) من قانون المرافعات اليمني ، فهي البيانات التي يجب أن تشتمل عليها عريضة الطعن بصفة عامة ، وبناء على ذلك ينبغي ان لا يذكر المستائف في عريضة الإستئناف إلا ما كان متصلاً مباشرة بالعيوب أو المطاعن في الحكم الإبتدائي، فيجب على المستائف ان يترك عرض التفاصيل الدقيقة للمرافعات الكتابية والشفهية التي ستتم أمام محكمة الإستئناف بعد إنعقاد الخصومة الإستئنافية، لأن محكمة الإستئناف وإن كانت محكمة طعن إلا أنها محكمة موضوع يحضر الخصوم امامها جلسات المحاكمة وتتم المرافعة شفاهة وكتابة بخلاف الحال أمام المحكمة العليا (محكمة النقض)،لان إفتتاح الخصومة الإستئنافية بعريضة مطولة يجعل العرائض والمذكرات التالية لعريضة تنهج النهج ذاته فتتضخم ملفات القضية وتتشعب القضية ويتسع نطاق الخلاف وتتعثر القضية ،وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-11-2010م في الطعن رقم (41830)، فقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: (ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الطاعنة افتتحت خصومة الإستئناف بالعريضة المطولة السالفة الإشارة إليها وجارتها في ذلك المطعون ضدها في ردها على عريضة الإستئناف بعريضة مطولة، مع أن إفتتاح الخصومة أمام محكمة الإستئناف يكون ببيان الوقائع وأحكام القانون التي ينعاها الطاعن على الحكم المستأنف، ويقتصر الرد على ذلك، في حين أن مرحلة الترافع تأتي بعد ذلك ، حيث تقوم المحكمة بسماع إيضاحات الخصوم بشأن ما ورد في عريضة الإستئناف والرد عليه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: البيانات التي اشترطها القانون في عريضة الطعن بصفة عامة ومنها عريضة الإستئناف وتوصيتنا في هذا الشأن

الخصم الذي يطعن في الحكم الإبتدائي ويفتتح خصومة الإستئناف هو المحكوم عليه الذي يقوم برفع عريضة الطعن بالإستئناف، وقد بينت المادة (279) من قانون المرافعات اليمني البيانات التي يجب أن تشتمل عليها عريضة الطعن بصفة عامة ومنها عريضة الإستئناف ، فقد نصت هذه المادة على أن الطعن : (يجب أن يشتمل على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم ومهنهم وموطن كلٍ منهم وعلى بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه والأسباب التي بني عليها الطعن وطلبات الطاعن وتكليف الخصم بالحضور أمام المحكمة وأن يوقع عليه من الطاعن أو من وكيله وترفق المستندات المؤيدة له وسند توكيل الموكل).

 والبيانات التي اشترط النص القانوني السابق توفرها في عريضة الطعن عبارة عن جمل قصيرة مثل اسماء الخصوم وعناوينهم وبيانات الحكم المطعون فيه كرقم الحكم وتاريخه والمحكمة التي اصدرته، أما أسباب الطعن فهي وحدها التي تستغرق أغلب صفحات عريضة الطعن، ومع ذلك فانه ينبغي صياغتها بعبارات موجزة ومركزة لتجنيب العريضة عيب الإطالة.

ومن خلال مطالعة النص القانوني السابق يظهر أن حشو عريضة الإستئناف بعرض وقائع القضية امام المرحلة السابقة أو عرض منطوق الحكم المطعون فيه أو عرض إجراءات المحاكمة أمام المحكمة المطعون في حكمها لا أصل له أو أساس قانوني، والظاهر بوضوح أن الحشو في عريضة الطعن يؤدي إلى طول مذكرة الرد على الطعون وتناول مسائل خارجة عن الطعن مما يتسبب في توسيع نطاق الخصومة وتشعبها وتضخم ملفها ثم تعثرها، ولاريب أن العرائض والمذكرات المطولة ترهق الخصوم وترهق القضاة وتضخم ملفات القضايا وتطيل إجراءات التقاضي.

