فوضى مستندات القضايا في اليمن

فوضى مستندات القضايا في اليمن

فوضى مستندات القضايا في اليمن 

كشف الحكم محل تعليقنا عن جانب من الخلل في ملفات القضايا المنظورة أمام القضاء في اليمن، وهو عدم ترتيب مستندات القضايا وعدم تصنيف المستندات وضياع بعضها ونزع بعضها من ملفات القضايا، إضافة إلى الإستعاضة عن أصول المستندات بصور لها والتغيير في محاضر جلسات المحاكمة، حسبما أشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-11-2009م في الطعن رقم (40264)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وهذه المناعي الثلاثة تجد الدائرة أن لها محلاً من حيث الواقع والقانون، ذلك أن الدائرة قد لاحظت من مطالعة أوراق ملف الطعن برمته أنه قد سادته الفوضى بما لا يتلاءم مع ما هو مفترض في ملفات القضايا الواقعة تحت سمع وبصر المحاكم، ومن ذلك على سبيل المثال أن الدائرة لم تجد أوليات طلب الحجز التحفظي ولا القرار الصادر به والإجراءات التي تلته ، وتضمين الملف الابتدائي أوراقاً بعضها محاضر أصلية والأخرى صور، وفوق ذلك فإن أوراق القضية غير مرتبة ترتيباً تسلسلياً يمكن المحكمة الأعلى درجة من الرقابة على سلامة وقانونية الإجراءات، ثم أن حكم التحكيم الذي استند إليه قاضي الأمور المستعجلة في رفع الحجز لا وجود له في ملف الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مظاهر الفوضى في مستندات القضية

أطلق الحكم محل تعليقنا على العبث والتلاعب بمستندات القضية مصطلح (الفوضى) وأشار الحكم إلى بعض مظاهر العبث والتلاعب بالمستندات ومن ذلك: فقدان أو ضياع أو نزع بعض المستندات المهمة وتبديل أصول بعض المستندات بصور ، والتلاعب بمحاضر جلسات المحاكمة وعدم ترتيب مستندات القضية، وتغيير القرارات والإجراءات الواردة في محاضر الجلسات، بل وتبديل محاضر الجلسات بمحاضر أخرى ونزع الصفحات المهمة من مستندات القضية...إلخ.

وتظهر القيمة العلمية للحكم محل تعليقنا في أنه قد سلط الضوء على جانب مظلم يشكوا منه المتقاضون في اليمن، إضافة إلى أن الحكم يظهر الدور الرائد للمحكمة العليا في الرقابة على أحكام محاكم الموضوع، إذ يدل هذا الحكم على أن المحكمة العليا لا تكتفي بالعبارة الروتينية المعتادة: (فقد وجدت المحكمة أن الحكم المطعون فيه موافق في نتيجته للشرع والقانون).

الوجه الثاني: أسباب العبث والتلاعب بمستندات ملف القضية

السبب الرئيسي لذلك: هو خروج ملف القضية من المحكمة لمرات عدة وتداوله بين عدة أيادي ، فتارة يخرجه أمين السر لتصوير أو استنساخ نسخ منه للخصوم وتارة يخرجه مرافق القاضي أو سائق القاضي أو ابن القاضي إلى منزل القاضي ، وكذلك تتداوله عدة أيادي عند عودته إلى المحكمة، وخلال رحلات ذهاب الملف وإيابه من وإلى المحكمة يتم العبث بأوراق ومستندات القضية ، وتتبدل المحاضر وتتغير الإجراءات وتنزع المستندات ، ويختل ترتيب المستندات في ملف القضية.

الوجه الثالث: مخاطر العبث بمستندات القضية وآثاره

لاريب أن لذلك مخاطر وآثار مدمرة من أهمها: فقدان الثقة بالقضاء والقضاة وتشويه سمعة القضاء والقضاة، وعدم إحاطة القاضي بوقائع القضية بسبب عدم ترتيب مستندات القضية ونزع بعضها وتبديل بعضها سيما أن النزع والتبديل يتجه إلى المستندات والاجراءات المهمة، وتبعاً لذلك يكون الحكم الصادر في القضية معيباً، لأنه قد استند إلى أوراق القضية التي طالها العبث والضياع والتلاعب، فضلاً عن أن العبث بمستندات القضية لا يمكن محكمة الطعن من بسط رقابتها للتحقق من سلامة الإجراءات التي قامت بها المحكمة المطعون في حكمها ،حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الرابع: علاج ظاهرة العبث بمستندات ملف القضية

العلاج الناجع لذلك: هو عدم خروج أصل ملف القضية من المحكمة نهائيا بإعتباره المرجع عند إختلاف المستندات ، ولذلك ينبغي إيجاد صورة من الملف تكون قابلة للتداول أو تداول صورة من الملف عن طريق الوسائط الإلكترونية كبدائل لخروج الملف الأصلي للقضية من حرم المحكمة وعدم تداولها بين عدة ايادي، فيجب أن يكون أصل ملف القضية محدود التداول.

علماً بأن كل دول العالم في الوقت الحاضر تمنع خروج اصل ملف القضية ، وبدلا من ذلك تتبع نظام تداول ملفات القضايا إلكترونياً عن طريق نظام خاص يتيح تداول ملف القضية بين المعنيين : وهم القاضي الذي ينظر النزاع وأمين السر وأطراف القضية عن طريق ملف (بي دي أف).

وهناك إجراءات في اليمن في هذا الإتجاه ، لكن يبدو أن هذا الأمر سوف يستغرق وقتاً ، ولذلك وكمعالجة مؤقتة فاننا نوصي: بعدم إخراج أصل ملف القضية من المحكمة نهائيا وإرسال ملف القضية للقاضي والخصوم بطريقة ملف إلكتروني (بي دي اف) عن طريق الهاتف الجوال، ويتم العمل بهذه الطريقة ريثما يتم تطبيق مشروع النظام القضائي الإلكتروني الإستراتيجي.

علما بان إخراج اصل ملف القضية من المحكمة الى منزل القاضي وبقائه بعهدة القاضي له إشكاليات كثيرة ليست محل تعليقنا، فهناك ملفات قضايا كثيرة تظل بعهدة بعض القضاة في منازلهم لسنوات طويلة حتى بعد إنتقال القاضي من محكمة الى أخرى، ولذلك فان منع خروج أصل ملف القضية هو العلاح الفاعل لهذه الظاهرة السلبية، والله أعلم.