![]() |
بقاء سند الدين لدى الدائن بعد الوفاء |
في حالات كثيرة يقوم المدين بالوفاء بالدين كله أو بعضه في حين يظل السند الكتابي المذكور فيه الدين لدى الدائن، لوجود قرابة أو صداقة بين الدائن أو المدين أو لوثوق المدين بالدائن لورعه ودينه، ففي هذه الأحوال يجب على المدين أن يثبت قيامه بالوفاء بالدين المذكور في السند الذي يعد دليلا قاطعا ، بيد انه إذا كانت هناك قرائن تدل على وفاء المدين بالدين رغم بقاء سند الدين لدى الدائن ، ففي هذه الحالة يجوز للمدين أن يطلب اليمين من الدائن على أن المدين لم يقم بالوفاء بالدين المذكور في السند، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-5-2010م في الطعن رقم (39792)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وعليه وبعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت الدائرة: أن الطاعن قد ذكر في طعنه أن الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام القانون المتعلقة بالنظام العام، وذلك لإغفاله وعدم مناقشته أدلة ووسائل الدفاع الجوهرية ، وأنه قد اقتصر وبشكلٍ عامٍ ومجمل على الرد على بعض المستندات الكتابية ، كما أغفل الحكم شهادة الشهود ، إضافة إلى أن الحكم جاء خالياً تماماً من أي نص شرعي أو قانوني...إلخ ما ورد في عريضة الطاعن، وقد كان الطاعن قد طلب في آخر طعنه توجيه اليمين للمطعون ضده بأن يحلف المطعون ضده على أن المبلغ المزبور في المحرر المؤرخ.... مازال بذمة الطاعن وأنه لم يسدده كله ولا جزءاً منه، وبراءة للذمة تستجيب هذه الدائرة لطلب الطاعن بأن يحلف المطعون ضده اليمين المطلوبة وفقاً للقانون ، فإن مضى في اليمين فله حكمه وان نكل عنها فله حكمه وفقاً للقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم ، حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الغرض من تحرير سند الدين
الغرض من ذلك تسهيل إثبات الدين الذي بذمة المدين وتحديد ميعاد الوفاء بالدين، إذ يكون السند لدى الدائن، الذي يستطيع بسهولة المطالبة بالدين بطريقة ودية وقضائية، ويستطيع اللجوء إلى القضاء لإستصدار أمر أداء بالمبلغ طالما أن الدين ثابت بالكتابة وحال الأداء وخالٍ من النزاع ومعين المقدار.
الوجه الثاني: مصير سند الدين عند الوفاء بالدين
عند قيام المدين بالوفاء بالدين كله المذكور في السند يقوم الدائن بتحرير سند قبض أو إستلام مبلغ الدين ويشار في سند قبض الدين إلى أن المبلغ المدفوع هو سداد للدين الثابت بالسند المؤرخ.....، كما يقوم الدائن في الوقت ذاته بتسليم أصل سند الدين إلى المدين، وقد يتم تمزيق سند الدين أو إتلافه، وإذا كان المدين قد سدد فقط بعض الدين فإن الدائن يقوم بتحرير سند قبض المبلغ المدفوع ويظل سند الدين لدى الدائن حتى يقوم المدين بالوفاء بالدين كاملاً.
الوجه الثالث: بقاء سند الدين لدى الدائن
بقاء سند الدين لدى الدائن دليل وليس قرينة على أن مبلغ الدين لازال بذمة المدين، وفي هذه الحالة يحق للدائن المطالبة بالدين الثابت في السند بأية طريقة، إلا إذا كان هناك سند قبض الدائن للدين يحتفظ به المدين.
الوجه الرابع: بقاء سند الدين لدى الدائن مع وجود قرائن تدل على قيام المدين بسداد الدين كاملاً أو بعضه
سبق القول: أن بقاء سند الدين لدى الدائن دليلاً قاطعاً على بقاء الدين المذكور في السند بذمة المدين، وأنه لا ينفي هذا الدليل إلا وجود سند قبض للدين لدى المدين أو تقديم المدين لأدلة تثبت قيامه بسداد الدين كله أو بعضه.
