![]() |
دلالة توقيع المتعاقدين على العقد |
توقيع المتعاقدين على العقد دليل على رضاء المتعاقدين بما ورد في العقد وإلتزامهم بتفيذ الإلتزامات الواردة في العقد اذا تضمن العقد التزامات مستقبلية ، وكذا يدل التوقيع على العقد على تمام تنفيذ المتعاقدين للإلتزامات المطلقة المذكورة في العقد التي لم يرد في العقد وقت محدد للوفاء بها أو تلك الإلتزامات التي لاتدل طبيعتها على أن تنفيذها سيتم بعد التوقيع على العقد .
وتطبيقا لذلك اذا ورد في العقد بند ينص على أن المتعاقد سلم أو استلم المبالغ أو الأشياء الواردة في العقد، فان توقيع الإطراف على العقد يدل على تمام الإستلام والتسليم دون حاجة الى اي وثيقة أخرى تثبت إستلام تلك المبالغ أو الاشياء، حسبما أشار إليه الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-4-2010م في الطعن رقم (40429)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبإطلاع الدائرة على الأوراق مشتملات الملف تجد الدائرة: أن الطاعنة تنعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون فقد أوضحت الطاعنة بأن البند السابع من الإتفاقية المؤرخة...... قد تضمن شرطاً واقفاً مفاده: إلتزام المطعون ضده الأول (البنك) بقيد مبلغ...... لصالح الطاعنة وخصمه من مديونيتها لديه ، وذلك بتاريخ الإتفاقية مالم فتعتبر الاتفاقية ملغية، إلا ان البنك لم يف بإلتزامه في التاريخ المذكور – أي أنه لم يحقق الشرط الواقف ومن ثم فتعد الإتفاقية ملغية...إلخ، والدائرة: تجد أن هذا النعي مردود بأنه قد جاء في البند الثامن من الإتفاقية ما نصه (بالتوقيع على هذه الإتفاقية لم يبق لأي من الأطراف في مواجهة الآخر بشأن هذه الخطابات أو أي دعاوى أخرى أي حق أو دعوى أو طلب لا حاضراً ولا مستقبلاً)، كما أن أطراف الإتفاقية لم يعتبروا ما ورد في البند (سابعاً) من الإتفاقية شرطاً واقفاً، وما يؤكد ذلك إفادة ممثل الطاعنة أمام المحكمة الابتدائية في جلسة تاريخ...... أنه بعد خمسة أيام من تاريخ التوقيع على الإتفاقية النسخة الخاصة به من محامي البنك لغرض متابعة البنك في تنفيذ إلتزامه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الاول: الإلتزامات النافذة ساعة التوقيع على العقد والإلتزامات التالية للتوقيع
يجب النظر إلى الإلتزامات الواردة في العقد للتحقق من الوقت المحدد لتنفيذ كل إلتزام على حدة، وكذا يجب النظر إلى طبيعة الإلتزام وما إذا كان من الإلتزامات التي يستغرق تنفيذها وقتا بعد التوقيع على العقد ام انه من الإلتزامات التي تدل طبيعتها على أنه قد تم الوفاء بها أو تنفيذها قبل التوقيع على العقد أو عند التوقيع عليه ، لأن الغرض من إبرام العقد هو تنفيذ هذه الإلتزامات عند التوقيع على العقد ، فهذه الإلتزامات هي في الأصل موضوع العقد وبيت القصيد من التعاقد.
فمن المعروف أن العقود في الوقت المعاصر تتضمن عدة إلتزامات أصلية وثانوية وشروطاً بعضها يتم الوفاء بها أو تنفيذها قبل العقد وبعضها يتم تنفيذها بعد التوقيع على العقد.
الوجه الثاني: وجوب تحديد وقت تنفيذ الإلتزامات العقدية عند صياغة العقد
يجب على من يتولى صياغة العقد أن يحدد أثناء صياغة بنود العقد وقتا محددا لتنفيذ كل إلتزام من إلتزامات العقد إذا تضمن العقد إلتزامات وشروطاً عدة، وهو ما يطلق عليه بالصياغة الجامدة للعقود، وهي الطريقة المناسبة لصياغة العقود في اليمن، فتحديد وقت تنفيذ كل إلتزام من إلتزامات العقد يحول دون وقوع النزاع بين المتعاقدين بشأن وقت تنفيذ الإلتزامات والشروط في العقود أو النزاع بين المتعاقدين بشأن تحديد المتعاقد الذي يجب عليه أولا أن يبدأ بتنفيذ التزاماته العقدية.