ولذلك فأنه من الواجب وفقاً للنص القانوني السابق أن يتم الإقتصار عند صياغة عرائض الطعون بصفة عامة الإقتصار على البيانات المحددة في المادة (27٩) مرافعات السابق ذكرها، ولتفعيل ما ورد في المادة (27٩) مرافعات نوصي: بإصدار تعميم يتضمن التنويه بوجوب إلتزام الخصوم بالبيانات الواردة في المادة (27٩) وعدم الزيادة عليها بإعتبار النص المشار إليه يفيد الوجوب، فصيغة النص تفيد الوجوب، اذ بدأ النص بعبارة : (يجب أن يشتمل الطعن على البيانات ...)، (مهارات الصياغة القانونية – مهارات صياغة المذكرات القضائية – أ .د .عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، 2019م ص81).

الوجه الثاني: عرض أسباب الإستئناف بإيجاز في العريضة

أشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه يجب أن تكون أسباب الإستئناف موجزة ، لأن محكمة الإستئناف محكمة موضوع تتم فيها إجراءات المحاكمة بحضور الخصوم أو من يمثلهم، وأثناء ذلك يستطيع الخصوم تقديم أية إيضاحات أو تفاصيل قد تستدعي ذلك أثناء سير إجراءات المحاكمة أمام محكمة الإستئناف، وتبعا لذلك لاحاجة لذكر التفاصيل والجزئيات في عريضة الإستئناف.

بخلاف الحال بالنسبة للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا التي لا يحضر الخصوم جلسات المحاكمة فيها بإعتبارها محكمة قانون، والتي لا يجوز للخصوم في طعونهم أو ردودهم الإحالة المطلقة إلى أوراق القضية ، وإنما يجب عليهم أن يذكروا في طعونهم أوجه الإستدلال بالتفصيل. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثاني، أ. د . عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٤م ).

الوجه الثالث: ماهية مطاعن الحكم

 الطعن من اسمه هو في الأصل بيان المطاعن أو العيوب التي شابت الحكم المطعون فيه ،وتتأسس فكرة الطعن في الحكم على أن عريضة الطعن تشتمل على المطاعن التي اعتورت الحكم المطعون فيه، والمطاعن في الحكم المطعون فيه هي عبارة عن الأخطاء والمخالفات القانونية التي اعترت الحكم المطعون فيه.

والمطاعن في الحكم هي أسباب الطعن المشار إليها في المادة (279) مرافعات السابق ذكرها، فصياغة أسباب الطعن تستدعي بيان موضع الطعن في الحكم عن طريق تحديد الصفحة وبيان وجه المخالفة أي بيان النص القانوني الذي خالفه الحكم أو الدليل الذي اغفله الحكم أو عمل على خلافه.

فالطعن في الحكم هو وسيلة قانونية يتمكن الطاعن من خلاله من مطالبة محكمة الطعن بتصحيح الاخطاء واوجه القصور التي وقع فيها الحكم المطعون فيه أو يطلب الطاعن من محكمة الطعن إعادة تقييم الأدلة التي قدمها الطاعن أمام المحكمة التي اصدرت الحكم الطعين. (الإستئناف في المواد المدنية والتجارية، د.محمد نصر الدين كامل، منشأة المعارف الإسكندرية 1993م، ص670).

الوجه الرابع: عيوب عرائض الطعن الطويلة

يمكن تلخيص اهم هذه العيوب على النحو الآتي:

1- إفتتاح الخصومة بعريضة مطوّلة يعني أن عريضة رد الخصم ستكون مطوّلة أيضاً وربما اكثر من عريضة الطعن ، وتبعا لذلك تكون مذكرة التعقيب اطول مما سبقها، لأن الخصم سيضطر إلى الرد على كل فقرة بل وكل كلمة وردت في صحيفة الطعن المطوّلة، وهكذا تكون عريضة الطعن أو الدعوى المطولة إفتتاح وتدشين للمذكرات المطولة في القضية.