كما قد توجد قرائن تدل على أن المدين قد سدد الدين الذي بقى سنده لدى الدائن مثل: قيام المدين بتوريد أشياء إلى الدائن في وقت ميعاد سداد الدين دون ان يشار إلى انها سداد للدين أو قيام المدين بأعمال لحساب الدائن تعادل قيمة الدين دون ان يشار إلى انها سداد للدين، أو وجود تعامل نقدي أو عيني بين المدين والدائن بعد تاريخ تحرير سند الدين، أو وجود سندات لدى المدين تثبت أن الدائن مدين للمدين الأصلي، أو وجود شهادة شهود على أن المدين كان يقوم بتوريد أشياء أو القيام بأعمال لحساب الدائن في تواريخ لاحقة لتحرير سند الدين الباقي لدى الدائن.
فعند بقاء سند الدين لدى الدائن وعجز المدين عن تقديم سند قبض الدائن للدين ووجود قرائن تدل على قيام المدين بتوريد أشياء إلى الدائن أو قيام المدين بأعمال لحساب الدائن أو أن الدائن الأصلي قد صار مديناً للمدين الأصلي بعد تاريخ سند الدين، فعند وجود هذه القرائن يحق للمدين الأصلي أن يطلب من الدائن الأصلي أن يحلف اليمين على أن المدين لم يسدد الدين كله أو بعضه المذكور في السند المحفوظ الباقي لدى الدائن.
الوجه الخامس: مدى تقادم الدين المذكور في السند
سبق القول: أن الدين المذكور في السند ثابت بالكتابة ومعين المقدار وخالٍ من النزاع أي ثابت كتابة، وبناءً على ذلك فإذا لم يتضمن السند ميعاد الوفاء بالدين كأن يتضمن السند عبارة (وذلك قرضة حسنة إلى وقت طلب الدائن للمبلغ) ففي هذه الحالة فإن أحكام التقادم لا تسري إلا بعد تاريخ مطالبة الدائن بالدين.
مع التأكيد على أنه من الصعب جداً وفقاً لقانون الإثبات اليمني التمسك بأحكام التقادم بالنسبة للمبلغ الثابت بسند الدين ، لان التقادم لايسري في قانون الإثبات اليمني إذا كانت لدى الدائن قرائن تدل على صدق الدائن في دعواه ومطالبته بالدين ، وقد سبق ان ذكرنا أن سند الدين الكتابي دليل قاطع وليس مجرد قرينة . وفي هذا الشأن فقد نصت المادة (22) إثبات على أنه (لا تسمع الدعوى من حاضر بعد مضي سنة من تاريخ الإستحقاق في الأحوال الآتية: -1- حقوق التجار والصناع عن أشياء ورودها لأشخاص لا يتجرون فيها مع عدم المطالبة -2- حقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم -3- حقوق العمال والخدام والأجراء من أجور يومية وغير يومية أو ثمن ما قاموا به من توريدات لمخدوميهم)، كما نصت المادة (23) إثبات على أنه (لا تسمع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي لا تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد الأربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ الإستحقاق مع عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق الأداء من يوم ثبوته ما لم يضرب له أجل للسداد فلا يعتبر مستحقا إلا بعد انقضاء الأجل، هذا وعدم سماع الدعوى في المواد الأربع السابقة ما لم تكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق) ، فوجود سند الدين لدى الدائن دليل على صحة دعواه وليس مجرد قرينة الدائن، ولذلك فأنه من الصعب للغاية التمسك بأحكام التقادم بالنسبة للمبلغ الثابت بسند الدين طالما أن القانون ينص على انه: (ما لم تكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق)، (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الثاني ، جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠٢٤م صنعاء ، ص٣٥٤)، والله أعلم.