وبناءً على ذلك فأنه من خلال دراسة بنود العقد تظهر الإلتزامات العقدية التي قد تم الوفاء بها قبل التوقيع على العقد وهي تلك الإلتزامات التي لم يتم إبرام العقد إلا لأجلها ، ومن خلال دراسة بنود العقد تظهر الإلتزامات أو الشروط التي أتفق المتعاقدان على تأجيل تنفيذها إلى ما بعد التوقيع على العقد، والإلتزامات الأصلية العقدية هي تلك التي يتم إبرام العقد لأجلها أي انها محل العقد أو موضوعه ، ويجب أن يتم الوفاء بها قبل التوقيع على العقد عند التوقيع عليه، أما الشروط الإجرائية الأخرى فيجوز تأجيلها إلى ما بعد التوقيع على العقد. (مهارات الصياغة القانونية – مهارات صياغة العقود -، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2020م صنعاء، ص37).
الوجه الثالث: التوقيع على العقد دليل على تنفيذ الإلتزامات المطلقة الواردة فيه
الأصل أن العقود ان تكون نافذة من تاريخ التوقيع عليها مالم يتفق المتعاقدون على تحديد تاريخ آخر لنفاذها ، ويسري هذا الأصل على الإلتزامات المذكورة في العقد إلا إذا تضمن العقد ذاته تاريخاً لاحقاً معيناً للقيام بها أو تنفيذها .
وقد تدل طبيعة العقد على أن الإلتزامات الواردة فيه سيتم تنفيذها بعد التوقيع على العقد ، فهناك إلتزامات بحسب طبيعتها تكون مستقبلية مثل: عقود العمل والمقاولات والتوريدات والصيانة وغيرها، فإذا لم يكن العقد كذلك فإن التوقيع على العقد يدل على تمام العقد وتنفيذ الإلتزامات الواردة فيه، فإذا تضمن العقد قيام أحد أطراف العقد بتسليم أو دفع أموال أو أشياء فإن التوقيع على العقد يدل على أن المتعاقد الآخر قد استلم بالفعل تلك الأموال والأشياء.
الوجه الرابع: مفهوم عبارة (لم يعد له حق او طلب) الواردة في العقد
كان الحكم محل تعليقنا قد اشار الى ان العقد قد تضمن بندا ينص على انه : بعد التوقيع على العقد لم يعد لاي من المتعاقدين أي حق أو دعوى أو طلب في مواجهة الاخر.
إذ تتضمن بعض العقود والإقرارات بندا ينص على أنه: لم يعد للشخص أو المتعاقدين أي طلب او حق أو دعوى ، ومفهوم هذا البند أن المتعاقدين الذين قاموا بالتوقيع على العقد قد أقروا صراحة بأنهم قد أقتضوا حقوقهم أو انهم قد ابرأوا من كان عليه الحق أو الالتزام ، وأنهم ايضا قد أقروا بانه لم يعد لهم أي حق أو طلب أو دعوى بشان الموضوع المذكور في وثيقة العقد.
واذا وردت عبارة : (أنه لم يعد له طلب او حق أو دعوى) في محرر صادر من شخص بمفرده فان معنى ذلك أن الشخص الذي قام بكتابة هذه العبارة والتوقيع عليها بما يفيد صدورها منه برضاه واختياره أو قام الغير بكتابة هذه العبارة الصادرة من الشخص وقام الشخص بالتوقيع عليها بما يفيد قبوله بها وموافقته عليها، فيفهم من هذه العبارة أن الشخص الذي كتبها أو قام بالتوقيع على موافقته عليها في الوثيقة يعني ذلك أنه قد أقر صراحة بأنه قد أقتضى حقه أو انه قد ابرأ من عليه الحق أو الالتزام ، وأنه لم يعد له أي حق أو طلب أو دعوى بشان الموضوع المذكور في الوثيقة.