2- تضخيم ملف القضية، فمن المعتاد في اليمن أن يكون ملف بعض القضايا عبارة عن مجموعة من (الكراتين) تتضمن أوراق القضية، بل قد شاهدت بعيني ملف قضية تم وضعه في شوالات لكثرة المذكرات المطوّلة والأوراق التي قدمها الخصوم في تلك القضية.

3- عدم قدرة القاضي على الإحاطة بالقضية ذات المذكرات المطوّلة، لأن حقائق النزاع تضيع بين ركام العبارات التي يسهب الخصوم في كتابتها في مذكراتهم المطوّلة ، وقد طالعت بنفسي مذكرات ذكر فيها الخصوم امثلة شعبية ونقول من كتب لاعلاقة لها بموضع الاستدلال.

4- تعثر القضايا ذات المذكرات المطوّلة والملفات المتعددة، فمن المعلوم أن غالبية القضايا المتعثرة هي من القضايا التي تتكون من عدة ملفات أو كراتين أو شوالات، والتي تحتاج من القاضي لنظرها أن يقوم القاضي بالتنقيب بين صفحاتها للوقوف على حقائق النزاع وأدلة الخصوم وطلباتهم ، ولسرعة الفصل في القضايا ذات الكراتين والشوالات فقد سلك مسلكا حميدا احد القضاة الشباب الذي افخر اني ساهمت في تدريسه، فعندما تم نقله إلى محكمة سلموا له في تلك المحكمة ست قضايا من القضايا التي تتكون من كراتين وشوالات ، فما كان من القاضي البارع الا ان كلف الخصوم بتلخيص ماسبق لهم تقديمه في تلك القضايا، وقام الفصل في القضايا الست التي عجز سابقوه عن الفصل فيها وقام بالفصل فيها في وقت قياسي ضمن العشرين القضية المطلوب منه الفصل فيها.

5- الإسترسال في صياغة المذكرات المطوّلة يسهم في تشعب النزاع وتعقيده وتوسيع رقعة النزاع بين الخصوم، فالخصم حينما يسترسل في صياغة الطعن يعرج على مسائل عدة ليست محل خلاف أو نقاش بين الخصوم فيضطر الخصم الآخر للرد على تلك المسائل فيتشعب النزاع ويتعقد وتتعثر القضايا.

6- عريضة الطعن المطوّلة تسهم في إذكاء النزاع بين الخصوم وتأجيج الخلاف، فالخصم حينما يسترسل ويسهب في صياغة عريضة الطعن أو غيرها، تزّل عليه كلمات وعبارات تؤدي إلى إثارة حفيظة خصمه وتولد في نفسه اللدد والخصام، فيطول النزاع.

وقد كان قضاة اليمن المتقدمين يدركوا خطورة إسترسال الخصوم وإسهابهم في الكتابة أو المرافعة الشفهية ، اذ كانوا يقوموا بتوجيه الخصوم بتحديد موضع النزاع في بداية نظر القضية والإقتصار على موضع الخلاف فقط، فقد كان أحدهم يقول: الكلام عندي مثمن!! لمنع الخصوم من الخروج عن موضوع النزاع وحتى تكون مرافعات الخصوم مركزة وموجزة.

7- تفلت النزاع من الخصوم والقاضي معاً ، لأن عريضة الطعن المطوّلة تجعل الخصم الذي يقدم عريضة الطعن المطوّلة تائهاً في طعنه، وهذا الأمر يقود خصمه عند الرد إلى الاتجاه في الإتجاه ذاته، وتبعا لذلك يتوه القاضي بين مذكرات الخصوم التائهين ،(مهارات الصياغة القانونية – مهارات صياغة المذكرات القضائية، أ. د .عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2020م)، والله أعلم.