وينصرف هذا الإقرار الى الحقوق والإلتزامات الموجودة بذمة المدين أو الملتزم بالحق خلال الفترة السابقة لللتوقيع على العقد أو تحرير الوثيقة ، وأيضاً يقتصر هذا الاقرار على الموضوع المذكور في العقد أو الوثيقة دون غيره.
الوجه الخامس: معنى الحق والطلب والدعوى الواردة في تلك العبارة
ذكرنا فيما سبق أن العبارة التي ترد في بعض الوثائق تتضمن أنه لم يعد للمتعاقد أو للمقر : (أي حق أو دعوى أو طلب)، ولا شك أن لكل كلمة من هذه الكلمات مدلول معين ينبغي الإشارة إليه بإيجاز على النحو الآتي:
معنى الحق: عندما ترد هذه الكلمة ضمن عبارة (أي حق أو دعوى أو طلب) فإن معنى الحق في هذه العبارة هو الحق المذكور في العقد أو الوثيقة، وقد يكون الحق مذكوراً على سبيل الإجمال فعندئذ يشمل كل الحق المجمل ، وقد يتم ذكر الحق مفصلا ومحدداً تحديداً دقيقا في الوثيقة التي ترد فيها العبارة المشار إليها، وعندئذٍ يكون معنى الحق قاصراً على الحق المحدد المذكور في الوثيقة دون غيره ، فلا ينصرف هذا المعنى إلى الحقوق الأخرى السابقة أو اللاحقة لتحرير العقد أو الوثيقة.
أما إذا لم يتم تحديد أو تعيين حق بعينه في العقد أو الوثيقة بأن جاءت الكلمة بصيغة عامة مثل كلمة (أي حق) فأنها تنصرف إلى جميع حقوق المقر السابقة لتحرير العقد او الوثيقة .
وإذا كان الحق المذكور في الوثيقة قد ورد بصيغة الجمع (الحقوق) أو كافة الحقوق أو الحقوق كافة فأنه يفهم من كلمة (كافة حقوقه أو كافة الحقوق) أن الاقرار يشمل كافة الحقوق سواءً المذكورة في العقد أو الوثيقة أو التي لم يرد ذكرها، غير أن ذلك المفهوم ينصرف إلى كافة الحقوق الماضية السابقة لتاريخ تحرير العقد أو الوثيقة ، ولكنه لا ينصرف إلى الحقوق اللاحقة لتاريخ تحرير العقد أو الوثيقة.
معنى كلمتي (طلب أو دعوى): معنى ذلك أنه بموجب التوقيع على العقد أو الوثيقة التي يقوم الشخص بالتوقيع عليها لا يحق له المطالبة أو الإدعاء بالحق أو الحقوق الواردة المذكورة أو المحددة في الوثيقة، أي أنه لا يجوز له المطالبة الودية أو القضائية بتلك الحقوق المذكورة في الوثيقة، فمعنى الطلب والدعوى واحد.
الوجه السادس: تنازل الشخص أو إقراره بأنه لم يعد له أي حق أو دعوى أو طلب ينصرف إلى الحقوق السابقة على الإقرار أو التنازل ولا ينصرف إلى الحقوق التي تنشأ لاحقة للعقد أو الوثيقة:
كان النقاش الذي اشار إليه الحكم محل تعليقنا بشأن توقيع الطاعن على العقد الذي تضمن بندا ينص على أنه : (لم يعد لاي من الطرفين أي حق أو طلب أو دعىوى في مواجهة الطرف الاخر) ، وقد سبق القول أن معنى ذلك إقرار المتعاقدين بانه لم يعد لاي منهما أي حق أو طلب أو دعىوى في مواجهة المتعاقد الاخر، غير أن نطاق ذلك الإقرار قاصر على الحقوق السابقة لتاريخ التوقيع على العقد أو الوثيقة، لأنه لا يجوز للشخص أن يتنازل عن حقوقه المستقبلية لأنها لم تنشأ بعد، فلايجوز التنازل عن الحق قبل وجوده.
كما ا مفهوم ذلك الإقرار قاصر على الحقوق المذكورة والمعينة في العقد أو الوثيقة ، فلا ينصرف الاقرار إلى غيرها من الأموال والحقوق التي لم يرد ذكرها في العقد أو الوثيقة.
الوجه السابع: معنى الشرط الفاسخ والشرط الواقف
ورد ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا فقرة مفادها :(كما أن أطراف الإتفاقية لم يعتبروا ما ورد في البند (سابعاً) من الإتفاقية شرطاً واقفاً، وما يؤكد ذلك إفادة ممثل الطاعنة أمام المحكمة الابتدائية في جلسة تاريخ...... أنه بعد خمسة أيام من تاريخ التوقيع على الإتفاقية النسخة الخاصة به من محامي البنك لغرض متابعة البنك في تنفيذ إلتزامه )، فقد خلطت الطاعنة في عريضة طعنها بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ ، مما يقتضي الإشارة بإيجاز إلى كل من الشرط الفاسخ والشرط الواقف.
فالشرط الفاسخ هو شرط يضاف إلى العقد ، ويحدد حالات معينة أو أحداثًا مستقبلية، إذا تحققت، فإن العقد ينفسخ وينتهي، أي يزول الالتزام الناشئ عنه بعد أن كان موجودا مرتبا لاثاره، فالشرط الفاسخ إذا تحقق يؤدي إلى زوال العقد بعد وجوده فينهي العقد وينهي آثار الالتزام الناشئ عنه، وهناك من يعرف الشرط الفاسخ بانه: اتفاق على حدث قد يقع في المستقبل بصفة غير مؤكدة ، فإذا تحقق الشرط فإنه يؤدي إلى فسخ العقد مثال: إذا اشترط أحد الطرفين في عقد إيجار أن يفسخ العقد إذا تأخر المستأجر عن دفع الأجرة في الوقت المحدد لذلك، فإن هذا الشرط يعتبر شرطا فاسخا.
في حين ان الشرط الواقف في العقد هو : وجود وقف نفاذ العقد على حدث مستقبلي أو حالة معينة يتوقف عليها نفاذ العقد ووجود الالتزام أو نفاذ العقد، أي أن الالتزام أو العقد لاينفذ أو لا يتم إلا بعد تحقق هذا الشرط، فإذا لم يتحقق الشرط الواقف ، فإن الالتزام أو العقد لا يوجد أو يظل غير نافذ، فالشرط الواقف يحدد متى يبدأ الالتزام، ويمنع الشرط الواقف وجود الالتزام أو نفاذ العقد قبل تحقق الشرط ، مثال: إذا اشترط شخص في عقد بيع أن يكون له حق استرداد المبيع إذا رد البائع الثمن، فإن البيع لا يعتبر نافذا إلا بعد أن يرد البائع الثمن، فالشرط الواقف لا يتعلق بالرغبة أو الإرادة وحدها، بل هو حدث أو حالة مستقلة عن إرادة الأطراف، مثل الزواج أو النجاح في اختبار، ويجب أن يكون الشرط الواقف ممكن التحقق، فلا يجوز أن يكون الشرط الواقف مستحيلًا أو غير ممكن التحقق، وإلا اعتبر العقد باطلًا.
اما الفرق بين الشرط الفاسخ والشرط الواقف: فيظهر الفرق بينهما من حيث ان الشرط الفاسخ يؤدي إلى إنهاء العقد الذي كان موجودا قبل وقوع الشرط، بينما الشرط الواقف يمنع نفاذ العقد وحدوث أثاره، فالشرط الفاسخ هو شرط يحدد متى ينتهي العقد أو الالتزام، بينما الشرط الواقف يحدد متى يبدأ العقد أو الالتزام ، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بان اطراف الاتفاقية لم يتعاملوا على أساس اان هناك شرط فاسخ أو واقف ، لأن الإتفاقية قد نصت على انه لم يعد لاي من اطرافها أي حق أو دعوى او طلب بعد التوقيع عليها، ومعنى ذلك ان الاتفاقية نافذة وليست موقوفة ، كما ان الممثل القانوني للطاعنة قد أخذ نسخة من الإتفاقية كي تنفذها الطاعنة ، ومعنى ان الاتفاقية لم تفسخ بعد مضي خمسة أيام على تاريخ قيد المبلغ لحساب الطاعنة، والله اعلم.